مشكلة عدن و عدن المشكلة

( إن لهذه المدينة أبناء(رجال ونساء) يحبونها، يغارون عليها ومستعدون للتضحية من أجلها لخدمتها وصنع الحاضر والمستقبل، إلا أنني أخاف أن أستيقظ يومًا على خبر استسلامهم وانسحابهم وموتهم،  واعْلمْ يا عدني أن الأهل والأحبة متواجدون في أراضيك، ماضينا وتاريخنا موثَّق بين صفحاتك، أرواحنا تأبى أن تتخلى عنكِ، ولا تريد منكِ شيئًا غير أن تكوني كما عهدنكِ ملجأ لمن لا بيت له، وحضنًا دافئًا لمن لا أم له أو أب يعطف عليه، ليشعر كل من يحمل اسمكِ بأنه شخص مهم، له قيمة عالية فيكِ، ويستطيع التمتع بانتمائه لكِ، يوما ما ستصلي يا عدن إلى حقيقة أن من يطالب بالتغيير يحبكِ حقًا، بعيدًا عن من يظهر لكِ ولاء كاذبًا ليقضي مآربه الخاصة وينصرف في الاجازة إلى قريته أو غربته أو محل إقامته أو ولي نعمته).
  ذات أمسية رمضانية في لقاء  معالي رئيس الوزراء ببعض النساء من فئات متنوعة، وبعد كلمته من رؤية للمستقبل وشكوى لحاضر مثقل بالأزمات، و من تأملي في أحرف كلماته وشغفي على هذه المدينة/  العزلة المكلومة، حان دوري في الكلام،  وقد أصبح صعبًا ومحرجًا عن عدن والاحداث التي تمر بها في جميع الآونة، من حروب و انقسامات تقودها بثبات نحو الهاوية، إذ وجدت نفسي بين تساؤلين( مشكلة عدن و عدن المشكلة والعكس صحيح)، إذ يجعل هذا التساؤل المرء يعيد النظر عما يتركه مسمى الوطن(عدن) في الفؤاد قبل القلب منذ أن كان طفلًا.
    فمشكلة عدن بأنها وطن احتضن الكثير والكثير والكثير، ولم ينتمي إليها أحد وتملص الجميع من ذكر الإنتماء إليها عند كلُّ فرصة تذكر، تمردوا وخانوا وباعوا وغادروا ورأس مال التمرد والخيانة والبيع والمغادرة هي عدن، مشكلة عدن بأنها دافعت عن حقوق الكثير، وطالبت بتوفير أسس الحياة الضرورية من( صحة وتعليم وفرص عمل و توظيف، من كهرباء وماء وطرقات سليمة وسكن لائق)،  ودافعت لبقاء الكرامة عن (نظام و أمن وعدل وسيادة قانون وحرية رأي وتعبير وفعاليات وأنشطة) وناهضت من أجل الحق(الفساد والرشوة والنفوذ والمحسوبية و الوساطة) وناضلت للإنسانية في تحقيق( المساءلة والمحاسبة والتقييم). 
عدن صارت الوطن الذي يقتل أبناءه ولا يحزن، منهم من  ضاعت روحه  نتيجة إهمال طبي أو نقص في الكادر أو عدم توفر الأجهزة أو ارتفاع سعر العلاج، والبعض  يموت حرًّا وجوعًا وصدمات، ويَقتُل الجهل أحلام الأطفال لازدحام المدارس، وعدم القدرة على شراء الملابس وإضراب المعلمين، والبعض الآخر ينقض عليه الموت إختناقًا لانطفاء الكهرباء وتيبسًا انقطاع الماء وسقوطًا لرداءة مشاريع الطرقات وطفح مجاري الصرف الصحي، عدن أضحت القرية التي تفقد فيها أدميتك، إذ تجد نفسك مجرد أي شيء آخر، غير الإنسان وتخجل من نفسك حين تقول:" أنها وطني الدم الذي يجري في عروقي"( أكذوبة الوالدين علينا)، فأي بلد هذه التي تتحلى بالزيف، كلُّ ما فيها زائف ومضلل مثل الاخبار التي توجه الرأي العام نحو ما يخدم مصالح فئة معينة غير أهلها، بواسطة إعلام تنعدم فيه المصداقية والشفافية وتمارس هيئته شغل الاستخبارات في قمع منظمات المجتمع المدني، دون أدنى معايير دستورية أو قانونية أو شرعية، وبالمقابل تدَّرسُك في خطابات قادتها أن للجميع حرية التعبير عن الرأي، وانت أقرب ما تكون عرضة للقمع إن اختلفت مع الآخرين في توجهاتهم وأفكارهم، بُغية تحقيق مبدأ الاحترام، والإيمان بالاختلاف، وتنمية آداب الحوار مثلما كانت عدن.
