البحث العلمي، أنواعه وطريقة كتابته
مسعود عمشوش
البحث العلمي نشاط يهدف إلى الابتكار وإضافة معارف جديدة أو تطوير المعارف الموجودة، والقيام بما لم يتم القيام به بعد، وطرح الأسئلة التي لا توجد إجابات لها بعد، وذلك بواسطة أدوات منهجية صارمة.
وعادة تُصنّف البحوث العلمية إلى عدة أنواع، وفقا لأهدافها وطبيعتها أو لحجمها. وقد تصنف البحوث بناءً على ما توفره من معرفة علمية في الحقل الذي تُجرَى فيه. وتُصنَّف البحوث كذلك وفقا لطبيعة وعمق البيانات المجمعة؛ هل هي نتاج عمل مكتبي، أم تنظير فكري، أو تطبيقي، معملي أو ميداني؟ ويضم هذا التصنيف ثلاثة أنواع من البحوث العلمية: البحوث التنظيرية والبحوث المكتبية، والبحوث التطبيقية التي تنقسم إلى ثلاثة أنواع: بحوث ميدانية وبحوث تحليلية وبحوث معملية.
وبالإضافة إلى التصنيفات السابقة للبحوث العلمية يمكن رصد تصنيف آخر يعتمد على نوعيّة الباحثين ومستواهم، ومستوى البحوث المقدمة، ودوافع إجراء البحث؛ وبناءً عليه يمكن تقسيم البحوث العلمية إلى: أ- بحوث منتسبي مراكز الأبحاث العلمية وأساتذة الجامعات التي يقوم بإجرائها أساتذة الجامعات أثناء تأدية عملهم الأكاديمي، إذْ تشترط الجامعات والمؤسسات الأكاديمية العلمية على منتسبيها إنجاز عدد من البحوث العلمية خلال سنوات معيّنة للترقية والحصول على درجة علمية. ويمكن أن يقوم الأساتذة ببحوث ليس لها علاقة بالترقيات الجامعية، ويقومون بنشرها في المجلات العلمية المحكمة أو في المؤتمرات العلمية أو لصالح المراكز والمؤسسات والهيئات العلمية المتخصصة.
وفي ظل ارتفاع عدد الجامعات والمراكز البحثية ارتفع عدد المجلات والدوريات المتخصصة في نشر البحوث العلمية الموسومة بـ(المحكمة)، التي يكون الهدف منها في الغالب الحصول على الدرجات العلمية، بغض النظر عن صحة الإضافة العلمية التي تتضمنها تلك البحوث. ونتيجةً لذلك أنشأت بعض المؤسسات معايير لمراقبة جودة الأبحاث العلمية، لكن تبيّن أنّه من الصعب إخضاع كل ما ينشره الأساتذة من بحوث للمراقبة، لا سيما في ظل ما نشهده اليوم من تدني كبير في مستوى أخلاقيات البحث العلمي.
وهناك البحوث الطلابية -بمختلف مسمياتها ومناهج إجرائها- التي سنركز هنا على طريقة كتابتها فقط. فمن المعلوم أن الطالب يُكلَّف طوال حياته الجامعية بكتابة عدد من المقالات والبحوث حول موضوعات مختلفة. ومن المؤسف أنَّ معظم جامعاتنا لا تحرص على إدخال مادة البحث العلمي لطلبتها إلا في السنة الأخيرة من البكالوريوس، حيث تقرر على الطلبة مادة مناهج البحث العلمي ويكلف الطلبة في الفصل الأخير من دراستهم بإعداد بحث التخرج. أما في الجامعات الغربية فمادة البحث العملي تُقرَّر في المستوى الأول مع مادة التعبير والتفكير المنهجي، ويتم، من المستوى الأول، تدريب الطلبة على كتابة المقالات والبحوث والملخصات والتقارير بأنواعها، ويتدربون كذلك على ما درسوه في مادة مناهج التعبير والتفكير المنهجي. وهناك مئات من الكتب المكرسة لإرشاد الطلبة لكيفية كتابة مختلف أنواع الكتابات الأكاديمية التي يتمرن عليها الطالب بشكل منتظم طوال فترة دراسته الجامعية.
بحوث طلابية في المرحلة الجامعية الاولى:
من مهام التعليم الجامعي تدريب الطالب على ممارسة البحث العلمي وتوثيقه كتابيا. وتوثيق البحث الحث العلمي يدخل في إطار الكتابة الوظيفية. ويكمن الهدف من إلزام الطلبة بإعداد البحوث العلمية في دفعهم إلى تحري الحقيقة وتمحيص وتعميق ما يقدمه لهم مدرسوهم من معارف في مجال تخصصهم، أو استكمال بعضها، وكذلك تدريبهم على التعامل مع المكتبة والاستقصاء الميداني، والتعلم الذاتي بشكل عام.
ويقوم طلاب المرحلة الجامعية الأولى في مختلف التخصصات العلمية بإنجاز تكليفات أو أوراق بحثية متنوعة تهدف إلى تعلم طريقة جمع المعلومات والمعارف من مصادر مختلفة، والتنظيم والتوثيق، وكذلك ممارسة القراءة الناقدة والمناقشة والترجيح بين الآراء، وإبدا الراي وإصدار الحكم واستخدام أسلوبهم الخاص في الكتابة.
