ازدواج قناة السويس: مشروع ضخم قيد التخطيط.. أسئلة أكثر من الإجابات
مشروع مثير للجدل بدأ الحديث عنه في مصر مؤخراً يقضي بازدواج ممر قناة السويس بشكل كامل من الشمال إلى الجنوب. المشروع الجديد بحسب ما تعرض الحكومة المصرية سيرفع من تصنيف القناة ويزيد من تنافسيتها وقدرتها العددية والاستيعابية لكافة فئات وأحجام سفن الشحن.
لكن المشروع يثير تساؤلات بأكثر مما يجيب عن أسئلة.
جدوى اقتصادية
قال الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، في مؤتمر صحفي إن هناك مسافة تبلغ حوالي 80 كيلومتراً بالقناة ليس بها ازدواج، تتوزع بواقع 50 كيلومتراً في الشمال و30 في الجنوب وأن دراسة جدوى تتم حالياً بشأن مشروع الازدواج الكامل، وهو ما يُتوقع أن يرفع معدلات أمان عبور السفن إلي 100%.
أضاف ربيع أنه يجري حالياً تنفيذ ازدواج بطول 10 كيلومترات لتنضم إلى قناة السويس الجديدة ليصبح طولها 82 كيلومتراً بدلاً من 72 كيلومتراً، ما يزيد أعداد السفن العابرة بالقناة، كما سيسهم في تقليل زمن الانتظار للسفن ليكون 3 ساعات بدلاً من حوالي 11 ساعة. وهو الوقت الذي يرى خبراء أنه لا يستحق كل هذا العناء وهذه النفقات لإقامة مشروع جديد.
ويثير المشروع مخاوف قديمة-متجددة بعد أن أنفقت الحكومة المصرية ما يقرب من ثمانية مليارات دولار على إنشاء تفريعة سابقة للقناة يُرجع إليها خبراء اقتصاديون جانباً كبيراً من أزمة العملة الأجنبية التي تعاني منها مصر إلى اليوم وتسبب في قرار تعويم العملة ما أطاح بجزء كبير من قيمة مدخرات المصريين، كما أن الحكومة قضت وقتاً طويلاً تحاول فيه العثور على سبب مقنع للمشروع، حتى أعلن الرئيس السيسي في النهاية أن المشروع كان الهدف منه "رفع الروح المعنوية للمصريين".
وبحسب ما أعلنت المصادر الرسمية في مصر فإن دراسة المشروع ستستمر نحو 16 شهراً لتحديد الجدوى المالية وعمل الدراسات البيئية والهندسية والمدنية وبحوث التربة بالتعاون مع جهات دولية، وذلك فيما يبدو إغلاقاً لأبواب الانتقادات التي قد تُفتح أمام المشروع كما تعرض لها سابقه.
يقول رئيس هيئة قناة السويس إن الدراسات الحالية تؤكد أن حركة التجارة العالمية ستزيد بنحو 5.3 %، وانه يُتوقع في عام 2034 أن يزيد عدد السفن العابرة من قناة السويس إلى 135 سفينة.
لكن بالعودة لمشروع التفريعة فإن الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة السابق قال إن المشروع سيرفع إيرادات القناة إلى 100 مليار دولار سنوياً، فيما قالت توقعات أخرى إنه بالنظر لمعدلات الشحن البحري وزيادة تعريفة المرور فإنه كان من المفترض أن تحقق القناة في 2023 حوالي 13.5 مليار دولار، لكنها في النهاية لم تحقق سوى نحو 9 مليارات دولار بعد نحو 8 سنوات.
وقال الدكتور وائل النحاس المستشار الاقتصادي وخبير أسواق المال إن "كافة المؤسسات الدولية نصحت مصر بترشيد الإنفاق وعدم البدء في مشروعات ضخمة وعدم التوسع في الاستثمارات في الوقت الحالي، وفي هذا الوقت تظهر تصريحات عن هذا المشروع ما أدى إلى رفع سعر الدولار أمام الجنيه بنحو 6 جنيهات في السوق السوداء خلال 24 ساعة فقط".
أضاف أن مشروعات وتوسعات كهذه يصعب أن تُنفذ فيما يُتوقع أن يدخل العالم في فترة ركود قد تستمر أربع سنوات، وأكد أن "الإعلان عن مشروع كهذا قد يستفز الكثير من الدول التي كان يمكن أن تؤجل جزءاً من ديون مصر لديها، وأن مصر تعطي بذلك إشارة أنها تدخل في مشروعات تستنزف حصيلتها الدولارية بدلاً من أن تقلل من نفقاتها"، بحسب ما ذكر خلال استضافته في برنامج مسائية DW.
أيضاً يقول الدكتور يحيى القزاز أستاذ الجيولوجيا في جامعة حلوان، إن "ازدواج قناة السويس بطول 192 مترا في وقت يقل فيه عدد السفن العابرة وتقل فيه الموارد المالية هو إغراق للبلد في مزيد من الديون، ومبرر بطرحها للبيع تحت مسمى الشراكة والإدارة لنقص التمويل واستكمال المنشآت".
