غزاويات يلدن تحت نيران القصف.. تفاصيل المأساة
على مدار شهرين، تستيقظ نور كل صباح وتفحص جسدها، ثم تشعر بالارتياح؛ لأن طفليها التوأم ما زالا بداخلها، وأنهما ما زالا على قيد الحياة.
تجاوز الطفلان 9 أشهر في منزل الأم الخائفة، لكنها لا تجد مستشفى تضع طفليها فيهما، ولا تجد وقت أصلا للولادة وسط حالات الرعب والفرار المتكرر الذي تعيشه مع أسرتها الغزاوية.
أخبرها الطبيب أن كل يوم إضافي يجعل ولادتها تطلب تدخلا توليديا، أو تدخلا لحديثي الولادة أقل احتمالا، وهو أمر قد لا يكون متاحا في غزة، لكن حتى بعدما طمأنتها تلك الفحوصات بأنها اقتربت يوما إضافيا من الولادة الطبيعية، قالت نور شعث لعاملة الإغاثة والكاتبة في مجلة «ذا أتلانتيك» كلير روبينز، إنها تشعر بخوف عميق ومؤلم، وهو خوف تخشى أن تنقله إلى أطفالها.
حكاية نور تعيشه 50 ألف امرأة فلسطينية حامل.. تقضي وقتها بين الهلع والرعب ورائحة الموت في القطاع المحاصر.
لا أشعر بالأمان
تسأل نور نفسها في التحقيق الذي أجرته المجلة الأمريكية «هل يشعران بالخوف بداخلي؟». كما تتساءل عما إذا كان بإمكانهما الإحساس عندما تبكي، وما إذا كان التوتر سيؤدي إلى الولادة المبكرة؟
قالت شعث للصحفية روبينز عبر رسالة نصية «أنا مرشدة عاملة، وأعرف كيفية التعامل مع الأفكار السلبية، لكنني أحاول كل شيء بدون أي مساعدة، أنا تحت الضغط معظم الوقت»، وأضافت «لقد أخبرت زوجي أنني لا أشعر بالأمان بالولادة داخل غزة».
شعث هي واحدة من نحو 50 ألف امرأة حامل في غزة، حسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي يقدر أيضا أنه من بين سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، هناك واحدة من كل 4 نساء وفتيات في سن الإنجاب، ومع النزوح الجماعي والنقص في الضرورات الأساسية، أصبحت الولادة في غزة محفوفة بالمخاطر، بعدما تلقى صندوق الأمم المتحدة للسكان تقارير عن نساء خضعن لعمليات قيصرية بدون مسكنات أو تخدير.
ظروف عصيبة
ويؤكد ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأراضي الفلسطينية دومينيك ألين أن نحو 180 امرأة يدخلن المخاض كل يوم في غزة، وكثيرات منهن يلدن قبل الأوان بسبب الظروف العصيبة.
ومع كل هؤلاء الأطفال الخدج، يعد توفير الوقود للحاضنات أمرا مهما بشكل خاص، خلال وقف إطلاق النار، تمكنت المنظمات الطبية من التفاوض على إيصال بعض الوقود والإمدادات الأخرى إلى مستشفيات في الشمال، لكن ألين قال «إن جهة اتصاله في مستشفى الحلو، مستشفى الولادة الرئيسي في مدينة غزة، أبلغت عن انهيار كامل لرعاية الولادة وما قبلها وبعدها، لكل من الأمهات والأطفال».
ولادة مرعبة
تروي نورا الزعيم، وهي أم طفلين قصة ولادتها المرعبة خلال أيام الأزمة، تقول «أنجبت قبل يوم طفلي الثاني في أحد مستشفيات مدينة غزة، سمعت أن مسكنات الألم قد لا تكون متوفرة، لذلك لم أطلبها، كانت الولادة مرعبة، فقد كنت أسمع الغارات الجوية القريبة، وأشعر بالقلق من أنها ستضرب المستشفى».
احتاجت الزعيم إلى غرز بعد ذلك، ولم يكن تعافيها سهلا، وباعتبارها اختصاصية علاج طبيعي في عيادة تركز على مرضى الحروق، كانت تعرف شيئا عن العناية بالغرز.
علمت أيضا أن ألمها المستمر كان على الأرجح علامة على إصابة بالعدوى.
لكن العودة إلى المستشفى في الأسابيع التالية للولادة كانت خطيرة للغاية.
لقد راسلت الكاتبة في 18 نوفمبر لتقول «أنا أعاني. لدي غرز وألم شديد، ولا يوجد ماء متاح للاستحمام لتحسين الشفاء ومنع العدوى».
