زلزال بيانات وزراء الانتقالي وحزم البيان الرئاسي.. سيناريوهات محتملة فمن يضبط البوصلة مجددًا؟!
تقرير (الأول) المحرر السياسي:
شهدت العاصمة المؤقتة عدن تطوراً دراماتيكياً في المشهد السياسي اليمني، تمثل في صدور مواقف علنية من خمس وزارات حيوية تدعو إلى "إعلان دولة الجنوب"، وهو ما اعتبرته رئاسة الجمهورية تجاوزاً للخطوط الحمراء الدستورية، ويضع هذا الانقسام مجلس القيادة الرئاسي أمام أصعب اختباراته منذ تأسيسه، حيث تتصارع فيه رؤية الحفاظ على وحدة مؤسسات الدولة مع طموحات استعادة الدولة الجنوبية.
الرد الرئاسي.. التمسك بالشرعية الدستورية
جاء رد مكتب رئاسة الجمهورية حازماً وواضحاً، حيث استند في بيانه إلى المرجعيات القانونية الناظمة للمرحلة الانتقالية، ويمكن تلخيص الموقف الرئاسي في النقاط التالية:
1- المساءلة القانونية: شددت الرئاسة على أن التصريحات الصادرة عن الوزراء لا تندرج ضمن مهامهم الوظيفية وتعد "جسامة دستورية" تستوجب المسؤولية القانونية.
2- حماية المركز القانوني: أكد البيان أن مجلس القيادة الرئاسي هو السلطة الوحيدة المخولة برسم السياسات العليا، وأن أي خروج عن هذا الإطار يمس بالسلم الأهلي والتوافق الوطني.
3- الأولوية للمعركة الكبرى: دعا الرئيس رشاد العليمي إلى توحيد كافة الجهود نحو الهدف الاستراتيجي وهو "إسقاط الانقلاب الحوثي"، معتبراً أن الخلافات البينية تخدم المشروع الإيراني في المنطقة.
التكتل الوزاري الجنوبي.. واقعية سياسية أم تمرد إداري؟!
في المقابل، شكلت بيانات وزارات (الإعلام والثقافة، الشؤون الاجتماعية، الخدمة المدنية، المياه والبيئة، والزراعة والري) سابقة في العمل الحكومي. استند الوزراء في مواقفهم إلى:
1- الإرادة الشعبية: اعتبار مطالب استعادة دولة الجنوب استحقاقاً شعبياً لا يمكن تجاوزه.
2- الاستقرار المؤسسي: التأكيد على أن الوزارات تعمل بانتظام وتحت سيطرة كاملة، مما يعطي رسالة بجاهزية الكوادر الجنوبية لإدارة الدولة مستقبلاً.
3- الولاء المزدوج: برز بوضوح تقديم الولاء للمجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي كمرجعية سياسية فوقية للعمل الوزاري في عدن.
الفجوة بين (الدستور) و(الأمر الواقع)
تكمن جوهر الأزمة في تضارب المرجعيات؛ فبينما تتمسك الرئاسة بـ"إعلان نقل السلطة" و"اتفاق الرياض" كإطار ناظم للوحدة، ترى المكونات الجنوبية أن مشاركتها في الحكومة هي وسيلة لتثبيت حضورها على الأرض وصولاً لتقرير المصير.
استشراف السيناريوهات
بناءً على المعطيات الراهنة، يمكن قراءة مستقبل العلاقة بين الرئاسة ووزراء الانتقالي من خلال ثلاثة سيناريوهات محتملة:
1- سيناريو (الاحتواء الهش): وهو السيناريو الأرجح على المدى القريب، حيث يتدخل الأشقاء في "تحالف دعم الشرعية" (السعودية والإمارات) لتهدئة الأجواء وإعادة الطرفين إلى طاولة الحوار تحت مظلة "اتفاق الرياض"، وفي هذا السيناريو، قد يتراجع الوزراء عن إصدار بيانات "سياسية" بصفاتهم الرسمية، مقابل ضمانات بمشاركة أوسع للانتقالي في صناعة القرار الاستراتيجي.