وقت غير مناسب؟
تدور تساؤلات أيضاً حول مغزى توقيت عرض وتنفيذ المشروع. فمن ناحية جاء المقترح في وقت تتراجع فيه عائدات القناة بشكل غير مسبوق بلغ نحو 40 إلى 50 بالمائة بحسب تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بسبب الأنشطة العسكرية لجماعة الحوثي عند باب المندب وتحويل عدد من شركات الشحن سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
كما تمر المنطقة بتوترات جيوسياسية كبيرة نشأت عن الحرب في غزة والتي يخشى خبراء ومراقبون أن تتسع لتصبح حرباً إقليمية، في ضوء أنشطة حزب الله في لبنان وجماعات أخرى تنشط في العراق وسوريا.
كما ألقت الحرب الروسية-الأوكرانية وتداعيات أزمة كورونا بظلال كثيفة على عمليات النقل البحري والتجارة الدولية، وهي أزمات لاتزال مستمرة إلى اليوم يأمل الخبراء في أن تؤخذ كلها في الحسبان خلال الدراسة التي يفترض أن تعرض التأثيرات الإيجابية والسلبية المحيطة بالمشروع ليس فقط على المدى القريب وإنما أيضاً على المدى البعيد.
وتعاني مصر من أزمة مالية واقتصادية حادة بين ديون تصل إلى نحو 165 مليار دولار، كما أن مصر مطالبة هذا العام فقط بسداد ديون تقدر بنحو 42 مليار دولار، وسط مشكلة تعاني منها مصر في توفير العملة الأجنبية.
ورداً على ذلك تقول الحكومة إن تكاليف المشروع التي تقدر بنحو 10 مليارات دولار (حتى الآن) ويفترض أن يستغرق تنفيذه ما بين 5 و 7 سنوات سيتم الإنفاق عليه من ميزانية الهيئة الاستثمارية وليس من الصندوق السيادي ولن يكلف الموازنة العامة للدولة أي أموال وستكون بالجنيه المصري
ويرى الدكتور مدحت نافع الخبير الاقتصادي والمالي أن الحديث عن أن المشروع سيُموّل من الإنفاق الاستثماري لهيئة القناة هو ما يتعارض مع فكرة وحدة الموازنة العامة للدولة، ومع فكرة انتظار فوائض الهيئات الاقتصادية التي يأتي معظمها من قناة السويس رغم الأزمة التي تمر بها القناة حالياً.
ويتساءل خبراء حول التكلفة الحقيقية للمشروع في ضوء أن تفريعة القناة التي افتتحت في 6 أغسطس/ آب 2015 بلغت 4 مليارات دولار بطول 35 كيلومترا، فيما سيكون المشروع المقترح بطول 192 كيلومتراً، أي أكثر من خمسة أضعاف طول المشروع السابق، وبافتراض أن التكلفة ستكون هي نفسها منذ 10 سنوات، فإن المشروع الجديد يُفترض أن يكلف 22 مليار دولار وليس 10 مليارات دولار كما أُعلن.
مانعين مائيين.. بدلاً من واحد!
من التحذيرات التي توجه بشأن المشروع أيضاً فكرة أن فصل شبه جزيرة سيناء عن مصر بمانعين مائيين أمر شديد الخطورة على الأمن المصري من الناحية الاستراتيجية.
في هذا السياق يقول الناشط محمود فتحي مؤسس تيار الأمة إن حفر القناة الجديدة سيمثل حاجزاً مائياً إضافياً سيؤدي لصعوبة انتقال الجيش المصري إلى سيناء حال وجود ما يستدعي ذلك، خاصة وأن الجيش المصري واجه صعوبات هائلة للتغلب على مانع مائي واحد في حرب أكتوبر/تشرين الثاني 1973، وهو ما اتفق معه آخرون على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن الرد من مؤيدي الحكومة المصرية يدحض هذه الفكرة إذ يقولون إن سيناء ترتبط في الوقت الحالي مع مصر بعدة أنفاق تحت قناة السويس يمكن من خلالها الانتقال بشكل سريع للغاية إلى شبه الجزيرة.
تساؤل آخر طرحه نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حول الجهات التي يمكن أن تدخل في المشروعات الاستثمارية على امتداد القناة.
وحذر البعض من غياب الشفافية في أمر كهذا بما قد يسمح بدخول دول وجهات قد تمثل خطراً استراتيجياً وتتخذ من دولة صديقة لمصر واجهة للتغلغل في عمق سيناء بمشروعات أو حتى ببيع أراضي، وسط انتقادات للبرلمان، الذي يرى البعض أنه لا يفعل سوى الموافقة على المشروعات والقرارات التي تصل إليه من الرئاسة.