وكالة الأمم المتحدة للهجرة تروي عطش سكان قرية نائية في أبين
أبين - ناصر الزيدي:
في السادسة صباحًا من كل يوم تخرج فاطمة (اسم مُستعار) مسرعةً تجرُّ خطاها باتجاه بئر الماء الذي يبعد عن منزلها بـ5 كيلو مترات ونصف، قاطعةً واديًا ممتلئًا بالأحراش حتى تصل إلى البئر لجلب أربع عبوات ماء (صفائح سعة 20 لترًا)".
معاناةً أرهقت كاهل فاطمة، الأم لثلاثة أطفال قُصّر كبيرهم لا يتجاوز الثامنة من عمره ، وارهقت كاهل قرية السلامية في مديرية لودر بمحافظة أبين لفترة طويلةً حتى بدأت وكالة الأمم المتحدة للهجرة بتنفيذ مشروع المياه النظيفة في القرية.
مشروع مياه جديد
بملامح مليئة بالفرح المُنتزع من مشقة التعب والمعاناة تقول (فاطمة): "لم نكن نتوقع أننا سنستيقظ يومًا من الأيام على مشروع مياه جديد في قريتنا التي هُمّشت وحُرمت من كل مقومات الحياة الأساسية وعلى رأسها مياه الشرب التي ظل أبناء القرية يصولون ويجولون في أكثر من مكانٍ لإيجاد حل لهذه المشكلة".
مرت الأيام والليالي مسرعةً كلمح البصر وسكان قرية السلامية ينتظرون بفارغ الصبر نظر وكالة الأمم المتحدة للهجرة في معاناتهم التي تجاهلتها الجهات المختصة وكل الأطراف، لتقوم الوكالة بعد مرور شهرين تقريبًا من عرض معاناة القرية عليها بإرسال فريق متخصص في مشاريع المياه إلى القرية للاطلاع على أماكن حفر البئر، وتحديد المكان المناسب لبدء عملية تنفيذ المشروع.
الحلم أصبح واقعاً
بكلماتٍ تحمل في طياتها بهجة وسرور لأكثر من 2000 نسمة تؤكد (فاطمة) في حديثها أنه "بعد تحديد مكان حفر البئر والتكلفة المحددة نُفذ المشروع ابتداءً من الحفر الذي استغرق ما يقارب شهر، مرورًا إلى تشغيل تجريبي للمشروع بمضخة تعمل بالطاقة الشمسية، وصولًا إلى توصيل مواسير المياه إلى القرية، وإنشاء خزان خرساني وخط ضخ طوله 9,100 متر، ثم مد مواسير المياه لجميع المنازل".
حلم ظل سكان قرية السلامية يتمنون تحقيقه بفارغ الصبر منذُ سنوات للتغلب على الظروف الصعبة التي أحدثها شحة المياه، وجعلتهم يلجأون إلى شراء وايتات المياه (البوز) بأسعار باهظة، إذا يبلغ سعر الوايت الواحد (الخزان) سعة 2000 لتر 20 ألف ريال يمني، لا يكاد يمر عليه نصف شهر إلا وقد نفدت المياه منه.
فرحة غامرة
بمجرد سماع خرير المياه يتدفق من خلال المواسير عند تشغيل المشروع كبّر أهالي القرية ، فمع حلول الساعة الثامنة من صباح كل يوم تعم الفرحة كل منزل، وترتسم البسمة على وجه كل فرد من سكان قرية السلامية حتى وقت الظهيرة، وكأن ذلك الخرير بالنسبة لهم قطعة موسيقية تشرح الصدر وتلهب المشاعر..
تلك المواسير التي طوى هدير المياه فيها صفحات ماضٍ كان مليئًا بالتحديات الشاقة في الحصول على المياه، وفُتحت على إثره حنفيات المياه المُصدئة لفترة طويلة، وعادت بعودته البسمة من جديد على وجوه سكان القرية من خلال تعبئة الخزانات والعبوات (صفائح الماء) للشرب وطهي الطعام، وسقي المواشي.
نهاية المعاناة
على متن دراجةً ناريةً بمعية أحد أبنائه يستوقفُ محمد عمر(اسم مُستعار) 37 عامًا أب لخمسة أولاد، دراجته فجأة عند مشاهدته الكاميرا أثناء تجولنا في القرية، ليتجه إلينا والابتسامة تملأُ وجهه، وعيناه مغمورة بالفرح والسعادة ليحدثنا قائلًا: "وضعنا مع المياه تغير من الأسوأ إلى الأفضل، بعد توفير وكالة الأمم المتحدة للهجرة مشروع المياه في القرية".
طوى سكان قرية السلامية صفحةً تكاد تكون من أصعب الصفحات التي مرت عليهم طوال حياتهم بعد مشقة وعناء كبيرين ظلا يرافقان تنقلاتهم في طرق أبواب الجهات المختصة في مديرية لودر بشكلٍ خاص والمحافظة بشكلٍ عام للنظر إلى معاناتهم حتى استطاعوا بجهودٍ شخصية وبعزيمة وإصرار من إدخال مشروع المياه إلى القرية عبر وكالة الأمم المتحدة للهجرة، ومعه أشرقت شمس حياة جديدة خالية من التعب والمعاناة.
150 الف دولار
بتكلفة بلغت نحو 150 ألف دولار أنهت وكالة الأمم المتحدة للهجرة المعاناة الطويلة لسكان قرية السلامية، بعد إيصالها مشروع المياه النظيفة وبتقنية حديثة عبر الألواح الشمسية لأكثر من 2000 مستفيد.
الحد من ظاهرة النزوح
يقول وكيل محافظة أبين عبدالعزيز الحمزة إن "افتتاح وكالة الأمم المتحدة للهجرة لمشروع المياه النظيفة في قرية السلامية في مديرية لودر سيساهم في الحد من نزوح الأهالي من القرية بسبب انعدام الخدمات وعلى رأسها المياه التي تعد من أهم الخدمات اللازم توافرها في منطقة".
وأكد الحمزة أن هذا المشروع الذي وصفه بالضخم ويعمل بالطاقة الشمسية سيُنهي معاناة سكان قرية السلامية مع شحة المياه التي عانوا منها كثيرًا..داعيًا سكان القرية إلى الحفاظ على هذا المشروع من الأعمال التخريبية، وتوسعته لكي تستفيد منه القرى المجاورة لهم.