آثار اليمن المهربة.. تحركات حكومية في الوقت الضائع ومشروع أممي لحصر الممتلكات

آثار اليمن المهربة.. تحركات حكومية في الوقت الضائع ومشروع أممي لحصر الممتلكات

تتواصل عمليات نهب وتهريب الآثار اليمنية، وبيعها في بلدان خليجية وأوروبية مقابل مبالغ زهيدة، في عمليات مستمرة منذ عقود زادت حدتها خلال سنوات الحرب التي تشهدها البلاد جراء انقلاب مليشيا الحوثي، وسط اتهامات للحكومة بالإهمال والتقاعس في الحد من عمليات التهريب للآثار واستعادتها.

 

ومع تصاعد عمليات النهب والبيع في المزادات العلنية والإلكترونية في العواصم الأوروبية والغربية، ودعوات خبراء الآثار للحكومة اليمنية بالتدخل واتخاذ إجراءات فاعلة لوقف تلك العمليات، وتداعيات استمرار الإهمال الحكومي على التاريخ الثقافي لليمن، برزت مؤخراً تحركات حكومية وأممية للحفاظ على الموروث اليمني واستعادة المنهوب منه في إجراءات يرى مراقبون أنها متأخرة ودون المأمول.

 

مشروع أممي لحصر التراث المنهوب

 

قال مندوب اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، محمد جميح، إن المنظمة ستقدم خلال الأسابيع القادم على إعداد مشروع لحصر الممتلكات الثقافية التي تم تهريبها وسرقتها من اليمن بشكل غير قانوني.

 

وأوضح أن مكتب المنظمة الإقليمي في الدوحة، دعا كافة المختصين في مجال الآثار وأصحاب الخبرة في مجال تتبع وملاحقة آثارنا المهربة إلى تقديم خطط ومقترحات حول تنظيم البيانات المتعلقة بالآثار المنهوبة والمسروقة والمصدرة بشكل غير قانوني من اليمن، وذلك لكي يتسنى للحكومة اليمنية والمنظمة والهيئات الدولية المختصة وضع قواعد بيانات بالتراث المنهوب، ومن ثم متابعته مع الفاعلين الدوليين.

 

وطالب جميح الإخوة الأكاديميين وعلماء الآثار والفنيين ذوي الخبرة التقدم بخططهم في موعد لا يتجاوز 10 يونيو 2024.

 

تجاوب حكومي

 

ورغم حالة الإهمال الحكومي السائد وعدم التحرك الفعال في استعادة القطع الأثرية المنهوبة ووضع الحلول لعمليات التهريب المستمرة، كما يقول الباحث اليمني في علم الآثار "عبدالله محسن" عبر منشوراته المستمرة حول الملف، إلاّ أنه كشف اليوم الأحد، عن تجاوب حكومي من قبل مندوب اليمن في اليونسكو لملفين كان قد نشر عنهما على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وقال "محسن"، إنه لقي تجاوبا واهتماما من السفير جميح، حول ملف العروش اليمنية المهربة إلى سويسرا والقطع الأثرية التي يتم عرضها في إسرائيل، مشيراً إلى قيام السفير بمخاطبة الجهات المعنية في اليونسكو التي بدورها خاطبت الجهات المعنية في سويسرا وإسرائيل.

 

وحسب الباحث اليمني فإن مندوب بلادنا لدى اليونسكو، تواصل مع السيدة كريستا بيكات مديرة هيئة الثقافة والطوارئ في مركز التراث العالمي التابع لليونسكو، لمخاطبة الجهات السويسرية المختصة للنظر في أفضل السبل للحفاظ على التمثالين اليمنيين ـ اللذين صادرهما القضاء السويسري بعد تهريبهما من الجوف اليمنية إلى الخارج ـ في الوقت الحاضر لحين دراسة إمكانية إعادتها إلى اليمن.

