في ذكرى وفاة مارادونا .. كيف استطاع بيلاردو صقل الجوهرة الأغلى في تاريخ الأرجنتين
تحل اليوم الذكرى السنوية الثالثة لوفاة أسطورة كرة القدم الأرجنتينية دييجو أرماندو مارادونا،، اللاعب الاكثر شعبية في العالم وفقا لتصويت الفيفا والأكثر إثارة للجدل في تاريخ كرة القدم، ومابين الميلاد في 30 أكتوبر 1960 والوفاة في 25 نوفمبر 2020 تمتد رحلة من أغرب وأجمل قصص كرة القدم في العالم.
بطلها الفتى الصغير دييجو أرماندو مارادونا الذي أطل على العالم من خلال الشاشات في سن 12 سنة من خلال لقاء تليفزوني أظهر مهارات الفتي اليافع الذي اطلق من خلاله أول تصريحاته قائلا: «أحلم بشيئين.. الأول هو أن ألعب في كأس العالم.. والثاني هو أن أفوز بكأس العالم».
وهو ما استطاع ابن حي فيا فيوريتو الفقير في بيونس أيرس أن يحققه بعد سنوات على مرأي ومسمع من العالم أجمع.
الأنتقال الأول للنجم الأرجنتيني من نادي أرجنتينيوس جونيور المغمور الذي كان قد وقع له مقابل 30 ألف دولار قبل أن يكمل الخامسة عشر إلى بوكا جونيور عام 1981 وتفضيله على نادي ريفربلات القطب الثاني للكرة الارجنتينية لم يكن المحطة الاهم في تاريخه، وكذلك الأنتقال إلى برشلونة الاسباني مقابل 7.6 مليون دولار في أكبر صفقة انتقال في تاريخ كرة القدم عام 1983 لم يكن ايضا المحطة الاهم، هل كان الإنتقال إلى نابولي الايطالي وتسطير تاريخ للنادي واللاعب معا هو المحطة الأهم كلا ليست هذه هي المحطة الاهم ايضا
إذا لم يتبق سواها هذه المحطة الأكثر أهمية في تاريخ أي لاعب كرة قدم في العالم، نعم حمل كأس العالم والفوز بالبطولة الأكبر والأغلي في كرة القدم بالتحديد سنة 1986 بالمكسيك بطولة مارادونا كما لقبت.
سنبحث في أوراق وكواليس إعداد مارادونا للوصل إلى المحطة الاغلي والاهم في تاريخه وتاريخ بلاده دون مبالغة ،لحظة تحقيق الحلم الذي صرح به في سن الثانية عشرة: أن أخوض المونديال وأن أكون بطلا هكذا قالها الفتي النحيف القصير.
كيف بدات تفاصيل أهم عملية صقل وتهذيب لأهم جوهرة في تاريخ الأرجنتين وواحدة من أهم جواهر تاج كرة القدم العالمية.
منذ أن داعب مارادونا كرة القدم بقدميه كان واضحا للعيان تميزه بحركاته البهلوانية الفطرية التي تشعل الملعب وتثير الأعجاب وتذهل المنافسين، وخاصة لعبته التي أشتهر بها في بدايته «شسيبو بوليتاس» أو البصلة الصغيرة كما كانوا ينادونه في صغره، اللعبة التي يراوغ فيها حارس المرمي ليخرجه خارج اطار المرمي وبعد أن ينفتح المرمي على مصراعية أمامه ينتظر المدافع الاخير ليراوغه أيضا ثم يحرز الهدف .
