منتدى الصفوة ينشر تقرير عن مشروع رمق الخيري.. "الف وجبة يومية" المبادرة الإنسانية الكبرى في اليمن
(الأول)خاص.
مايقارب عن أكثر من 9,977 أسرة مكونة من (59,862 شخصاً) تعرضت للنزوح في الداخل اليمني، خلال العام الماضي 2023 وأوائل العام 2024، وبحسب الإحصاءت الرسمية لـ(منظمة الهجرة الدولية)، فإن الغالبية منهم تحتضنهم العاصمة(عدن)، منذ اندلاع الحرب الأهلية باليمن في العام 2014م، بما في ذلك الأعداد الكبيرة للوافدين من دول القرن الأفريقي وبالأخص من الصومال واثيوبيا، حيث أنّ جُلّ هؤلاء النازحين والمشرّدين يحاول البعض منهم أن يكون من ذوي الدخل المحدود، وذلك بالإنخراط في أحد الأعمال الشاقة.. وأما البعض الآخر من معدومي الدخل ممن تكمن حاجته في عدم قدرته على الحصول على أي عمل لأسباب مختلفة ومتعددة منها
إما أن يكون مريضاً، أو ذا إعاقة صحية، أو لا يجيد القراءة والكتابة، أو غيرها من الأسباب الأخرى.
فكرة تأسيس مشروع رمق الخيري
لقد جاءت فكرة تأسيس(مشروع رمق الخيري لإطعام الطعام اليومي)، تحت إشراف مباشر من (منتدى شباب الصفوة)، الذي يقود دفته الأستاذ القدير/ عمر سالم باصم، وهو منتدى شبابي..ثقافي..دعوي..اجتماعي ينهج منهج الوسطية الشرعية والإعتدال الواعي، اسس قواعد بنيانه الشيخ العلامة أبوبكر المشهور ـ رحمه الله ـ وفي حديث خاص للأستاذ عمر باصم (الذي له الفضل الكبير ـ بتوفيق الله ـ في تأسيس المشروع وإدارته وتنظيمه) عن بدايات فكرة تأسيس المشروع، تحدّث قائلاً: إنه وبعد انقضاء فترة الحرب الضارية على العاصمة عدن، التي انعكست سلباً على وضع البلاد، واشتدت على اثرها الظروف والأزمات المعيشية على كثير من الناس، عندئذ نزح مجموعة كبيرة من الأفراد والأسر من المحافظات المجاورة إلى عدن، ووفد عدد كبير من المشردين من دول أخرى مجاورة لليمن، ولم يكن لهم مأوى ولا دخل يقتاتون به، ولم أستطع تحمل رؤية هولاء الفئات من الناس وهم يتضورون جوعاً، والبعض منهم يدفعه الجوع للشحاتة وطلب الفلوس من الناس، والبعض الآخر يتجرأ على السرقة وبيع ما يسرقه ليسد به رمقه من الجوع، تم البدء بتكثيف الجهود والسعي عند أهل الخير وطرق أبواب التجار المعروفين بالشيخ عثمان وما جاورها لتقديم الدعم اللآزم لإنقاذ هذه الشريحة من الناس للحيلولة دون وقوعهم في أزمة الفقر والجوع المدقع، مؤكداً بأن مجموعة من أهل الخير استحابوا لفكرة المشروع لتبدأ بعدها رحلة تأسيس ونجاح المشروع.