 

وأوضح أن رد رئيسة الخدمة المتخصصة لنقل الممتلكات الثقافية في سويسرا أكد على أن "الإجراءات مع المدعي العام في كانتون جنيف مفتوحة، والقضية الآن في أيدي العدالة. وفي نهاية الإجراء، سيتم مصادرة الممتلكات وإسنادها إلى الإدارة المتخصصة للنقل الدولي للممتلكات الثقافية داخل المكتب الفيدرالي للثقافة من أجل إعادتها إلى بلدها الأصلي، وستقوم الخدمة المتخصصة بالاتصال بالممثلية الدبلوماسية لليمن في سويسرا من أجل الاتفاق على الوقت المناسب لهذا النقل". 

 

وكان الباحث محسن قد نشر في أكتوبر 2021 عن تفاصيل عروش اليمن المهربة من الجوف وذكر حينها أن أحد النافذين قام بتهريبها في العام 2010م إلى سويسرا بتواطؤ من بعض الشخصيات الحكومية آنذاك خصوصاً وأن وزن كل عرش طن وارتفاعه 1.24 متراً، وعرضه 63 سم، وعمقه نصف متر، الأمر الذي يصعب إخفاؤه.

 

وفي ديسمبر 2023م كشف محسن عن تلقيه اتصالاً من صديق يقدم خدمات بحثية بشكل رسمي لجهات شرطية وقضائية مختصة بجرائم الآثار في أوروبا، أبلغه بمصادرة القضاء السويسري (جنيف) للعرشين الأثريين، وأنَّ التحقيقات مستمرة في مكتب المدعي العام، مشيراً إلى ان العرشان من مقتنيات هشام وعلي أبو طعام المالكين لشركة فينيكس للفن القديم الشهيرة والتي تلاحقها الاتهامات بالاتجار بالآثار العراقية والمصرية وغيرها.

 

وبشأن الآثار اليمنية التي يتم عرضها في المزادات التي ينظمها عالم الآثار الإسرائيلي الشهير والمثير للجدل الدكتور روبرت دويتش، على منصة المزادات العالمية بيدسبريت، وآخرها مزاد 25 أبريل الماضي، أوضح "محسن" أن السفير "جميح" وجه خطاباً إلى أمانة اتفاقية 1970 في اليونيسكو، وبدروها دعت اليونسكو روبرت دويتش لتزويد السلطات اليمنية بأي وثائق داعمة فيما يتعلق بالبيع والتوصية بتعليقها المؤقت في انتظار هذه الوثائق.

 

وأضاف أن اليونسكو، تلقت رداً غريبا للغاية مكون من ثلاث نقاط، الأولى تتعلق بقانونية جمع القطع الأثرية تحت إشراف سلطة الآثار الإسرائيلية والأخرى عن اكتشاف العديد من الآثار اليمنية في عملية تنقيب خارج اليمن والثالثة تطالب اليمن بأدلة ووثائق داعمة لإثبات أن هذه العناصر قد تم إزالتها بشكل غير قانوني من اليمن في السنوات الأخيرة.

 

وأشار إلى أنه قد "تم الرد بشكل قانوني على ادعاءات دويتش، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى تفعيل دور قطاع قضايا الدولة في وزارة الشؤون القانونية وإلى تحرك حكومي فاعل".

 

فرنسا نقطة التجميع

 

ويشير المهتم بعلم الآثار اليمنية "عبدالله محسن"، إلى أنه ومن خلال عملية التتبع المستمر لملف التهريب، وجد أن "غالبية آثار اليمن المعروضة في مزادات أوروبا تكون فرنسا هي نقطة التجميع لها قبل توزيعها".

 

وذكر أنه في السنوات الماضية "اكتشف المكتب المركزي لمكافحة الإتجار بالآثار في وزارة الداخلية الفرنسية خمسة عشر قطعة أثرية يمنية أثناء البحث في مستودع في منطقة باريس، وبدأ تحقيقاً أمنياً حولها واستعان بعدد من الخبراء الذين أفادوا أنها من اليمن".

