الطريق الى يافع...المحاولات البريطانية لتصوير و مسح سلطنتي يافع منذ القرن التاسع عشر(1-3)

الطريق الى يافع...المحاولات البريطانية لتصوير و مسح سلطنتي يافع منذ القرن التاسع عشر(1-3)

الأول / متابعات:

منذ نهايات القرن التاسع عشر حاولت بريطانيا عبر حكومتها في عدن أن تقوم بعمليات مسح أو تصوير سلطنتي يافع العليا و السفلى و تعود أولى المحاولات إلى ماقبل توقيع اتفاقية الحماية مع سلطان يافع السفلى عام 1895 م ثم مع سلطان يافع العليا بعدها بثمان سنوات عام 1903م.

وكانت أولى المحاولات الفعلية من قبل كلف الكابتن R. A. Wahab عام 1902 م وهو من وحدة المسح الهندية رقي بعدها إلى رتبة كولونيل

فشلت محاولته الأولى؛ ولكنه عاد بعد سنتين لإجراء مفاوضات ترسيم الحدود بين بريطانيا و العثمانيين فقام بالذهاب لمنطقة الشعيب التي كانت تعتبرها بريطانيا منطقة يافعية،ولكنها لقيت مقاومة من قبل سلطان يافع العليا صالح بن عمر الذي عاد للمحجبة بعد مقاومة الحراسة المرافقة للبعثة في العوابل عاصمة الشعيب عبر وادي بنا.

بشكل عام فشلت المحاولتين التي قام بهما الكولونيل تحت اسم المسح الجغرافي لمحميات عدن البريطانية.

و قد نجحت تلك المحاولات عام 1925 من قبل كولونيل آخر هو ليك .. الذي يعتبر أول رجل أوروبي يزور يافع و قام بتصوير القارة بالتحديد , دون أن يخفى على أحد الأسباب العسكرية وراء ذلك كمقر لأقوى سلطنة في المحميات الغربية لعدن .. خصوصًا و أن القارة قصفت بسلاح الطيران الملكي البريطاني . وكانت الزيارة بهدف تدريب أول فرقة مشاة عسكرية في اليمن للحراسة من رجال القبائل في يافع خصوصًا بعد موافقة السلطان عيدروس بن محسن طالبًا مدفع حربي من أجل الموافقة على تلك الزيارة وهو ماتم الموافقة على ذلك فتم شحن مدفع من نوع تن باوندر على ظهور الجمال.

طوال فترة الحكم البريطاني لجنوب الجزيرة العربية كانت مرتفعات يافع مغلقة أمام أي تواجد خارجي و قلة فقط من الزوار الأوربيين استطاعوا الدخول ليافع، و رغم وجود حالات ضعف داخلية إلا أنها تتحد أمام أي تهديد خارجي، و استطاعوا تكوين جيوش خارج نطاق يافع كما فعلوا مع السلطان القعيطي ذي الأصل اليافعي. ورغم هجرة أبناء يافع و احتكاكهم بالعالم الخارجي إلا أنه هذا لم يقلل من نفورهم إزاء أي تدخل في شؤونها الداخلية. لكن على الورق كان هذا معكوسًا حيث كانت يافع جزءًا من المحميات البريطانية في عدن , حيث وقعت اتفاقية الحماية مع سلطنة يافع السفلى عام 1895 م و مع سلطنة يافع العليا عام 1903م،وكانت تدفع إعانات لبعض المشائخ المحليين في يافع العليا و هذا اعتراف ضمني بأن سيطرة سلطان يافع العليا كانت اسمية فقط .

وبسبب هذه المعونات فإن القوة الفعلية ليافع تقسمت بين القبائل أكثر من كونها بين سلطانين،و وحده سلطان يافع السفلى بن عفيف كان يتمتع بنفوذ قبلي وعشائري في يافع والذي يقول بأنه من نسل ملوك اليمن ماقبل الإسلام و أنه تجسيد فعلي لتراث يافع القبلي القديم .

