آمال رمضانيّة تخبو عاماً بعد آخر.. أسرى حرب اليمن منسيّون وعائلاتهم تتألّم
(الأول) عن النهار:
يعود شهر رمضان هذا العام من جديد مُحملاً بآلام تتجدد وآمال فُقدت. 9 أعوام مرت ولا يزال أطفال يمنيون ينتظرون آباءهم، وأمهات يَتُقنَ إلى أبنائهن، ومغيّبون قسراً لا يعرف ذويهم عنهم شيئاً، وأسرى تخلى عنهم من قاتلوا لأجلهم. 9 سنوات يقضيها المخطوفون والمُعتقلون والأسرى في السجون باليمن دون أي جهود مبذولة لأجل الإفراج عنهم، على رغم توقف المواجهات المسلحة منذ ما يقارب عامين على التهدئة.
عشرات الجلسات والمفاوضات بين أطراف الحرب في اليمن، بهدف الوصول إلى اتفاق لحل ملف المُعتقلين والأسرى، لم ينجح منها إلا 3 عمليات تبادل للأسرى، تم من خلالها الإفراج عن نحو 3500 أسير ومُعتقل، بينما تُشير الإحصاءات الرسمية إلى أن ثمة أكثر من 20 ألف شخص في السجون والمعتقلات لدى جميع الأطراف.
مآس تتجدد في رمضان
يتمنى عزيز ذو السبع سنوات، أن يقضي رمضان هذا العام مع والده، الذي لم يره منذ ولادته، وأن يحتفلا بالعيد معاً، فقد كان والده من أفراد الجيش اليمني، وأُسر بعد إصابته في إحدى جبهات القتال في محافظة البيضاء وسط اليمن، ومنذ ذلك الحين تنتظر العائلة عودته في كل مرة يُعلن فيها عن مفاوضات لأجل الأسرى والمعتقلين، وفي كل مرة يخيب أملهم.
أكملت الطفلة سما عامها الخامس من دون أن ترى والدها، فقد اعتُقل وأُخفي في اليوم الثاني من ولادتها، أثناء خروجه من المستشفى الذي كانت ترقد فيه زوجته، ومنذ ذلك الحين انقطع الاتصال به، ولا يعرف أحدٌ مصيره، تقول الزوجة لـ"النهار العربي" إنهم لا يعرفون مكانه الحالي، وما اذا كان لا يزال على قيد الحياة. كل ما يعرفونه بأن مجموعة مسلحة في أحد الأطقم العسكرية التابعة لجماعة الحوثي، قامت باختطافه أثناء خروجه من أحد المساجد في العاصمة صنعاء في نيسان (إبريل) من عام 2019، إلا أن الجماعة تُنكر أن يكون لديها.
ليست سما الطفلة الوحيدة التي لم ترَ والدها، فثمة المئات من الأطفال الذين كبروا ولم يروا آباءهم إلا من خلال الصور، وكذلك المئات من المعتقلين لدى الأطراف المتحاربة في اليمن، والذين لم يعرفوا أطفالهم وحُرموا من رؤيتهم لسنوات. ويقول يوسف عجلان، وهو صحافي اعتُقل لعامين من قبل جماعة الحوثي، إنه حُرم من طفلته الأولى لمدة عامين، إذ اعتُقل عندما كان عمرها عاماً واحداً.
يقول عجلان: "كان أصعب ما مرّ عليّ في فترة اعتقالي أنني حُرمت من طفلتي. لم يكن التعذيب الجسدي هو ما يؤلمني، بل التعذيب النفسي، إذ رأيت كيف أثرت فترة اعتقالي في والدي الذي هزل جسمه كثيراً وتغير شكله، ففي إحدى المرات جاء مع العائلة لزيارتي وتم الاعتداء عليّ أمامهم، لتعذيبهم نفسياً كذلك، حينها عرفت لماذا قال النبي محمد: اللهم إني أعوذ بك من قهر الرجال".
انتهاكات وتعذيب مستمر
تقول رئيسة رابطة أمهات المختطفين والأسرى أمة السلام الحاج إن الرابطة وثقت أكثر من 140 حالة وفاة تحت التعذيب في كل السجون لدى أطراف الحرب، معظمها في سجون الحوثيين، حيث يتعرض المختطفون والمعتقلون لكل صنوف التعذيب الجسدي، من بينها "تعذيب الشواية"، وهو تعليق المُعتقل من يديه أو رجليه لأيام، وكذلك الصعق بالكهرباء وحرق الأطراف، بالإضافة إلى إطفاء اعقاب السجائر في جسد الضحية.
وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإنّ الانتهاكات بحق المعتقلين والمختطفين في اليمن لا تقتصر على التعذيب الجسدي، بل يتعرضون كذلك للتعذيب النفسي، إذ يتم تهديدهم بأهاليهم وأطفالهم، وحرمان ذويهم من زيارتهم. وتقول والدة أحد المختطفين، وعمرها 53 عاماً، إنها لم يُسمح لها برؤية ابنها ذي العشرين عاماً، والذي تم اعتقاله دون أي أسباب من قبل الحوثيين في صنعاء، إلا مرة واحدة.
تقول لـ"النهار العربي": "اختفى ابني في نهاية عام 2019، بحثنا عنه في كل مكان وأبلغنا كل الجهات الأمنية، ومع أنه كانت هناك أخبار تؤكد اعتقاله من قبل الحوثيين، إلا أن هؤلاء ردوا بأنه ليس لديهم. بقينا نبحث حتى أصابنا اليأس. بعد أشهر من اختفائه، تواصل معنا هاتفياً وكان يبكي وأنا أبكي معه، لم يكن يعلم أين مكان احتجازه بالضبط إلا أنه قال لي إنه لدى الحوثيين. وبعد 3 سنوات سمحوا لي بزيارته في آذار (مارس) 2023 لمدة لا تتجاوز العشر دقائق، قضيناها بالبكاء فقط، لقد تشبثت به ورفضت تركه. طلبت منهم احتجازي بدلاً منه لكنهم استهزأوا بطلبي. منذ تلك الزيارة لم يسمحوا لي بزيارة أخرى".
من ملف إنساني إلى ورقة ضغط سياسي!
الجدير بالذكر أن الحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً طرحت مبادرة في عام 2022، تتضمن الإفراج عن الأسرى والمختطفين جميعهم تحت مبدأ "الكل مقابل الكل" بدون أي شروط، وأبدى الحوثيون موافقتهم المبدئية عليها أمام المبعوث الأممي، وذهبوا في مفاوضات إلى جنيف مع الفريق الحكومي، "إلا أنهم تراجعوا عن موافقتهم وبدأوا بطرح شروط جديدة، وهو ما يعيق التقدم في هذا الملف" بحسب ماجد فضائل، المتحدث الرسمي باسم الوفد الحكومي المفاوض بشأن المعتقلين والأسرى.
يقول فضائل لـ"النهار العربي": "نحن حريصون على أن يتم الإفراج عن المعتقلين والأسرى بالكامل، ونتمنى أن يعود كل معتقل ومختطف وأسير إلى عائلته، إلا أن جماعة الحوثي حولت هذا الملف الإنساني إلى ورقة ضغط سياسي، وذلك من خلال اشتراطاتها التي تبين فيها عدم جديتهم في المضي نحو الإفراج عن جميع المعتقلين والأسرى، إذ تطلب الجماعة الإفراج عن شخصيات ليس لها وجود في الواقع وأسماء غير حقيقية، وهذا ما يعيق التقدم في هذا الملف".
ويردّ عبد القادر المرتضى، رئيس وفد جماعة الحوثي المعني بالمعتقلين والأسرى، بأن الطرف الحكومي هو من يعرقل السير في ملف الأسرى والمعتقلين، دون إبداء الأسباب.
وترفض جماعة الحوثي الإفصاح عن مصير بعض المختطفين الذين تم اعتقالهم من منازلهم، كما جاء في تغريدة للمرتضى، يتحدث فيها عن رفض الإفصاح عن مصير السياسي اليمني البارز محمد قحطان، الذي اعتقلته الجماعة إبان سيطرتها على العاصمة صنعاء في 2015، ولا يُعرف مصيره حتى اللحظة.
ويشهد اليمن منذ بدء الصراع العسكري عام 2015 ارتفاعاً مستمراً في عدد المعتقلين لدى طرفي النزاع، وقد أصبح هذا الملف مصدر قلق كبير لأهالي أولئك المعتقلين الذين ينتظرون بفارغ الصبر الإفراج عن أحبائهم في كل مرة تتجه الأطراف اليمنية إلى المفاوضات. يعاني أهالي المعتقلين من الانتظار الطويل للإفراج عن أحبائهم، ويراهنون على كل مفاوضات تجريها الأطراف المتصارعة، إلا أن الانتظارات تنتهي بخيبة أمل ويأس لأنها لا تثمر عن النتائج المرجوة.