 

وأضاف أنه تقدم حينها بطلب من وزارة الثقافة ومندوبية اليمن في اليونيسكو، بتقديم ملفاً فنياً وملحقاً قانونياً حولها، مشيراً إلى أن القضية ماتزال القضية ضمن اختصاص الشرطة الفرنسية.

 

مؤتمر دولي

 

في الأثناء طالب وزير الثقافة اليمني، معمر الإرياني بعقد مؤتمر دولي للحفاظ على الآثار اليمنية وحمايتها، والعمل على تحشيد الموارد المالية والفنية اللازمة لمساعدة اليمن في حماية وصيانة الآثار التي تزخر بها، لحمايتها من التلف ومنع وقوعها في أيدي المنظمات الإرهابية والاجرامية.

 

وقال الإرياني في بيان له على منصة إكس، أمس السبت، "إن مليشيات الحوثي الإرهابية التابعة لايران، قامت بتدمير ممنهج لكل مناحي الحياة في اليمن، بما فيها المواقع الأثرية والتراثية والمتاحف، وتهريب وبيع الآثار، وتشويه المدن التاريخية، والعبث بالموروث الثقافي والحضاري والإنساني، كجزء من مخططها لتجريف الهوية الوطنية".

 

وأضاف "أن مليشيا الحوثي الإرهابية استخدمت المواقع الأثرية والمباني التاريخية كمواقع عسكرية ومخازن للأسلحة، ومعتقلات غير قانونية للسياسيين والصحفيين والمواطنين، واستهدفت بعض المواقع بشكل متعمد ومباشر، ونهبت وتاجرت بالآثار اليمنية، كما تعرضت معالم مدينة صنعاء القديمة التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ضمن قائمة التراث العالمي للتشويه، من خلال طبع الشعارات الطائفية ورسم صور قياداتها وعناصرها على جدران الاماكن التاريخية، وقيامها بهدم جامع النهرين التاريخي، ووقف أعمال الصيانة والترميم للمدينة".

 

ولفت الإرياني إلى أن الحكومة ممثلة بوزارة الإعلام والثقافة والسياحة والهيئات المعنية، بذلت خلال السنوات الماضية جهوداً مضاعفة للمحافظة على التراث اليمني وحمايته، رغم الظروف الصعبة والامكانيات الشحيحة، وسعت إلى تحييد وتجنيب التراث الثقافي من الاستهداف المباشر، وكذلك عمل معالجات للمشاكل والتحديات التي أفرزتها الحرب وتأثر بها التراث الثقافي في اليمن.

 

وأشاد الوزير اليمني، بالدعم السعودي والأمريكي لتعزيز جهود الحكومة في حماية التراث والآثار اليمنية، وزيادة القدرات المؤسسية لتعزيز حماية الممتلكات الثقافية اليمنية، بما في ذلك توقيع مذكرة تفاهم بين اليمن وأمريكا لفرض قيود استيراد على المواد الاثرية والاثنولوجية اليمنية ومنع تهريبها للولايات المتحدة الامريكية، ودورها في ضبط وإعادة (79) قطعة اثرية تم تهريبها بقصد الاتجار غير المشروع.

 

ودعا الارياني كافة الدول الشقيقة والصديقة إلى إبرام اتفاقات مع الحكومة اليمنية للمساعدة في حماية الآثار اليمنية من الاتجار غير المشروع والعمل على إغلاق مصدر هام من مصادر تمويل الإرهاب في العالم.

 

كما طالب كافة المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بحماية التراث لتنفيذ مشاريع مشتركة تصب في الحفاظ على الممتلكات التراثية والثقافية، والحد من ظاهرة تهريب الآثار اليمنية واستنزاف الموروث الثقافي، وفرض قيود على استيراد الاثار اليمنية المسروقة وضبط الاثار التي تم تهريبها أو بيعها بطرق غير شرعية، وترميم وإعادة اعمار ما تم دمرته مليشيا الحوثي الارهابية، وتنمية القدرات والمهارات للعاملين في مجال حماية المواقع الاثرية والتاريخية والمتاحف.