في هذه الدولة الإفريقية.. حاول هتلر إنشاء وطن لليهود
فكرة نقل اليهود نحو القارة الإفريقية سجلت ظهورها ما بين أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين
(الأول) طه عبد الناصر رمضان:
ما بين أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20، سجلت أوروبا ظهور العديد من المقترحات لنقل اليهود المقيمين بالقارة العجوز وتحويلهم نحو مناطق أخرى بالقارة الإفريقية. واقتداء بما حصل مع السود الأميركيين الذين نقلوا نحو إفريقيا وأنشأوا دولة ليبيريا والعبيد المحررين الذين نقلتهم بريطانيا نحو سيراليون، دعت هذه المقترحات لإقامة وطن لليهود بالقارة الإفريقية.
وبكتابه المعروف بـ"الكتابات الألمانية" (Deutsche Schriften)، عرض المستشرق الألماني بول دو لاغارد (Paul de Lagarde) فكرة نقل اليهود نحو مدغشقر. ومطلع القرن العشرين، سجلت فكرة نقل يهود روسيا نحو مستعمرة شرق إفريقيا البريطانية، أي كينيا حاليا، ظهورها. وبعد فترة وجيزة، أجهضت هذه الفكرة عقب تصنيفها بالخيالية من قبل المؤتمر الصهيوني.
فكرة نقل اليهود لإفريقيا
خلال ثلاثينيات القرن الماضي، سجلت خطة نقل يهود أوروبا نحو مدغشقر ظهورها من جديد. فبتلك الفترة، تحدثت بولندا عن إمكانية نقل ملايين اليهود نحو هذه الجزيرة الواقعة بالجنوب الشرقي لإفريقيا. وبشكل سريع، تم التخلي عن هذه الفكرة. فعقب دراسات أجريت على المنطقة، تحدث البولنديون عن بنية تحتية رديئة ومنطقة قادرة على احتضان بضعة آلاف فقط من العائلات اليهودية.
مع صعود النازيين وحصول أدولف هتلر على زمام الأمور بألمانيا، غادر العديد من اليهود الأراضي الألمانية نحو مناطق مختلفة من العالم. إلى ذلك، فشلت سياسة الترهيب النازية في تحقيق أهدافها حيث فضّل القسم الأكبر من اليهود البقاء بألمانيا وتحمل المعاملة الرديئة التي وفرها لهم النازيون. وأمام هذا الوضع، عادت فكرة إرسال اليهود لمدغشقر للواجهة مرة أخرى وتحولت لمشروع رسمي عام 1940.
وطن بمدغشقر
مطلع حزيران/يونيو 1940، عرض الدبلوماسي والمسؤول بوزارة الخارجية الألمانية فرانز راديماخر (Franz Rademacher) فكرة نقل يهود أوروبا لمدغشقر التي مثلت حينها مستعمرة فرنسية بجنوب شرقي إفريقيا. وقد جاء اقتراح راديماخر حينها قبل فترة وجيزة من سقوط فرنسا بقبضة الألمان الذين لم يترددوا في عبور غابات الأردين (Ardennes) ودخول الأراضي الفرنسية في خضم الحرب العالمية الثانية.
وبدعم من أدولف هتلر، أصدر المسؤول بفرق الأس أس (SS) أدولف آيخمان (Adolf Eichmann) منتصف آب/أغسطس 1940 تقريرا (Madagaskar Projekt) أكد من خلاله على إمكانية نقل مليون يهودي سنويا، على متن حوالي 120 سفينة تجارية، نحو مدغشقر على مدار 4 سنوات. من جهة ثانية، تحدث آيخمان على ضرورة تحويل مدغشقر لدولة حليفة للألمان وإرساء نظام أمني مشدد بها بقيادة فرق الأس أس لمراقبة اليهود وتحركاتهم. وبتقاريره، أكد آيخمان أن النسبة الأكبر من هؤلاء اليهود سيموتون بالسنوات القليلة التالية بسبب الظروف القاسية بجزيرة مدغشقر. وإضافة لتنصيب حاكم عام ألماني تابع للأس أس، حث آيخمان على إنشاء بنك أوروبي بمدغشقر لمراقبة ثروات اليهود وإنهاء مشاركتهم بالإقتصاد العالمي.
بسبب المعارك البحرية بالمحيط الأطلسي والحصار البحري البريطاني، وصف الألمان مشروع مدغشقر بغير الواضح. ومع خسارتها لمعركة بريطانيا ما بين شهري آب/أغسطس وتشرين الأول/أكتوبر 1940، قررت الإدارة الألمانية تأجيل مشروع مدغشقر. وبحلول العام 1942، تخلى الألمان نهائيا عن فكرة إنشاء وطن لليهود بجزيرة مدغشقر عقب إقرار برنامج الحل النهائي لمسألة اليهود بأوروبا.