هذه التقاليد أعطت السطان قدرة أكبر على القيام بدوره لحل النزاعات القبلية و إصدار الأحكام بصورة حكيمة و سط القبائل صعبة المراس و القيام بأداء واجب الضيافة،و كان دخله يأتي من الأعشار العرفية كما مكنته الأراضي الزراعية الواسعة التي تملكها عائلته من الحفاظ على سلطته.

تقع يافع السفلى فوق مرتفعات أبين الشمالية و نحو عشرين ميلا على ساحل البحر بمحاذاة وادي حسان من الجنوب و وادي بنا من الغرب، و تمتد شمالا حيث يافع العليا على نحو 8000 قدم , و كانت هناك عاصمتان ليافع السفلى الأولى في الحصن في السهول المنخفضة و الأخرى في القارة شمالا.

بين عامي 1891/92 م كلف الكابتن R. A. Wahab من الهند لعمل مسح جغرافي على المناطق المحيطة في عدن بما يصل لدائرة قطرها سبعين ميلا , لكن تقرير Wahab لم يشمل سوى الأراضي السهلية المنخفضة و قد ذكر المنتدب البريطاني John Jopp في عدن في تقريره لبومباي ( أن سوء فهم حصل بين السلطان الجديد و بين وحدة المسح ) .

و ربما يكون سوء الفهم هذا بسبب المطالب المادية من قبل اليافعيين للسماح بوحدة المسح عبور أراضيها . و بعد سنوات قليلة تعثرت زيارة كل Theodore and Mabel Bent لمنطقة القارة بسبب المطالبات المادية ( كما رأى مابل بنت ) للسماح لهم بذلك .

 في عام 1902 م عاد Wahab مرة أخرى لرئاسة الجانب البريطاني في عدن من أجل ترسيم الحدود بين مع الجانب العثماني لعدن ومحمياتها،و خاب أمله مرة أخرى في زيارة يافع،لكنه في عام 1904 م نجح في إرسال وحدة مسح بمرافقة وحدة عسكرية إلى منطقة الشعيب التي كان البريطانيون يضمونها ليافع العليا.

وحين نزل فريق المسح منطقة العوابل عاصمة الشعيب هوجمت من قبل سلطان يافع العليا صالح بن عمر الذي أطاح بشقيقه قحطان بن عمر مؤخرًا , و قيل أنها كانت بتحريض من العثمانيين , لكن قوة الحراسة استطاعت صد الهجوم اليافعي مما اضطر السلطان صالح إلى التراجع شرقًا عبر وادي بنا و العودة لمقر حكمه في المحجبة .

كانت أول زيارة ليافع بشكل عام من قبل الليفتنانت كولونيل ليك (M. C. Lake ) في نوفمبر عام 1925 م لتدريب قوة حراسة محلية وهي أول قوة مشاة في اليمن . وقد انتهز ليك الفرصة و قام بزيارة بعض المناطق الداخلية في يافع، و كان السبب الحقيقي لهذه المساعدة على تشكيل قوة الحراسة المحلية هو الأنباء التي وصلت بتقدم قوات الإمام في المحميات الغربية إلى الشرق من يافع في الضالع و الشعيب و على هضبة العوذلي , وذلك بمنع قوات الإمام من التقدم جنوبًا،و ماحدث يعتبر غير اعتيادي لمراسلات بين الحكومة البريطانية و قيادات يافع .

و لضرورة إجراء تحليق آمن فوق يافع ينبغي أن يتم القيام بتأمين موقع الهبوط و اختياره، و قد وافقوا في يافع على هذه الشروط في صورة نادرة للإنسجام بين القبائل اليافعية و الأجانب.

وقد طلب السلطان عيدروس بن محسن و هو شاب في العشرينيات من عمره و قد تولى حكم السلطنة بعد وفاة والده ( السلطان محسن بن علي ) بتوريد مدفع للقارة،وقد وافق المندوب البريطاني على إرسال مدفع من نوع (ten-pounde )،و قد نقلت إلى يافع على ظهور الجمال و تفكيكها إلى أجزاء.

يتبع...