للحلوى ثمن وللأحلام قيمة.. الطفولة المفقودة يا أحمد بن مبارك فهل تجد لها مكان؟!
(الأول) كتب / حافظ مراد:
في زوايا شوارع مدننا الكبيرة، حيث تتلاطم أمواج الحياة بين الفقر والغنى، البساطة والتعقيد، الألم والأمل، اليأس والإصرار، وقصصًا إنسانية تلامس القلوب وتدعونا للتأمل.
إحدى هذه القصص التي حكاها شخص عن لقائه مع طفلة صغيرة تبيع الحلوى في شوارع وطنه، تلك الطفلة التي غلبها النعاس في معركتها اليومية للبقاء، لكنها سرعان ما استجمعت قواها عندما اقترب منها مشترٍ محتمل، مقدمة بضاعتها ببراءة: "عمو، اثنين بعشرة ريال."
ما يثير القلب والفكر في هذه الصورة، ليس فقط مظهر الطفلة المنهكة التي غلبها النعاس، وإنما اليقظة المفاجئة عندما اقترب منها المارة، وجاهزيتها للبيع حتى في حالة الإعياء الشديد، وهذا يظهر الروح القتالية للبقاء والعمل الذي يتغلغل حتى في أصغر أفراد مجتمعنا.
هذه الحادثة لا تعد مجرد موقف عابر، بل هي مرآة تعكس واقعًا مريرًا يعيشه العديد من الأطفال في مختلف أرجاء البلاد، أطفال يُجبرون على تحمل أعباء لا ينبغي لسنهم أن يعرفوها، متخلين عن طفولتهم قبل أوانها، بيعًا لأحلامهم بضعة قروش قد تساعد في إعالة أسرهم.
تذكير الراوي بمقولة نجيب محفوظ، عندما رأى طفلة تبيع الحلوى على إشارات المرور فبكى وقال ("الأطفال أحلامهم قطعة حلوى وهذا طفل يبيع أحلامه")، يضيف طبقة أخرى من العمق لهذا المشهد، فنجيب محفوظ، الذي استطاع بقلمه أن يرسم صورًا حية لمعاناة الإنسان في مواجهة قسوة الحياة، يجد في قصة هذه الطفلة صدى لما كان يسعى لتوصيله: البراءة في مواجهة القسوة، الأحلام في قبضة الواقع.
إن مشهد الطفلة التي تبيع الحلوى، وهي تكافح النعاس والتعب، هو دعوة للتفكير في قيمة العمل الطفولي والحاجة الماسة لحماية أحلام الأطفال، كما يجب أن يكون دور الأطفال في المجتمع هو التعلم واللعب واكتشاف العالم من حولهم بأمان وحرية، لا أن يكونوا في خضم الكفاح من أجل البقاء.
ينبغي علينا جميعًا أن نتساءل عن دورنا في دعم الأطفال والعائلات المحتاجة، وعن كيفية المساهمة في بناء مجتمع أكثر عدلاً يحمي أحلام الطفولة، كما يجب على المجتمعات والحكومات توفير الدعم الكافي للأسر المحتاجة وتعزيز الوصول إلى التعليم الجيد للجميع، لكي لا يجد الأطفال أنفسهم مضطرين لبيع "أحلامهم" في الشوارع.