مراحل تنفيذ المشروع
فقد بدأت فكرة التنفيذ بسيطة عبارة عن توزيع وجبة مكونة من (رغيف وإدام)، وكان حينها عدد الأشخاص المرتادين إلى مكان الوجبة لا يتجاوز 100 شخص، وعند ثبات الفكرة واستمرار العمل تم رصد خطة ميزانية تكفي لثلاثة أشهر فقط (رجب، شعبان، رمضان)، مع تكثيف السعي المستمر نحو أهل الخير من التجار وحثهم على الدعم لأجل استمرار المشروع وزيادة الفترة اليومية له، وفي الوقت نفسه بدأ انهيار العملة المحليه مقابل الدولار مما أدى في فترات متقاربة إلى ارتفاع أسعار وجبات الأكل في المطاعم والمتاجر، مما أدى زيادة رقعة الفقر والجوع لدى الكثير من الفئات، وبالأخص منهم العاملين بالأجر اليومي.. والنازحين.. والمشردين.. وعابري السبيل.. من الفقراء والمحتاجين، حتى وصل بالبعض منهم تناول وجبة في اليوم الواحد وبالكاد تكون وجبتين.
لكن..وبعد مشقة وعناء كبيرين من البحث عن الدعم المالي لإستمرار واستقرار المشروع وتحسين وجباته، واشتهار المكان لمرتاديه من المستحقين للوجبات أضعاف كبيرة في بلاد انهكتها الحرب، تم تدشين المشروع على أن يقدم وجباته للمستحقين بشكل يومي وفق خطة متكاملة للعمل، وبفضل الله نجح منتدى الصفوة بتطوير المشروع ليتم استيعاب 1000 شخص يومياً لوجبتي الغداء والعشاء، بحيث تستوعب وجبة الغداء 700 شخص أو اكثر محتوية على "الأرز والدجاج والمشكّل الخضار"، ووجبة العشاء 300 شخص أوأكثر.. وتتكون من "المكرونة.. أوالفاصوليا والفول والرغيف والروتي"، كما تم اختيار المكان المناسب للمشروع ضاحية (مسجد العيدروس) بمديرية (الشيخ عثمان) بمحافظة عدن، كونه يقع وسط المديرية وهو المكان الأكثر استيعاباً للنازحين والمشردين والعمال محدودي أو معدومي للدخل وعابري السبيل الذين تقطعت بهم السُبل من أبناء السبيل المستحقين للوجبة.
مشاهد إنسانية قاسية
عند الحديث عن مشروع رمق الخيري لإطعام الطعام اليومي، والذي يواصل مسيرته بوتيرة عالية وخُطىً ثابتة للعام التاسع على التوالي منذ تأسيسه في مديرية الشيخ عثمان في أوائل العام 2016، تستوقفك مشاهد إنسانية فريدة قاسية، لا تجدها كثيراً في أماكن أخرى، وتكاد عيناك تُملئ بها انبهاراً وخجلاً وتألماً من مشاهدتها عند ما تزور مكان إقامة المشروع، فترى الحُفاة من النازحين والمشردين والأشد فقراً وهم يتهافتون وينتظمون بشكل يومي على لقمة طعام تملأ بطونهم الجائعة وترضي نفوسهم المنهكة من صعوبة الحياة القاسية.
العملية اليومية لسير المشروع
تهتم إدارة (منتدى شباب الصفوة) بتنظيم وإدارة (مشروع رمق الخيري) اهتماما بالغاً، عبر لجنة المشروع الموكلة اليها جميع مهام وأعمال (مشروع رمق)، بداية بالعمل اليومي بتنظيف المكان، وتجهيز وتقديم الوجبات في صباح ومساء كل يوم، ومتابعة إحضار الوجبات من المطبخ المرتب لطباخة الوجبات، ومن ثم استقبال الوافدين لها من المستهدفين المستحقين لها بالإضافة إلى ترتيب عملية التوزيع المنتظم لكل وجبة، واخيراً إلى الاهتمام بإعادة تنظيف المكان وتغسيل الصحون، وغير ذلك من المهام المتصلة بالمشروع.
وللتنويه فأن هذا المشروع الحيوي والخيري يشارك فيه أيضا مجموعة من الشباب المتطوعين "جزاهم الله خيراً".
