راعي لي باجي لك.. وسامحني أخرتك
(عبدالله حسن) حدث انفتاح عظيم سنة 1992م في عدن.. لكنها سددت ثمنه بعد ذلك اضعافاً مضاعفة، ومازال التسديد جارياً..نجلس قدام فندق ومطعم البحر الاحمر امام مقر حزبنا التجمع الوحدوي كعادتنا اليومية التي تبدأ ما بين العصر والمغرب وتمتد الى نهايات الليل.. ويأتي عبدالله حسن، الطف واظرف جلساء سمرنا، نسمع دقات مشيته وهو قادم حاملاً باكورته التي يدق بطرفها الذي ينتهي بحديدة مربعة علئ ايقاع خطواته.. نفرح بمجيئه.. ونهتف كلما وصل وبصوت واحد:عبدالله حسن وصل.. خلي منه وسل.. فيرد : راعي لي بااجي لك، سامحني اخرتك.. ونضحك من القلب في بهجة وصفاء.. عبدالله مهندس سيارات قديم في ورشة البلدية P. W. D. كان يعالج سيارة وهو تحتها، فاختلت رافعة السيارة، الدنقلاص، ونزلت السيارة فوقه واصابته، وعميت واحدة من عيونه.. قامت نقابات العمال في الستينات المبكرة بارساله للعلاج في مصر على حساب اتحاد نقابات العمال العرب العضو في نقابات العمال العالمية، وخضع هناك لجراحة عاجلة.. لكن نظر تلك العين كان قد انطفأ.. عبدالله حسن يحب الاكل كثيراً،امتع شيء في دنياه كان الاكل.. امتع من كل ماعداه عنده.. قال: مرة برمضان شليت معي فهمي للفطار في مسجد الاهدل حيث تقدم لنا كل يوم وجبة افطار ممتازة.. خزا بي فهمي هذا.. واحد هور ، ما يتفارعش قدام الاكل.. امانة الله يمسك الحبة السمبوسة ويدخلها في فمه تقول الا حبة تمبل. !!
في مصر بعد علاجه سكن في نيتوكريس بشارع فؤاد، طلب بيض مسلوق وسميط، كان يحب البيض فأكل 9 حبات مع السميط بالحوائج.. وقالت له بطنه فين يوجعك .. صرخ من شدة اوجاع عسر الهضم فنقلته الاسعاف الى المستشفي، البيض المصري مافيش احسن منه الا الدجاج كما قال وعملوا له غسيل معدة فوراً : انت اتجننت بابتاع عدن انت؟ تأكل تسع بيضات حتة واحدة؟؟ قال له الطبيب.. ارحم نفسك ياراجل.
في الانفتاح الكبير الذي دخل عدن فجأة افتتحت الكثير من المطاعم على رأسها مطعم ريم السياحي، والكثير غيره،والمخابز والفنادق، والملاهي، والبارات، والكثير جداً من البقالات والسوبر ماركت.. وقدام مطعم ريم حيث تقع سكة المطاعم الشعبية بجانب سينما هريكن فتح طباخ كبير قدم من أب، اللواء الاخضر، وافتتح لاول مرة مطعم للسلتة واللحم الممروق والفحسة، والرغيف كان من فرن فتحه ملازم في الامن اسمه كامل، رغيف ابيض واسمر وكذلك كدم للراغبين.. قدم عبدالله حسن نفسه للابي صاحب المطعم ليعمل عنده كمباشر مقابل وجبات طعام يأكلها.. قبل صاحب المطعم بترحاب.. قال : ايش على اكل ياجماعة، بااعزمكم يوم وباتحكموا بنفسكم. !! قلنا له : لا تزاولش على عمرك بيرجع يكردك الابي.. ومع ذلك جربنا الطعام هناك، وفعلاً كان فريداً..ورخيص الثمن.
دلني عبدالله على اعرق بيت عدني يبيعون عشار الليم بحوايجه.. في نهاية للشارع حيث يقع حوش الجفري.. اخذت قارورتين عشار، واحدة لي والاخرى لعبدالله، وناولتها وانا اقول له : خذ، انها فاتحة للشهية. !! ابتسم وقال : الشهية مفتوحة دائماً..واكثر من كذا باارجع ااكلك. !!
من بين بارات وملاهي ذلك الانفتاح كان الاشهر في صيرة واحد يسمى الشدروان، وثان اسمه ليالي دبي، وافراح صيرة، وغيره وغيره.. وفي خورمكسر اكثر من مكان وايضاً التواهي كلها.. وفي المعلا حافة الريل كلها.. ووصل الانفتاح الى المنصورة والشيخ ونواحيهما حتى غطى كل الخبوت المجاورة.. كانت الدنيا ديس الى الآخر.
تعاون الاخ ياسين ابوبكر، مسؤول الخدمة والمعاشات في جدولة معاش عبدالله حسن.. ودفعت له قيمة المعاش نقداً بالكامل في مبلغ محترم لم يحلم بمثله طوال حياته.. كانوا وقتها يشترون سنوات الخدمة من الموظفين والعمال بمبالغ نقدية بدلاً من التقسيط طويل الاجل.. وكأنه غير مصدق وضع الفلوس في جيبه واشترى صندوقاً حديدياً صغيراً ليضع فيه الفلوس خوفاً من ان تأكلها الفئران التي تترندع في بيته وتشاركه السكن مع القطط. !!
وفي يوم بهيج قال : انت وفيصل اليوم معزومين عندي، الفلوس كثير وخير الله باسط.. حجزت 3 برم لحم من عند ريم، بس قبل كذا بانروح الشدروان منشان يحلى الاكل. !! نصحناه بعدم التهور.. فلم ينتصح، واعتذرنا عن العزومة فما كان منه الا ان جاب تكسي انجيز.. وواصل محايلتنا، وواصلنا الاعتذار، فانطلق وحده الى ملهى الشدروان حيث امضى السهرة ورجع وبيده قارورة، قرب منتصف الليل، وخلفه صبي الخدمة الويتري من ريم حاملاً برم اللحم الثلاث.. وواصل المحايلة، وواصلنا الاعتذر. !! فرجع باحماله الى بيته.. وعرفنا في اليوم التالي انه شرب، واكل وحده برمات اللحم الثلاث.. ونام الى مساء اليوم التالي.. وقام من نومه على اوجاع الجسم التي اضطرته الى دخول مستشفى عدن، وهناك قام الدكتور احمد الخينة، مدير المستشفى بواجب علاجه وانزاله المستشفى حتى يكتمل علاجه. !! تلك كانت نقمة فلوس المعاش التي اندلقت فجأة وبغير انتظار بين يديه..
الله عليك يا عبدالله حسن، راعي لي بااجي لك.. وسامحني أخرتك.