الهرولة إلى المجهول..تهاوي الاقتصاد وارتفاع الأسعار (ضربتان في الصميم)!
هل تملك السلطة اليمنية الجرأة لفتح نقاش حول الصلاحيات والفاعلية؟.. كيف يمكن العمل على إصلاح الاقتصاد؟.. انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين بفعل ضعف المرتبات وارتفاع الأسعار إلى متى؟!..متى تنضج شروط القوى السياسية اليمنية وكيف؟
(الأول) تقرير/ صالح المحوري:
في مدينة عدن العاصمة اليمنية المؤقتة، يعاني الآلآف من السكان بشكل مضاعف لتأمين المواد الغذائية الرئيسية في الوقت الذي تسجل فيه أسعار السلع إرتفاع بشكل شبه يومي إثر إستمرار تراجع أسعار صرف العملة المحلية وغياب الإجراءات الرقابية من السلطات المختصة في المحافظات المحررة.
ومع مضي قرابة التسعة أعوام على تحرير المدينة الساحلية التي أعلنت عاصمة للبلاد مطلع العام 2015، لكن مظاهر الحياة والأوضاع المعيشية المتردية تكشف كيف أن المدينة لم تنعم بمرحلة مابعد التحرير على النحو الذي كانت تأمله.
والآن بعد مرور عامين على نقل صلاحيات السلطة الشرعية لمجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي، لم تظهر في الأفق أي مساعي جادة وحقيقية لإطلاق إصلاحات في الملف الإقتصادي وضبط أسواق الصرف وهو الأمر الذي أنعكس بشكل سلبي على المواطنين من موظفي ومتقاعدي الجهازين المدني والعسكري إذ لاتغطي مرتباتهم في الغالب المصاريف الشهرية.
تحضر الأزمات وتغيب المعالجات
مجلس القيادة الرئاسي منذ توليه قيادة البلاد في إبريل من العام 2022، لم ينجح في إحداث أي إختراق في ملف الإقتصاد، إذ أن أغلب إجراءاته لم تقترب من جذور المشاكل الإقتصادية الناتجة عن توقف التصدير النفطي وتوقف المنشئات النفطية عن العمل إضافة إلى عدم تمكن السلطة من إحراز أي تقدم فيما يخص إعادة تشغيل مصافي عدن ومنشأة بالحاف الغازية.
هاتين المنشائتين تشغيلهما كان سيعود بالملايين على خزينة الدولة من عوائد تصدير النفط والغاز وفي الوقت ذاته سيوقف نزيف الأموال التي تغطي مصاريف تكرير الوقود.
ضعف سلطة مجلس القيادة الرئاسي وهشاشة دوره وعدم إمتلاكه الجرأة لخوض نقاش واسع مع التحالف بشأن منحه المزيد من الصلاحيات والسلطة الفعلية على المنشئات الإيرادية أضر كثيرًا هذا المجلس وبالتالي تبقى أي خطوات أقل من تلك معالجات سطحية لا تحل المشكلة بقدر ما تُضاعفها.
ليس ببعيد الحكومة وهي السلطة التنفيذية، هي الأخرى لم تراوح وضعها الذي كانت عليه إبان سلطة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، على أن إدارتها للملف الإقتصادي خلال الفترة الماضية إزداد سوءًا وهذا يتضح من خلال إستمرار تدهور العملة المحلية وعدم تنفيذها أي معالجات أو حلول لوقف تدهور الإقتصاد وفق الإمكانيات المتاحة لديها والدعم المتوفر.
البنك المركزي اليمني، يقوم بمحاولات يمكن وصفها بالخجولة، إذ أن المزادات التي يطلقها لغرض سحب العملة المحلية من السوق وإعطاء التجار عملة أجنبية
بهدف إستقرار سعر الصرف لاتحقق النتائج المطلوبة، إضافة إلى أن بعض القرارات السابقة أبرزها تعويم العملة أفقد البنك السيطرة على السوق ونقل السيطرة إلى الصرافين.
إلى جانب أن إدارات البنك المركزي اليمني مُنذ العام 2015، لم تملك خطة إقتصادية مُحكمة تراعي الأوضاع السياسية وتمنع إنهيار العملة المحلية، في حين أن أغلب المرافق الإيرادية في عدن والمحافظات المجاورة لا تُورد إلى البنك المركزي اليمني ماعدا بعض المرافق المحدودة.
القوى السياسية الفاعلة في المحافظات المحررة، وهي المشاركة في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة تتحمل هي الأخرى مسؤولية كبرى عن وصول الأوضاع لما هي عليه الآن، فهذه السلطات بحاجة للتوضيح بشأن الإيرادات التي تسيطر عليها وبشأن الدور المساعد الذي يجب أن تقدمه لإنجاح أي مساعي رقابية أو تنفيذية بحكم نفوذها في بعض المحافظات والمناطق.