بدأت التفاصيل قبل بطولة كأس العالم 1986 بسنوات، بأكبر صدمة تلقاها مارادونا في حياته على حد وصفه وهي الإستبعاد من قائمة منتخب الارجنتين في كأس العالم 1978 البطولة التي استضافتها وحققتها لأول مرة في التاريخ، كان استبعاده مفاجأة للجميع خاصة مع بدايات بزوغ نجمه، وقتها قرر مارادونا التمسك بحلمه وإثبات جدارته على تحقيقه، كما قرر أن ن يرد على مينوتي المدير الفني للمنتخب الارجنيتيني في الملعب بتألقه اللافت في كاس العالم للناشئين بطوكيو عام 1979 والتي اثبت من خلالها أن عالم كرة القدم يستقبل موهبة خارقة تسطر تاريخا جديدا في كتاب كرة القدم بعد أن قاد منتخب بلاده للتتويج بالبطولة بعد الفوز فيا لنهائي بنتيجة 3-1 على منتخب الإتحاد السوفيتي، فضلا عن فوزه بالكرة الذهبية لأحسن لاعب بالبطولة، وبعد البطولة مباشرة استضاف بيليه الموهبة الفذة مارادونا بصحبة والده في منزله الفخم في افيننندا اتلانتيدا بكوبا كابابنا وأعلنه خليفة له في الملاعب وهو سرعان ماتمرد عليه مارادونا عندما ضاق ذرعا بتشبيهه بالجوهرة السمراء وذلك بتصريح تيلفزيوني قال فيه: لست بيليه جديد أو امتداد لبيليه أنا أريد أن اكون مارادونا .
نحن الان في عام 1985العام السابق للفصل الاهم في تاريخ مارادونا، ثبت الأرجنيتني اقدامه في مدينة نابولي بعد الانتقال لنادي الجنوب الايطالي في صفقة قياسية جديدة مقابل مايزيد عن 10 مليون دولار ليعوض إخفاقه في تجربة برشلونة التي خرج منها ببطلولة وحيدة للدوري ومثلها لكأس الملك واخري لكأس السوبر موسم 1983 وسجل حافل بالاصابات ومشهد نهاية لاينسي بمعركة حامية في مباراة نهائي الكأس امام اتليتكو بيلباو على مرأي ومسمع من ملك وملكة إسبانيا .
أصبح سيصبح مارادونا بعد عامين فقط من إنضمامه ملك متوج في قلوب مشجعي نادي نابولي النادي الذي انتظر مارادونا 60 عاما ليحقق له أول بطولة استطاع بها النادي الفقير مزاحمة اندية الشمال الغنية في ايطاليا لاول مرة يوفنتوس وميلان والأنتر.
بدأ الإعداد لكأس العالم ومارادونا معا منح دكتور كارلوس بيلاردو الذي تولي قيادة المنتخب الأرجنتيني عام 1983 شارة قيادة المنتخب لمارادونا وقرر أن يبدأ معه أهم مهمة ومرحلة في حياته بإعداده لقيادة الفريق وتحقيق البطولة وصقل هذه الجوهرة الغالية التي توجد بها بعض الشوائب التي يراها تحتاج للمعالجة ليزددا بريقها وجمالها وقيمتها .
وضع بيلاردو برنامجا تدريبيا خاصا يسير جنبا إلى جنب مع البرامج التدريبية المعتادة لمارادونا رفقة ناديه نابولي، ورفض إبعاده عن الفريق في معسكر خاص في بيونيس أيرس كما اقترح بعض معاونيه ووضع بيلاردو الخطة وعاونه في ذلك ثلاثة خبراء هم دكتور مايكل خبير علم الحركة والطبيب النفسي أراميد بريان وأماريلدو سونتاني استاذ اللياقة البدنية في اكاديمية بيونيس أيرس
الغضب هي الشائبة الاولي للجوهرة:
كانت مهمة الطبيب النفسي هي الوصول بمارادونا إلى حالة نفسية مستقرة هادئة لكي يستطيع السيطرة على أعصابه داخل الملعب خلال المبارايات وخارجه مهما حدث من اللاعبين الخصوم وخاصة أن غالبيتهم يلجأ لاستخدام العنف لايقاف خطورته، ومشهد نهاية مشواره مع برشلونة بمشاجرة مباراة أتليتكو بيلباو كان أبلغ دليل على نوبات الغضب التي تجتاح مارادونا ولايستطيع شخص وقتها الوقوف أمامها، وخلال العديد من الجلسات النفسية على مدار ثمانية أشهر تحقق الهدف وأصبح مارادونا اكثر هدوءا، هاديء الاعصاب متزن لايركز داخل الملعب سوي في الكرة على النقيض تماما من النسخة السابقة في برشلونة وبداياته في نابولي.