2- سيناريو (الشلل الإداري والمقاطعة): أن تستمر الحكومة في العمل شكلياً، لكن مع غياب التنسيق الحقيقي بين الرئاسة والوزارات التي يقودها الانتقالي. هذا سيؤدي إلى تعطيل مصالح المواطنين وزيادة حدة الأزمات الخدمية، حيث ستتحول كل وزارة إلى "جزيرة معزولة" تعمل وفق أجندتها السياسية الخاصة، مما يفرغ الحكومة من معناها كـ "سلطة تنفيذية موحدة".
3- سيناريو (الانفجار السياسي): في حال أصر وزراء الانتقالي على مواقفهم المؤيدة للاستقلال من داخل الحكومة، وأصرت الرئاسة على "المساءلة القانونية" أو الإقالة، فقد نصل إلى لحظة "الطلاق السياسي"، وهذا السيناريو قد يدفع الانتقالي لسحب وزرائه رسمياً أو إعلان "الإدارة الذاتية" مجدداً، مما يعني انهيار صيغة التوافق الوطني والعودة إلى مربع الصفر.
صراع الشرعية والأمر الواقع
تتجلى في المشهد الراهن مواجهة صريحة بين منطقين للحكم؛ منطق "الدولة" الذي تتمسك به رئاسة الجمهورية، ومنطق "الثورة والميدان" الذي ينطلق منه وزراء المجلس الانتقالي.
مقاربة الرئاسة (الحزم القانوني): استند خطاب الرئاسة إلى ترسيخ مفهوم "وحدة القرار"، معتبرة أن الوظيفة العامة هي تكليف قانوني وليست منصة لتمرير مشاريع سياسية فئوية. هذا الحزم يهدف إلى طمأنة المجتمع الدولي بأن الشرعية اليمنية لا تزال تمسك بزمام المؤسسات، وأن أي محاولة لفرض واقع سياسي جديد من داخل الحكومة هي "خروج عن التوافق" يهدد الاعتراف الدولي بالدولة.
مقاربة الوزراء (فرض الأمر الواقع): في المقابل، تجاوزت لغة الوزراء الخطاب الإداري التقليدي إلى لغة "التمكين المؤسسي" لمشروع استقلال الجنوب. هذه التصريحات لم تكن مجرد آراء سياسية، بل كانت إعلاناً عملياً عن جاهزية المؤسسات (بكوادرها ومواردها) للتحول إلى نواة لدولة جنوبية في أي لحظة. يرى هؤلاء الوزراء أن وجودهم في عدن يمنحهم "شرعية الأرض"، وهي شرعية أقوى في نظرهم من التوافقات السياسية الهشة التي أفرزتها الضرورات الدولية.
وهذا التصادم يكشف عن وجود "حكومتين في جسد واحد"؛ حكومة تلتزم بالبروتوكول الدولي والمرجعيات الثلاث، وحكومة موازية تمارس مهامها على الأرض برؤية وطنية جنوبية صرفة. إن محاولة الرئاسة "كبح" هذا التوجه بالإجراءات الإدارية قد تصطدم بواقع أن مفاتيح الوزارات في عدن باتت تدين بالولاء للقيادة السياسية في المجلس الانتقالي، مما يجعل "لغة الحزم" الرئاسية أمام تحدي التنفيذ الفعلي على أرض الواقع.
آفاق الحل
إن الفجوة بين "حزم الرئاسي" و"اندفاع الوزراء" تشير إلى أن صيغة المشاركة الحالية وصلت إلى سقفها الأعلى. فإما أن ينجح مجلس القيادة في تحويل هذا التنوع إلى مصدر قوة عبر "اتفاق سياسي تكميلي" يحدد بوضوح سقف الطموحات لكل طرف، أو أن تتحول الوزارات إلى ساحات صراع تعطل ما تبقى من أجهزة الدولة.
