منها تسريب الصور وفيديوهات!!.. الابتزاز الإلكتروني وحش بلا أنياب ينهش كرامة اليمنيات!
في زمن الحرب والنزوح، حين تتناثر الحكايات المأساوية بين أطلال المدن والقرى، يخرج وحش جديد من الظل، لا يُسمع صوته، ولا تُرى أنيابه، لكنه يلتهم الأرواح بصمت… إنه الابتزاز الإلكتروني. ظاهرة لا تقل خطرًا عن القنابل والصواريخ، لكنها تغتال الكرامة، تخنق الأمل، وتترك الضحايا عراة أمام عيون المجتمع، في مجتمع يمنّي يقدس السمعة ويخاف الفضيحة. هذا التقرير يرصد كابوسًا يعيشه آلاف اليمنيات، قصصًا من الخوف والتهديد والعزلة، ليضيء على وحش الرقمنة الذي ينهش الأرواح في زمن الحرب، ويطلق جرس إنذار لكل أسرة وكل فتاة: الرقمنة بلا حماية قد تكون أقسى من الحرب نفسها...
تقرير (الأول) قسم التحقيقات:
من قلب الحرب والنزوح، حيث تنهار مقومات الحياة وتتعقد الجراح، يبرز وحش جديد في اليمن، لا يمتلك قنابل أو ذخيرة، لكنه يمتلك قدرة تدميرية تتجاوز كثيرًا آثار القنابل نفسها… إنه الابتزاز الإلكتروني. هذه الظاهرة تتفشى كالنار في الهشيم، لتلتهم ما تبقى من أمان وهدوء، فتجعل من الحياة على حافة الهاوية كابوسًا دائمًا.
بينما تحصد الحرب الأرواح، يسرق الابتزاز الإلكتروني الكرامة، يهدم السمعة، يخنق الأمل، ويضيف طبقة جديدة من المعاناة على شعب أنهكته الصراعات المستمرة. إنها جريمة تتعدى الجسد لتغتال الروح، وتهدد مجتمعات بأكملها بالانهيار.
عندما يتحول الهاتف إلى بوابة الجحيم؟!
في صنعاء، كانت زهرة تعيش حياة بسيطة وسط صعوبات أسرية عديدة. فتاة جامعية تحمل أحلامًا لمستقبل أفضل، لكن حياتها تحولت إلى كابوس بعد فقدان هاتفها الجوال، الذي كان يحوي صورًا خاصة بها. لم تدرك زهرة أن هذا الهاتف سيكون بوابة لجحيم من التهديدات.
لم تمض أيام حتى بدأت الرسائل الغامضة تصل إلى ابنة عمها، تحمل تهديدات مباشرة لزهرة، طالبًا منها إرسال صور جديدة، مهددًا بنشر الصور الموجودة لديها إذا رفضت.
رفضت زهرة، لكن المبتز لم يتردد في تنفيذ تهديده، لينشر إحدى صورها على تويتر، فتتحول حياتها إلى دائرة من الخوف واليأس. المنزل الذي كان يفترض أن يكون ملاذًا آمنًا أصبح سجنًا آخر، وداخل العائلة لم تجد الدعم، بل واجهت الضرب من والدتها وحتى من شقيقها الأكبر الذي لم يدرك حجم الألم الذي تسببه هذه التجربة.
قصتها ليست مجرد حادثة فردية، بل صدى لمئات، بل آلاف القصص المشابهة لفتيات وشباب يمنييين يقعون ضحايا الابتزاز الإلكتروني وسط غياب الحماية والدعم.
أرقام صادمة وواقع مؤلم
في اليمن، يستغل الابتزاز الإلكتروني ضعف البنية التحتية، ارتفاع الفقر، وانتشار الإنترنت بلا ضوابط، ليصبح تهديدًا متزايدًا. بين 2023 وأبريل 2024، سجلت المنظمة اليمنية للتنمية والتبادل التكنولوجي 115 حالة ابتزاز عبر الإنترنت، معظمها استهدفت النساء.
منصة "سند" كانت تتلقى يوميًا أربع حالات على الأقل من الابتزاز، ما يعني أن 25 فتاة وامرأة يتعرضن لسوء المعاملة كل يوم. وتزيد الهواتف الذكية وخدمات الإنترنت من المخاطر، خصوصًا مع فقر أكثر من 80% من السكان، ما يجعل الابتزاز وسيلة للضغط المالي واستغلال ضعف الضحايا.
النساء أكثر استهدافًا
الفتيات والنساء، خصوصًا بين 21 و24 عامًا، هن الفئة الأكثر تعرضًا للابتزاز. فالتهديد بالعائلة أو المجتمع يجعل الضحية صامتة، مما يسهل استغلالها. في 28% من الحالات، طلب المبتز أمورًا غير أخلاقية، ما يعكس تنوع أهدافه.
تحديات قانونية ونفسية
تعاني الضحايا من فراغ قانوني كبير في اليمن، إذ لا يوجد إطار صريح يجرم الابتزاز الإلكتروني. الأضرار النفسية تتجاوز المادية، فتشمل الخوف المستمر، القلق، الاكتئاب، العزلة، وأحيانًا التفكير بالانتحار.
حتى محاولات إنشاء وحدات مختصة بالابتزاز الإلكتروني في النيابة العامة كانت محدودة، بينما يبقى الدعم النفسي شبه معدوم، والخوف المجتمعي عائقًا كبيرًا أمام اللجوء للجهات القانونية.
دور المجتمع المدني والتوعية
يبقى دور التوعية الوقائية أمرًا محوريًا لتقليل مخاطر الوقوع ضحايا للابتزاز الإلكتروني. يجب تعليم أساسيات الاستخدام الآمن للإنترنت، الحماية من البرمجيات الضارة، والتواصل الآمن مع الغرباء.
وعلى منظمات المجتمع المدني تحمل المسؤولية بشكل أكبر، عبر حملات مستمرة للتوعية، وتقديم الدعم القانوني والنفسي للضحايا، لتصبح شبكة أمان في مجتمع يئن تحت وطأة الصراع والتهديدات الرقمية.
الابتزاز الإلكتروني وحش بلا أنياب، لكنه قادر على تدمير الأرواح بصمت. وكما تنهار البيوت بصواريخ الحرب، تنهار النفوس أيضًا بصور وفيديوهات مسروقة، ما يجعل التوعية والحماية أمرًا لا يُسكت عنه.