ستكون عدن بدون مشكلة، عندما يضع صناع القرار نصب أعينهم المسؤولية التي وكلت لهم (إبتدأ من رأس السلطة المحلية مع المديريات ومرورًا بالسلطة التنفيذية مع وزارة كنت مسؤول فيها وانتهاء بمجلس الرئاسة)، على أن يخدموا الشعب لا أنفسهم فقط، بالالتفات لمشاكلهم وأخذها بعين الاعتبار، ثم الشروع في تطبيقات عملية، واختيار أحسن الأسماء وأعمقها تأثيًرا في نفوس الناس لأكبر البرامج والإصلاحات، وليس الإختيارات القائمة على من يعرف ويختار رئيس المجلس الرئاسي أو من يعرف نوابه وإذ بنا أمام محاصصة لثمانية، هذا إذا خرجنا من محاصصة الأحزاب والمكونات السياسية ومعاريف السلطة التنفيذية والمحلية.   وعندما يبتعد كلُّ مسؤول عن أقوال دون تطبيق أي منها على أرض الواقع، وقد سئمنا من تلك الخطابات التهريجية المتكررة،  التي تجعلنا نعيش مسرحية هزلية مؤلمة، كان من نصيب الكثير فيها لعب الأدوار الثانوية.
    عليكم تنقية المصالح الحكومية من الفاسدين بالمعني الواسع لهؤلاء البشر ومن يساعدهم ويكونون عبرة حقيقية لأناس عملهم النيل من طموح هذه المدينة عبر سنوات طالت كثيرا.    وعليكم تنقية كشوف المنظمات الدولية من ناهبي أموالها "بقصد منهم أو غيرهم أو استمرارا لأخطاء ممتدة" في منظومة الدعم على جميع المستويات والتأخر في ذلك جريمة في حق من يحتاج هذا الدعم فعليًا.
  كما تلوث العدل في فساد القضاء وتسيسه بعد أن كان هو الأمل الذي علي يديه يتحقق كل شيء له بريق في الدنيا، ولم يعد مقبولا أن يعيش المواطن على عدالة فاسدة ناقصة و بطيئة فقد شاخ الناس في انتظار تحقيق ذلك. إن مشكلة عدن هذه ممتدة في الشأن الداخلي العدني عاشتها أجيال متعاقبة ولكن الإحساس بآثار ذلك أنها أصبحت كارثية الآن وأصبحت صعبة المواجهة.
   أما عدن المشكلة، لأنها كانت الأولى على شبه الجزيرة العربية والخليج وبعض دول الوطن العربي، المدينة المدنية التي سُخر أهلها الأصليين و(هم من الأقليات الان) ليكونوا رعاة للمسؤولين من خارجها، وامتلاك ثرواتها والاعتداء على تاريخها على حساب دولة أخرى حتى أيام الوحدة، والاعتداء لأسباب عقائدية وأيدولوجية، بهدف الطغيان عليها وعلى ملامحها، بلى فكلُّ  الاعتداءات التي تمت عليها هي طغيان.   