وإمعانا في التاكد من النجاح في علاج العيب الأول الغضب والعصبية الزائدة، أتفق الطبيب مع مجموعة من الشباب لافتعال مشاجرة أمام مارادونا من خلال تنظيم إحدي احدي المباريات الودية على أن يقوموا بإستفزازه بضرب شقيقيه المشاركين في أحد الفريقين وبمجرد اعتدائهما المدبر على الشقيقين انتفض مارادونا دفاعا عنهما بشكل أقل عصبية وحدة عن ذي قبل كما انه في النهاية اعتذر باسلوب طيب وبرر موقفه للشباب وغضبه بانه طبيعي وتحدث بمنتهي الهدوء معهم، واطمأن الطبيب من خلال سير الشجار من التغيير الذي طرأ على شخصية مارادونا وقدرته على التحكم في أعصابه، وتيقن من نجاح مهمته في أن يصل بمارادونا لمعدل غضب طبيعي يمكن التحكم فيه على عكس ماكان يحدث سابقا.
الغرور والنرجسية في الملعب الشائبة الثانية :
كانت مهمة الدكتور مايكل أستاذ علم الحركة هي توظيف الموهبة والقدرات الخارقة في المراوغة التي يمتلكها مارادونا لتحقيق الهدف منها بعيد عن الأستعراض الذي قد يستفز الخصوم ولايحقق الهدف له وللفريق، وبدأ في تدريس محاضرات مع مارادونا مفادها هو كيفية الافلات من الرقابة اللصيقة العنيفة التي تلاحقه من اللاعبين في المبارايات وكيف يستغل علم الحركة وميكانيكا الجسم في أن يفقد اللاعبين أمامه توازنهم ليمر منهم بسهولة أو ليمرر الكرة إلى زميل بسهولة، وساعد ذكاء مارادونا ومكره داخل الملعب في سهولة استيعاب هذا العلم وإتقانه بشكل يفوق المقاييس العلمية العادية بالشكل الذي اختصر فيه الوقت اللازم للنصف تقريبا بعدما تعلم أسرار حركة الجسم وأعضائه والتحكم في توزانه، وعلي النقيض كيف يفقد الجسم إتزانه وكيف يعطل تفكير خصمه لجزء من الثانية كرد فعل لحركة مفاجئة عكسية.
ضعف البنيان وقصر القانمة الشائبة الثالثة:
كانت مهمة أماريلدو سونتاني تقوية عضلات جسد مارادونا وخاصة عضلات أقدامه لتعويض قصر القامة وتحسين اجادة ضربات الرأس، وتحسين مستوي القفز عاليا لمزاحمة الحراس فضلا عن تقوية جسمانه وزيادة مرونته لزيادة اللياقة والقدرة على التحمل وتلقي ضربات الخصم، وخاض مارادونا تدريبات عنيفة وشاقة لرفع اللياقة البدنية باستخدام أدوات ووسائل عنيفة خاصة تم إحضارها لمضمار حديقة منزل مارادونا كانت كفيلة بالتجهيز لخوض مهمة قتالية انتحارية على أعلي مستوي على حد وصف سونتاني.
وعلي مدار ثمانية أشهر تمت المهمة بنجاح داخل حديقة منزل مارادونا بعيد عن أنظار الإيطاليين خاصة أن منتخب الازوري كان حامل لقب كأس العالم ومنافس قوي وشرس يجب اخفاء تفاصيل هذه المهمة عنه وهي تتم داخل مدينة نابولي، وأقام الاطباء الثلاثة في فيلا مجاورة لمنزل مارادونا وكانوا على تواصل يومي ببيلاردو لإطلاعه على التطورات، حتي نجح التلميذ الموهوب وحصل على الدرجات النهائية ووصل بيلاردو بنفسه إلى نابولي للاطمئنان على نجاح المهمة وفي حفل صغير لم يدع اليه مارادونا سلم الاطباء التقارير إلى بيلاردو معلنين نجاحهم في مهمتهم وقالول له عبارة واحدة: انت الان معك قاطرة بشرية حقيقية
لتبدأ بعدها أهم محطة في حياة مارادونا وهي رحلة التتويح ببطولة كأس العالم بالمكسيك سنة 1986 والتربع على عرش أفضل لاعب في العالم.
