المعلومات المضللة.. سلاح رقمي يُسكت النساء

المعلومات المضللة.. سلاح رقمي يُسكت النساء

بقلم/ قمر أحمد

في المجتمعات التي تقف فيها السمعة على حافة التفاصيل، تُصبح المعلومة المضللة أخطر من الرصاصة. وفي العصر الرقمي، لم تعد تلك المعلومة تنتقل شفهيًا فقط، بل تُعاد صناعتها، وتضخيمها، وتوزيعها بشكلٍ ممنهج، لتتحوّل إلى أداة ضغط اجتماعي ضد النساء، تُقيد حضورهن وتمنع مشاركتهن وتحاصِر حريتهن تحت غطاء "الحماية".

-ليست مجرد أخبار كاذبة.. بل أدوات قمع ناعمة

المعلومات المضللة التي تستهدف النساء تتجاوز كونها شائعات؛ إنها آلية تُستخدم لتجريم السلوك، التشكيك في النوايا، وتلويث السمعة الشخصية دون دليل أو مساءلة. هذا النوع من التضليل لا يكتفي بإيذاء الصورة الاجتماعية للمرأة، بل يفتح الباب لعقوبات مجتمعية غير رسمية، تبدأ باللوم وتنتهي بالعزلة.

نموذج من عدن – أغسطس 2024: حين تُزرع الفتنة بصمت

في مطلع أغسطس 2024، اجتاح الخوف منصات التواصل في عدن بعد ظهور حساب مجهول نشر عشرات الصور الخاصة لفتيات من مختلف الأعمار. الصور، التي تبيّن لاحقًا أنها حقيقية، كانت قد انتقلت في سياقات شخصية محدودة داخل دوائر المقرّبين، قبل أن تُسرّب وتتحوّل إلى محتوى علني يستخدم لتشويه الفتيات.

تزامن ذلك مع شائعتين متضادتين: الأولى تقول إن الصور جاءت نتيجة اختراق إلكتروني لتطبيق "سناب شات"، والثانية تزعم أن الفتيات أرسلن الصور طواعية إلى شباب. وبين النفي والتأكيد، وجدت النساء أنفسهن في قلب عاصفة أخلاقية، تتقاذفها الاتهامات، وتُفاقمها التعليقات، وتغذيها قنوات نشر بلا رقيب.

اللافت أن الجهات الأمنية في عدن لم تتمكن من تحديد هوية المسؤول عن الحساب، بسبب ضعف القدرات التقنية، وقلة الموارد المخصصة للجرائم الإلكترونية في ظل الظروف العامة التي تمر بها المدينة، ما جعل القضية تظل مفتوحة، والقلق مستمرًا، والثقة متآكلة.

العزلة الرقمية: الوجه غير المرئي للمعلومة الكاذبة

أمام كل شائعة، هناك امرأة تلوذ بالصمت، أو تغلق حساباتها، أو تُجبر على تبرير نفسها لأهلها ومجتمعها. المعلومات المضللة لا تكتفي بالتشويه، بل تؤدي إلى عزلة رقمية صامتة، تُقصي النساء من الحضور الرقمي، وتمنعهن من التفاعل والمشاركة خوفًا من الوقوع في فخ التشهير أو الاتهام.

تُصبح الشائعة، إذًا، وسيلة "ناعمة" لإخراس النساء، لا تحتاج إلى سلاح أو سجن، بل تكتفي بالخوف، وسلطة المجتمع، وغياب الحماية الرسمية.

وما نحن بحاجة إليه اليوم لمحاربة سيل تضليل المعلومات على النساء ووضعهن في موضع كبت هو تنشيط وحدات التحقق الرقمية والاستجابة السريعة للشائعات، و دعم قدرات البحث الجنائي الرقمي، وتوفير أدوات تتبّع فعّالة للحسابات التي ترتكب انتهاكات، وايضا تكثيف إنتاج حملات توعوية تربط بين السلامة الرقمية وتمكين النساء، واخيرا تطوير قوانين تحمي الخصوصية الرقمية وتُجرّم نشر الصور الخاصة دون إذن.

وفي النهاية المرأة ليست فقط ضحية للعنف المادي، بل أيضًا للعنف الرمزي الذي تمارسه المعلومة الكاذبة وتتجاوب معاها العادات والتقاليد القامحة، وفي بيئة مثل اليمن، حيث تتحرك القيم الاجتماعية على خيط رفيع، تتحوّل كل صورة مُسرّبة وكل شائعة غير محققة إلى تهديد وجودي. ولهذا، فإن مكافحة المعلومات المضللة لم تعد رفاهية إعلامية، بل ضرورة لحماية النساء، وأداة لتعزيز العدالة الرقمية والمجتمعية.