توسيع رقعة المشروع
لم تتوان..ولم تتلكأ إدارة (منتدى الصفوة) عن تطوير المشروع على كافة الأصعدة، ليحقق نجاحاً منقطع النظير.. تتبعه نجاحات رائعة وإيجابية.. ولكي يستفيد منه أكبر قدر ممكن من المستحقين والمحتاجين والمتعففين، لذلك بدأت ـ من العام الماضي ـ إدارج عدة أقسام تتصل بعمل المشروع، منها:
(مساعدة بيوت الأسر المتعففة وأسر الأيتام بوجبتي الغداء والعشاء.. أوتقديم سلل غذائية لهم تساعدهم في مجابهة غلاء أسعار المواد الأساسية، وكذلك مساعدة طلاب العلم والمساهمة في تمويل سكنات الطلاب بتقديم مواد غذائية أساسية، أو بالمساهمة في دفع تكاليف رسوم التغذية في سكناتهم).
طه عبده : أول مرة بحياتي أرى مثل هذا المشروع
في لقاء مقتضب مع الأخ/ طه عبده، أحد النازحين من محافظة تعز والمستفيدين من الوجبات اليومية للمشروع، تحدث عن وضعه المأساوي وكيف انقذته تلك الوجبة اليومية من حافة الجوع قائلاً: نزحت من بلادي بسبب ظروف الحرب وغلاء المعيشة، وظرف فارق العملة بين المناطق الخاضعة للحوثي ومناطق الشرعية.. ولأن العمل لا يجدي شيئا ولا يكفي لمصاريف أسرتي (11 شخصاً)، ونزحت إلى عدن بحثاً عن معيشة أفضل.. ومع ذلك كنت الآقي صعوبة دائمة في البحث عن العمل، وبالصدفة وجدت ناس يوزعون الأكل بشكل مجاني، وسعدت بذلك بأن أؤّمن على الأقل وجبتي اليومية لسد جوعي، وأحاول جاهداً في البحث عن عمل يؤمن مصاريف أسرتي الأساسية، كما حاولت أن أساعد القائمين على المشروع بالتنظيف ونقل الأدوات وغير ذلك، وكما أرى بنفسي أنه أول مرة بحياتي أشوف مثل هذا المشروع لتوزيع الوجبات بشكل مجاني للنازحين والمشردين من داخل اليمن وخارجه وعلى مرأى ومسمع الجميع، والمستغرب في الأمر بأن القائمين على المشروع يتحملون كافة المعوقات والمشاكل من الوافدين للوجبات، ويحاولون ـ بكل الإمكانيات المتاحة ـ بأن تسير الأمور بشكل سهل وسلس واستيعاب الجميع وتقديم لهم الوجبة.
(مايقصروش في دعمنا بالغداء والعشاء)
لقاء آخر بالأخ العاقل/عبده أحمد، تحدّث بلسان عمال الحراج بمديرية الشيخ عثمان، الذين تعقّدت أوضاعهم المعيشية في الفترة الأخيرة بسبب قلة أعمال البناء وصعوبة الحصول عليها، نتيجة ما فرضته السلطة المحلية بعدن من إجراءات مشددة حول تراخيص البناء، والذي انعكس سلبا على هؤلاء العمال، حيث أكد بأنه ورغم الصعوبات والتحديات التي تواجه لجنة المشروع يوميا في استيعاب الناس إلا إنهم مستمرون ـ بوتيرة عالية ـ في تقديم الوجبات لجميع الوافدين من جميع الفئات من غير كلل ولا ملل.
(اليمن تمام.. كل مافيه كوّيس..)
هكذا عبّر. الأخ/محمد عبدالله، أحد الأشخاص الذين شرّدتهم أوضاع الجوع والفقر من بلاد (الأرومو) بدولة اثيوبيا، قائلاً بلهجته العربية المبتدئة : جزاكم الله خيراً، هنا أهل الأرومو هنا أهل الحبشة، ينعمون بالصدقة والأكل من الغداء والعشاء في هذا المسجد (يقصد بذلك ـ مسجد العيدروس ـ مكان إقامة المشروع)، مضيفاً بأن اليمن تمام كل مافيه كوّيس ربي يحفظهم، وجزاهم الله خير أهل الخير.