وهي البطولة التي قدم خلالها مارادونا مستويات رائعة لاتزال عاقلة بالاذهان ولعل اهم مشاهدها إحرازه لواحد من أفضل الاهداف اعجازا في تاريخ كرة القدم أو مايسمي هدف الخصوم الستة الذي تضمن 37 خطوة و11 لمسة للكرة في مشوار بدأه مارادونا من منتصف الملعب حتي مرمي شيلتون في مباراة منتخب انجلترا الشهيرة في الدور ربع النهائي للبطولة والتي تضمنت أيضا اكثر الأهداف إثارة للجدل في تاريخ بطولات كأس العالم، هدف اليد الشهير الذي أظهر من خلاله مارادونا قدرة فائقة على القفز لأعلي ومزاحمة شيلتون حارس إنجلترا الشهير.
واصل منتخب الأرجنتين طريقه للنهائي وحقق اللقب الثاني في تاريخه بعد الفوز على منتخب ألمانيا بنتيجة 3/2 .
وفي احتفالية التتويج بالبطولة قال مارادونا أهدي الكأس أولا إلى بلدي الأرجنتين وثانيا إلى مدربي دكتور بيلاردو العظيم وإلي جمهور كرة القدم في كل أنحاء العالم الذي أحاطني بهذا الحب الكبير الذي كان وراء تفوقي في المبارايات.
وبات مارادونا الجوهرة الأغلي في تاريخ الأرجنتين بعد أن حقق المجد للشعب الفقير الذي كان يهتف ويغني له «باللعب والتسجيل ها هي الارجنتين كرة وفن جميل يسعد الملايين.. جلبت لنا السعد والهناء وحققت للكرة كل الرخاء يا ابن بيونس غزوت قهرت دفاع الغزاة» .
وعلي مدار مشواره الاحترافي أحرز الأسطورة الأرجنتينية دييجو مارادونا طوال مسيرته الاحترافية 12 لقبًا كبيرًا، وهي 9 ألقاب مع الأندية، و3 القاب مع المنتخب الأرجنتيني.
حيث فاز مارادونا بثلاثة ألقاب مع نادي برشلونة، وهي لقب الدوري الاسباني في موسم 1982-83، وكاس الدوري وكأس السوبر الإسباني في سنة 1983.
ومع نابولي، حقق الأرجنتيني 5 ألقاب محلية وقارية، منها لقب الدوري الإيطالي في مناسبتين عامي 1987 و1990، وكأس إيطاليا في 1987، وكأس السوبر الإيطالي في 1990.، ولقب الدوري الأوروبي سنة 1988 .
وفاز مارادونا بثلاثة القاب مع المنتخب الارجنتيني، وهي لقبين مع المنتخب الأول، ولقب واحد مع المنتخب الأرجنتيني تحت 20 عاما.
أول هذه الألقاب كان لقب بطولة كأس العالم تحت 20 سنة في 1979، والتي فاز فيها خلالها بجائزة أفضل لاعب في البطولة .
ولقب مارادونا الثاني والأكثر أهمية في مسيرته الاحترافية هو لقب نسخة كأس العالم 1986 التي صنعت فيه الكثير من أسطورة اللاعب.
اللقب الثالث والأخير لمارادونا مع الأرجنتين هو كأس الأبطال كونميبول–يويفا في 1993 على حساب المنتخب الدنماركي.
أما عن الألقاب الفردية في مسيرة مارادونا الكرة الذهبية في عام 1986، كأفضل لاعب في العالم، والحذاء الفضي في مونديال 1986، وجائزة أفضل لاعب في قارة أمريكا الجنوبية في عامي 1979 و1980، ولاعب العام في الأرجنتين خلال 4 مرات أخرهم في 1986، كذلك الكرة الذهبية في كأس العالم للشباب 1979، كما نال عدد كبير من الألقاب الفردية الأخرى كهداف كأس ايطاليا في 1987-1988، وهدفا الدوري الأرجنتيني في 3 مواسم، وصاحب جائزة لاعب القرن من الفيفا بتصويت الجماهير، كذلك جائزة هدف القرن، والذي سجله في مرمى المنتخب الانجليزي.