غلاء الأسعار.. ضربة قوية لإقتصاد المواطن
في حين تفقد السلطات العليا والتنفيذية والقوى السياسية القدرة على الإصلاح، فإن المكاتب الوزارية المعنية بإرتفاع الأسعار لن تقدم شيئًا جديدًا، وفي الوقت الذي يغيب فيه التنسيق بين مكتب الصناعة والتجارة في مدينة عدن، مع قوات الأمن لتعزيز الرقابة على متاجر المواد الغذائية فإن دور هذه الجهات في هذا الجانب يغلب عليه عدم الإنتظام لأنه لاتوجد خطة منتظمة ومستمرة لمراقبة الأسعار من قبل وزارة التجارة والصناعة.
هذا التراجع المخيف في أداء السلطات المعنية وغياب مشاريع الحل أو في الحد الأدنى خطوات حلحلة بعض المشاكل وإنشغال القوى بتعزيز نفوذها وإهمال الملف الإنساني وجه ضربة قوية للوضع المعيشي لسكان المحافظات المحررة، إذ لم يعد بمقدور هؤلاء الناس تأمين الحد المتوسط وفي عديد من المرات الحد الأدنى من الإحتياجات الضرورية لمن يعيلون.
يعتمد الناس في المحافظات الجنوبية واليمنية بشكل عام على "الدقيق والأرز" وهما مادتين ضروريتين في أغلب الوجبات اليومية ومن المؤسف أن هاتين المادتين أصبحتا من أغلى السلع بأسعار تتجاوز وتصل إلى حدود الأربعين ألف ريال للدقيق والثمانين ألف ريال للأرز للعبوة حجم 50 و40 كيلو.
فعليًا أحد هذه المبالغ يساوي مرتب متقاعد مدني والآخر يقترب من مرتب معلم تربوي، وهو أمر إذ يعكس فداحة الوضع الإقتصادي فهو يضيء على جزئية مهمة تتعلق بتدني مرتبات موظفي الدولة وعدم تغطيتها للمتطلبات الضرورية وبالتالي فإنه يجب بالضرورة أولاً إصلاح الوضع الإقتصادي كأولوية ومن بعدها معالجة ملف مرتبات موظفي الدولة وتعديله وفق الأوضاع الحالية.
إرتفاع أسعار المواد الغذائية أصبح يرتبط بشكل مباشر بالعملات الأجنبية التي أصبحت معيار مالي يتم بواسطته تحديد أسعار السلع ومواد البناء والعقارات بفعل إنهيار سعر العملة المحلية المتواصل، في الوقت الذي أنخفضت فيه القدرة الشرائية لدى السواد الأعظم من المواطنين، إضافة إلى عدم إلتزام التجار بالتعميمات الرسمية الخاصة بالأسعار على المواد الغذائية التي ترتفع أسعارها نتيجة هذه الأسباب.
ويضع التجار ورجال الأعمال لاسيما تجار المواد الغذائية ومواد البناء عدم إستقرار صرف العملة المحلية مُبرر لبيعهم بالأسعار السابقة، لكن في ذات الوقت يصرون على عدم خفض الأسعار حتى في فترات تحسن العملة المحلية.
ومن جانب آخر، يرفع التجار الأسعار لتعويض الضرر الذي يلحقهم من نقاط الجبايات في محافظات عدن ولحج وأبين، إضافة إلى المبالغ التي تُدفع لأمن ميناء عدن والجمارك عند وصول البضائع إلى جانب قيمة الوقود الذي تستهلكه الشاحنات التي تنقل البضائع التابعة لها، غير أن التجار يستغلون في الأساس غياب الرقابة من قبل السلطات ويستفيدون من تقاطع المصالح مع بعض الجهات والقوى الأمنية.
هل تنضج الشروط؟
لايمكن الحديث عن تحسين الإقتصاد الوطني، ما لم تملك السلطات العليا والتنفيذية والقوى السياسية الحية القدرة على وضع خطة جدية لإصلاح الإقتصاد تبدأ بتمكين السلطات من الإيرادات وتفعيل دور الرقابة على الأموال والخزينة العامة والعمل على خطة تقشفية لوقف كافة مخصصات السفر والإبتعاث وصرف مرتبات جميع قادة البلاد من رئيس المجلس الرئاسي مرور بالوزراء والوكلاء بالعملة المحلية.
هذه الخطوات ليست سهلة ولكنها ليست صعبة في الوقت نفسه، وعندما تنضج الشروط لدى القوى السياسية من الممكن رؤية تحسن في المواقف والأفعال بناءً على المصلحة العامة لا الخاصة، لأن نسبة كبيرة من فشل الحكومات والقوى السياسية يعود إلى إنفصالها عن الناس، وتركيزها على تقوية الدائرة الضيقة المحيطة وهو ما أنتج مشاريع ضيقة قصيرة.
أي مساعي تُعلن دون أن تصل إلى مستوى التنفيذ تعتبر محاولة مستمرة لإستغفال الشعب في وقت يجب أن تلتزم السلطات بمسؤولياتها أمام الشعب أو تنسحب لتعطي الفرصة لغيرها، إما جلب المبررات والأعذار للتنصل من مهامها بقدر ما يشكل الآن وسيلة للتهرب فإنه يضع هذه السلطات والقوى في مواجهة مباشرة أمام المواطن الذي سحقته آثار الحرب أكثر مما سحقته الحرب نفسها.