من قرار كسر صيام شهر رمضان إلى إلغاء شعيرة الأضاحي في المغرب العربي

مسعود عمشوش

اليوم تعد تونس من الأقطار العربية التي اختار شعبها حكومة ذات توجه إسلامي ملتزم. ومع ذلك لا يمكن أن ننسى أن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، في أحد أيام شهر مارس 1962، رفع كوبًا من عصير البرتقال وشربه ليكسر صيامه، وذلك عندما كان يخاطب المواطنين على الهواء مباشرة خلال شهر رمضان، ويدعوهم إلى فعل الشيء نفسه. كانت تلك الخطوة الجريئة والمحطمة لأحد الفروض الإسلامية صادمةً، وأثارت جدلًا واسعًا بين التونسيين والمسلمين عمومًا حول شرعية الإفطار في رمضان.

وهناك من سعى حينها لتبرير خطوة بورقيبة قائلا إن "لدى بورقيبة حسن نية سياسية جوهرية في دولة ما بعد الاستعمار الفتية وطموحات كبيرة. تم الاحتفاء به باعتباره محرر تونس من الاستعمار الفرنسي مع خطة اقتصادية واجتماعية لبناء البلاد من الألف إلى الياء. لتحقيق ذلك، دعا الناس إلى استجماع قواهم لمساعدة حكومته على النجاح بدلًا من استنزاف طاقتهم خلال شهر رمضان". كان هدفه اكتساب القوة لزيادة الإنتاج وتجاوز الفقر والتخلف.

لكن من الواضح أن بورقيبة قد بالغ في تقدير قبول الناس لخطوته ودعوته للإفطار، التي أحدثت شرخا في صورته كزعيم، وفتحت الباب أمام نوع جديد من المعارضة السياسية في تونس، وأثارت موجة من التوتر في الحياة السياسية التونسية والتأرجح المستمر فيها بين العلمانية والالتزام الديني.

أما في المغرب فلم يتم يوما ما الدعوة إلى الإفطار خلال نهار شهر رمضان. لكن ملوك المغرب قرروا في سنوات عدة منع شعيرة ذبح الأضاحي في عيد الأضحى. فهذا المنع الذي تكرر هذا العام سبق أن أصدره ملوك المغرب في سنوات 1963، 1981، 1996 و2020، حينما حيث تم إصدار تدابير مشابهة واستثنائية قيل إنها تهدف "إلى تفادي تفاقم الأزمات وتأمين استقرار الزراعة والثروة الحيوانية".

ومثلما حدث في تونس بشأن دعوة بورقيبة لكسر فريضة صيام رمضان أثار قرار إلغاء شعيرة الأضاحي في المغرب نقاشاً بين المواطنين أكثر حدة خلال العام الجاري. فبينما رحبت شريحة واسعة بالقرار نظراً للصعوبات المالية التي تواجهها غالبية المغاربة حاليا، برزت هناك تساؤلات من بعض الفئات حول مدى قانونية هذا القرار الذي يرتبط بالدين، ومدى جواز ما زعمه الملك محمد السادس عن "نيته القيام بذبح الأضحية نيابة عن الشعب المغربي بأكمله". وهناك من اكد احتمال لجوء بعض الناس إلى ذبح الأضحية سرًّا كما حدث في السابق إثر صدور قرارات مشابهة عن الملك الراحل الحسن الثاني الذي قال إنها جاءت لأسباب اقتصادية وبيئية.

 والغريب في الأمر طبعا أن ملوك المغرب يعثرون دائما على رجال دين يسوغون لهم قراراتهم تلك. فهذه المرة أكد الباحث محسن اليرماني "أن القرار الملكي يجسّد مرونة الشريعة الإسلامية في التيسير على الناس وتحقيق المقاصد، وهو قرار يُراعي مصالح الأمة في ظرف استثنائي".

وفي اعتقادنا أنه لا يجوز مطلقا تدخل الرؤساء والملوك في قضايا الشريعة، التي تضمنت نصوصها على من يجب الصيام ومتى يمكن تأجيلهأ ومتى يمكن أن تذبح الأضحية التي لها شروط كثيرة مبينة في نصوص الشريعة الإسلامية السمحاء. واليوم هناك كثير من المسلمين لا يجدون ما يسدون به رمقهم، ولم يفرض عليهم الإسلام ذبح أضحية. وليس هناك داع لصدور قرار بمنعهم من أداء شعيرة ليست واجبا عليهم أصلا.