حضرموت في قلب المعادلة… واليمن يُعاد هندسته من بوابة النفط والقبائل
لم تكن التهدئة في حضرموت نتيجة تراجع التوتر، بقدر ما كانت نتاج تدخل عاجل لتفادي صدام واسع بين حلف قبائل حضرموت والمجلس الانتقالي الجنوبي. وجاء قرار تعيين سالم الخنبشي محافظا خلفا لمبخوت بن ماضي كخطوة سياسية لاحتواء الأزمة، لكن المشهد ما يزال هشا وقابلا للاشتعال في اي لحظة.
جذور الأزمة يتجاوز التنافس السياسي نحو صراع اعمق على اعادة هندسة مستقبل اليمن عبر بوابة النفط والقبائل. فحضرموت تتحكم بأهم حقول الإنتاج وموانئ التصدير، ما يجعلها مركز ثقل اقتصادي لا يمكن لأي طرف تجاهله. حلف القبائل يرى أن المحافظة تتعرض لمحاولة فرض نفوذ وافد، بينما اخفق الانتقالي في تقديم نموذج حكم مستقر في المحافظات الجنوبية رغم تمركزه العسكري. ومع ذلك، يصر على أن حضرموت جزء لا يتجزأ من مشروع الجنوب، وأن بسط نفوذه فيها مسألة وجودية، وهنا يشتبك المورد بالهوية، والقبيلة بالدولة.
امتد التوتر من محيط مناطق النفط الى الوادي والساحل والمدن، ومع كل تحشيد او تحرك عسكري بدا الوضع كمن يتحرك فوق صفيح يوشك على الانفجار. وبرز دور الخنبشي كوسيط قادر على مخاطبة القبائل واحتواء الانتقالي وفتح قناة اولية للحوار. هذه الخطوات اوقفت الاشتباكات مؤقتًا، لكنها لم تقترب من جذور الأزمة.
المرحلة المقبلة محكومة بثلاثة مسارات متناقضة، جميعها تدور حول من يملك حق رسم مستقبل المحافظة واليمن معها: المسار الأول: تثبيت التهدئة وتوسيع الوساطة بما يفصل ملف النفط والإدارة المحلية عن منطق القوة، وهو احتمال ممكن لكنه هش.
المسار الثاني: تصعيد محدود يفرض وقائع ميدانية جديدة قبل العودة الى تفاوض ينتج توازن نفوذ امنيا واقتصاديا.
المسار الثالث: انفجار واسع إذا تعطلت الوساطة او تدخلت اطراف خارجية لدفع حضرموت نحو مسار يخدم مشروعا لتفكيك اليمن وإعادة هندسة خريطته عبر النفوذ والقبائل. وهو السيناريو الأكثر خطورة لأنه يعيد انتاج خطاب الحرب بوجه قبلي وجهوي جديد.
وفي المقابل، تبرز طروحات تمنح حضرموت ادارة محلية موسعة او صيغة حكم ذاتي، وهو مطلب يلقى قبولا لدى قوى قبلية ومدنية تبحث عن ضمانات خارج صراع النفوذ وبدون اصطفاف.
غير أن اي مسار لن يتحول الى استقرار حقيقي ما لم يتجه الحلف والانتقالي الى حوار شفاف حول الإدارة والهوية والموارد ضمن اطار وطني جامع. ومن دونه ستظل التهدئة مجرد هدنة تسبق صراعا اكبر يُراد له أن يعيد تشكيل اليمن من بوابة حضرموت.