وإضافة إلى الأوراق البحثية يمكن أن يطلب المدرس من الطالب إعداد تقارير علمية تهدف إلى إكساب الطالب مهارة الربط بين الدراسة النظرية وجوانبها التطبيقية، المعملية أو الميدانية، ويشمل ذلك التطبيق في المستشفيات والزيارات العلمية إلى مواقع لها علاقة بالدراسة النظرية، كزيارات طلاب أقسام الآثار والإعلام أو أقسام الخدمة الاجتماعية أو الجغرافيا، أو التربية أو طلاب الكليات الطبية أو الزراعية أو الهندسية للمؤسسات والمواقع والأماكن التي لها علاقة بدراستهم وتخصصاتهم العلمية. ويتولى الأستاذ مهمة تقييم بحوث الطلبة وتكاليفهم، ويخصص لها نسبة كبيرة من درجة أعمال الفصل.
وهناك بحوث التخرج، فعندما يصل الطالب إلى السنة النهائية أو الفصل الأخير من دراسته الجامعية يكلفه قسمه العلمي بإعداد بحث أو مشروع تخرج، إما بمفرده أو مع زميل له، وعادةً ما تكون هذه البحوث ذات طابع إجرائي تطبيقي. وتحسب كمساق دراسي تبرز درجته في بيان درجات الطالب.
وفي مرحلة الدراسات العليا ينجز الطلبة بحوثا مختلفة؛ ففي مرحلة الدبلوم أو المرحلة التمهيدية، التي تسبق انخراطهم في إعداد رسالة الماجستير أو أطروحة الدكتوراه يقوم الطلاب، بناءً على توجيهات أساتذتهم، بإجراء عددٍ من البحوث في إطار كل مساق أو سيمينار (حلقة نقاش). وتلزم بعض الجامعات طلبة الماجستيير والدكتوراه بنشر بحث أو بحثين في مجلات محكمة قبل إنهاء البرنامج، وذلك كجانب تطبيقي وتدريبي للمواد التي يقومون بدراستها، ويعد ذلك أحد معايير التقييم العلمي للطلاب وتدريبهم، ويسهم في صقل قدراتهم ومهاراته المنهجية والبحثية. وتعد هذه البحوث في غاية في الأهمية، إذ أنها تعرف الطالب على أساسيات البحث العلمي ومناهجه وأدواته وحقوله، وإعداده منهجيا وعلميا لإنجاز الرسالة أو الأطروحة.
ورسالة الماجستير بحث موسع لموضوع محدد بدقة، لم تسبق دراسته ويقع في إطار تخصص الطالب، ويسهم في تحقيق التنمية والتطور العلمي والاقتصادي للبلاد. وتتكشف في هذا البحث إمكانيات الباحث العلمية في الرصد والعرض والتحليل والتفسير والصياغة، والوصول إلى نتائج علمية محددة، أما إعداد رسالة الماجستير نفسها فيخضع لمعايير وقرارات رسمية، ويكلف أستاذ يحمل لقبا علميا رفيعا بالإشراف على الطالب وتتم مناقشة رسالة الماجستير بصورة علنية وذلك وفقا للتقاليد المتبعة في كل جامعة، ويحصل الطالب بعدها في حال إجازتها من اللجنة العلمية المكلفة بمناقشتها على درجة الاجازة العالية (الماجستير) في تخصصه .
ويسمح لعدد محدود من الطلبة المتميزين في دراسات الماجستير البحثية بالالتحاق بمرحلة الدكتوراه، وذلك للقيام بأبحاث نوعية معمقة تهدف إلى تحقيق إضافات علمية فعلية في تخصصاتهم، وذلك بعد موافقة المجلس العلمي والمؤسسة التي يدرس بها الطالب، حيث يتم إصدار قرار من المؤسسة العلمية بتحديد عنوان الدراسة وتكليف أحد أعضاء هيئة التدريس ممن لا تقل درجته العلمية عن أستاذ مشارك للإشراف على الطالب. وتشترط بعض الجامعات على طالب الدكتوراه استنهاج عدد من المساقات خلال فصلين دراسيين على الأقل، واجتياز امتحان شامل، وذلك قبل تقديم مشروع بحثه وتسجيل عنوان الأطروحة.
وكما ذكرنا، يدخل توثيق البحوث العملية بمختلف أنواعها ضمن الكتابة الوظيفية. وتقسم عملية كتابة البحث العملي إلى ثلاث مراحل:
في المرحلة الأولى نقوم بكتابة مسودة البحث من خلال نقل منظم ومرتب لمحتوى البطاقات التي قمنا بتجميع معلومات البحث فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار الخطة الأولية التي وضعناها للبحث. وخلال هذه المرحلة نضع الهوامش والملاحظات داخل أقواس في النص نفسه. ونشير إلى أي نقص أو معلومة بحاجة للمراجعة أو الإضافة. وعلينا ألا ننسى وضع إشارة معينة في كل بطاقة انتهينا من تفريغها.
وفي المرحلة الثانية نقوم بكتابة أ- خاتمة البحث أو نتائجه في ضوء ما كتبناه في المسودة ب- نقل كل الهوامش مع ترقيمها ووضعها بعد الخاتمة. ج- نقل كل أسماء المصادر والمراجع مع مراعاة الطرق المنهجية في ترتيبها. د- إعادة كتابة افتتاحية البحث والتمهيد وإدخال التعديلات التي تفترضها مسودة البحث.
وفي المرحلة الثالثة نقوم بتببيض البحث، من خلال كتابته بخط جميل أو طباعته، وتضمينه الصور والجداول التوضيحية إن وجدت. وفي الحالتين نسعى إلى استخدام أسلوب علمي خال من الأخطاء الإملائية والنحوية. ونقوم بمراجعة المبيضة مرتين أو ثلاث مرات. ويمكن عرض المبيضة على صديق، ففي الغالب يصعب أن نكتشف بأنفسنا كل أخطائنا الإملائية والطباعية.