  و تنوعت الاعتداءات وتعرضت لمخطط تقسيم الارض والناس إلى فئات متناحرة ومتذابحة بعد أن كانت تتميز بالتعايش وحُسن الجوار وهذه الاعتداءات هي تمهيد في الغالب لاعتداءات اخرى،  وهناك الاعتداء الذي تم بأيدي أبنائها الذين سممت أفكارهم وغذيت بالكراهية والحقد وعدم تقبل الآخرين المختلفين عقائديًا أو أيديولوجيًا، وتقبل فقط العنصرية المناطقية المتطابقة بكل شيء.
   عدن المشكلة إذ أصبح الانتماء لها  حافزًا سلبيًا يدفع إلى السكون أو الركون أو تدميرها وإفسادها، فانتكس الحاضر وضاع المستقبل؛ ، يسافر المسؤول منكم وفيكم ويرى كلُّ عواصم ومدن العالم تتمتع بالجمال والنظافة و...إلخ ثم يأتي ويلقي علينا خطاب عن عدن روحه وقلبه ...لذلك عدن المشكلة لأنها تحيا زمن اختلطت فيه المفاهيم وانقلبت المعايير حتى صار التسليم بالمعاني الحقيقية الثابتة مضربًا للشك والتكذيب أو التدليس من قبل الكثير. 
  وهناك فرق كبير وجب توضيحه بين الانتماء لعدن وبين التعصب للمنطقة والقبيلة، فالشعور بالانتماء إلى عدن يوطد الروابط بين كلُّ من سكن فيها، بغضّ النظر عن الاختلافات الفردية الطبيعية في ما بينهم ويحفزهم على العمل معًا على رُقيها  ويرسخ الشعور بالمسؤولية تجاهها بما يدفعهم إلى التعاون من أجل نهضتها وازدهارها  الحفاظ على استقرارها، 
إن شعور الانتماء إلى عدن لدى البعض قد أصبح غريزة خاملة لا تحرك ساكنًا أمام كل ما يدمرها ويفسدها، بل في بعض الأحيان نجد أنه قد تبدلت فطرة الانتماء وتشوهت بفعل فاعل خبيث يضمر شرًا لعدن حتى صار الكثير يسهم عن وعي أو بدونه في تخريب حاضرها ومستقبلها  بنفسه أملًا وطعمًا في مصالح ذاتية ضيقة أو تطلعات فردية رخيصة تحت دعوى الانتماء ايضًا. واتحدى أحد يقول:" بأن بقية المحافظات اليمنية حدث ويحدث لها مثلما حدث ويحدث في عدن" 
  فلا داعٍ معالي رئيس الوزراء بأن تشكو، كفانًا صراخًا وعويلًا علي سلبيات أدمناها طويلًا ولا مجال للحديث إلا لمن يملك رؤية اصلاح هذه المدينة اولًا وثانيًا واخيرًا فجميعكم دون استثناء من أعلى هرم السلطة إلى أسفلها مدينون لهذه المدينة،  وعليكم بناء أمنها واقتصادها والعودة إلى فخر قدمها وحضارتها التي لم تحافظوا ونحافظ عليها،  ولدينا تجارب حولنا نستطيع محاكاتها مثل أثيوبيا ونيجيريا ودول شرق آسيا فلهم نماذج وخطط ناجحة. 
  إن الاعتراف بفشل السابقين و سابقين السابقين وربما فشلكم في بناء ثقافة عدن خالصة، ليس عيب أو عار، وإن الذي حدث ويحدث في عدن ليس له ما يبرره في ظل عدد من الرؤوس  للقيادة و المسؤولية و جميعها ظالمة وغير عادلة في كلُّ السلطات( الرئاسية والتنفيذية والقضائية والمحلية) والاتجاه يسير نحو استيعاب كلُّ من يطيع الأوامر ويقول: "نعم فقط على اي شيء وكلُّ شيء حتى للفساد"، إنها  ثقافة السلطة السياسية اليمنية،  ولكن من يريد التغيير والبناء عليه امتلاك الارادة وتحقيق رضا داخلي بالانتماء إلى مدينة ظُلمت وأهلها أولًا،  ثم الانطلاق نحو بناء تكامل شعبي فاعل بعد ذلك تجاه جميع المحافظات التي من الأساس وفي الأصل لم يغزوها أو يحقد عليها أحد.