Advertisements
لا تخافي يا أمي
عقب ولادة طفلها، تم إجلاء الأسرة إلى الجنوب، حيث احتشدت في شقة مع أفراد العائلة الأوسع، أصيب المولود بالحمى فأحضروه إلى مستشفى يعج باللاجئين واشتروا له الدواء من السوق السوداء عندما لم يجدوا العلاج الذي يعرفونه، يقضي زوجها ساعات في البحث عن الماء النظيف والغذاء والدواء للعائلة.
في منزلها مع طفليها، ووسط أيام طويلة من القصف المتقطع، كان على الزعيم أن تجد طرقا مبتكرة لتهدئة طفلها الصغير، عندما يسمعون الانفجارات، تبدأ هي وأقاربها في التصفيق والابتسام، أخبروه أن القنابل عبارة عن ألعاب نارية عالية الصوت، لا يزال يغطي أذنيه ويختبئ.
أم أخرى هي أسماء الحايك، أنجبت خلال حرب مايو 2021 طفلا ثم أنجبت مولودا مرة أخرى في أغسطس الماضي، أخبرت الكاتبة أنها تهدئ ابنها الأكبر من خلال التظاهر بأن أصوات القصف تصدر عن طيور مشوشة وهائلة الحجم، لكن في بعض الأحيان، يراها خائفة، فتتبدل أدوارهما.
يقول لها «لا تخافي يا أمي. إنها أصوات الطيور».
صدمة كبيرة
مرت الأمهات الثلاثة نور ونورا وأسماء بصدمة كبيرة لكنهن يرفضن ترك غزة، أخبروا الكاتبة أن غزة هي عالمهن، فكرت الأخيرة في محاولة الذهاب إلى مصر طوال فترة الحرب، لكنها شعرت بالقلق من أن عائلتها ستمنع من العودة إلى غزة بعد ذلك، وقالت «إن العيش في مأوى مؤقت في الجنوب كان صعبا بما فيه الكفاية «أريد منزلي، وأحلم دائما بأن أعود إليه».
شعث الآن حامل في شهرها السادس تقريبا، وخلال فترة وقف إطلاق النار، دخلت بضع شاحنات تابعة لجمعيات خيرية طبية وصندوق الأمم المتحدة للسكان إلى قطاع غزة محملة بإمدادات الولادة الآمنة وأدوية التخدير وغيرها من الضروريات للرضع والأمهات الجدد.
ويقدر ألين أن لدى المستشفيات الآن ما يكفي من الإمدادات لدعم عمليات الولادة الأساسية والمعقدة خلال الشهر ونصف الشهر المقبلين.
بدت شعث إيجابية في ضوء تلك الأخبار،. قالت للكاتبة «إن التوأم يركلان، وردا على سؤال بشأن ما تحلم به لهما في السنوات المقبلة، أجابت بأنها لا تستطيع التفكير في المستقبل. لكن الآن، كل ليلة قبل أن تنام، تقول لهما «تعاليا بالسلامة، من فضلكما».
700 شهيد
وبالتواكب مع حالة الرعب التي تعيشها الأمهات، أعلن مسؤول حكومي فلسطيني أمس، مقتل أكثر من 700 فلسطيني جراء هجمات إسرائيل على قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية.
وقال مدير المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، «إنه تم رصد 20 «مجزرة» ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال الـ 24 ساعة الماضية من خلال قصف متزامن في جميع محافظات قطاع غزة».
واتهم الثوابتة إسرائيل بتعمد «ارتكاب أكبر قدر من المجازر ورفع فاتورة الضحايا»، مشيرا إلى عدم تمكن آليات الدفاع المدني من انتشال مئات الجثث من تحت الأنقاض ووجود صعوبات بالغة في انتشال الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات.
وشدد على أنه لا يوجد أي مكان آمن في قطاع غزة في وقت يمارس الجيش الإسرائيلي التهجير القسري بحق مئات آلاف السكان، وذكر الثوابتة أن قطاع غزة يشهد تفاقم كارثة إنسانية بشكل غير مسبوق لا سيما بعد هدم نحو 300 ألف وحدة سكنية بشكل كلي وجزئي وترك العوائل بلا مأوى في ظل حلول موسم الشتاء وانخفاض درجات الحرارة.
ضحايا غزة:
700 شهيد آخر 24 ساعة
17,000 شهيد حتى الآن
7400 مفقود تحت الأنقاض
+7000 طفل شهيد.
+4000 امرأة شهيدة
3000 وحدة سكنية هدمت