المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية ينظم ندوة حول "الوضع التعليمي في اليمن في ظل الأزمات والحروب"

المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية ينظم ندوة حول "الوضع التعليمي في اليمن في ظل الأزمات والحروب"

القاهرة/ تقرير خاص:

ضمن سلسلة الندوات التي يقيمها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، أقام المركز يوم الخميس 27 يونيو 2024، ندوة تحت عنوان: "الوضع التعليمي في اليمن في ظل الأزمات والحروب"، وكانت أولى الأوراق الملقاة من طرف البوفيسور حميد العواضي، استاذ اللسانيات والدراسات الثقافية- جامعة بيتسبرغ بولاية بنسيلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان عنوان ورقته "اثر الحرب على جودة التعليم العالي من وجهة نظر اعضاء هيئة التدريس". في البداية ميز البروفيسور العواضي بين مصطلحي الحرب والنزاع عند الحديث عن ما يجري في اليمن، فالنزاع من وجهة نظره هو حركة عدم استقرار دائمة ظلت ترافق الحالة اليمنية لفترات طويلة أما الحرب فهي تلك التي أعلن فيها الحرب على اليمن في 2015 وتدخلت فيها قوات خارجية وهي التي استمرت للعام 2022 أما الوقت الراهن فهي حالة اللا حرب واللا سلم، وأكد البروفيسور العواضي أن تركيز ورقته سيكون على مرحلة الحرب، لأن النزاع خاصية دائمة في حياة اليمنيين. وتحدث عن ثلاث نقاط أساسية، الأولى قدم فيها بعض المؤشرات التنموية عن وضع اليمن الراهن، والثانية أهم مظاهر تدهور الجودة في التعليم العالي، والثالثة آفاق بناء الجودة في التعليم العالي.

   بالنسبة إلى مؤشر التنمية البشرية يشير البوفيسور العواضي إلى أن اليمن في عام 2015 كانت في المرتبة رقم 153 وفي عام 2020 صارت اليمن في المرتبة 179 أي أن اليمن الآن تقريباً في المرتبة 180 أي تراجعت تقريباً بمقدار30 دولة إلى الوراء، أما في مؤشر المعرفة ففي العام 2021 احتلت اليمن المرتبة 150 من 154 دولة يعني نحن قبل الأخير بأربع درجات، أما في مؤشر الفساد كانت اليمن عام 2012 في المرتبة 164 من 182 دولة وهذا معناه أن مؤشر الفساد عالي، وفي عام 2021 أصبح ترتيب اليمن 174 يعني تأخرنا عشرة مراتب أخرى وفي هذا استشراء لظاهرة الفساد.

  ويؤكد البوفيسور العواضي أن هذه المؤشرات هامة لأنها تقيس قطاع التعليم العالي الذي لا يمكن فصله عن مؤشرات التنمية والحالة التي تعيشها اليمن، والحرب في الواقع آثرت على اليمن وأدت إلى تراجع مؤشر التنمية لما يزيد عن 25 سنة إلى الوراء.

   أما بالنسبة لمظاهر تدهور جودة التعليم العالي، فيؤكد البروفيسور العواضي أنه حصرها في هذه الورقة من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس، لأن جودة التعليم العالي لا تنحصر فقط من وجهة نظر أعضاء هيئة التدريس بل أيضاً تقاس ومن وجهة نظر الطلاب، الإداريين، المانحين، المجتمع الذي يخدمه التعليم إلى غير ذلك، ويذكر أنه أخذ فئة أعضاء هيئة التدريس وسألهم بعض الأسئلة وأجابوا بالتالي:

 أولاً: تهديد حياة أعضاء هيئة التدريس بالقتل، الإختفاء القسري، الملاحقات..

ثانياً: انقطاع مصادر الدخل من الرواتب، المكافآت، المنح والمساعدات..

ثالثاً: الفساد في التوظيف، في منح الشهادات والألقاب العلمية...

رابعاً: نقص الكفاءات بسبب الهجرة، النزوح، الانزواء، الغياب، التقاعد المبكر...

خامساً: تدهور البحث العلمي بسبب غياب الفرق البحثية، انعدام التمويل وانعدام المشاركات الداخلية والخارجية..

سادساً: تدهور البنية التحتية من مكتبات، معامل، مختبرات، قاعات وتجهيزات..

   أما بالنسبة لآفاق بناء الجودة في التعليم العالي، فحسب الاستبيان الذي قدمه البوفيسور حميد العواضي لأعضاء هيئة التدريس تم الإجماع على التالي:

أولاً: استتباب السلام في جميع أرجاء اليمن.

ثانياً: إعادة رسم خريطة التعليم العالي الحكومي والأهلي بما يوافق المواصفات العالمية.

ثالثاً: انخراط الإقليم في دعم التعليم العالي في اليمن ( دعم مباشر وتعاون جامعي..).

رابعاً: دور المجتمع الدولي في دعم التعليم العالي ( المنح، الخبرات، التعاون العلمي..).

خامساً: استعادة الكفاءات اليمنية واستقطابها لخدمة التعليم العالي.

   أما المستشارة عائشة العولقي، المديرة السابقة للمركز الثقافي اليمني بالقاهرة، فقد تطرقت في ورقتها المعنونة بـــ "البنية التحتية للتعليم العالي والأساسي في اليمن وتأثرها بالأزمات والحروب" إلى فقدان الدخل والمكانة الاجتماعية للمعلمين والمعيدين ودكاترة الجامعة بسبب الرواتب غير المدفوعة، فالصراع استنزف إمكانيات البلاد اقتصادياً وبالتالي عانى نظام التعليم من شح الموارد المالية سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو في المناطق الخاضعة للشرعية، الأمر الذي أدى إلى أن تعيش المنظومة التعليمية واقعاً قاسياً، فمنذ عام 2016 لم تعد مرتبات موظفي القطاع العام تصرف كاملاً في مناطق سلطة الحوثيين، وهو ما ساهم في تدهور الوضع المعيشي للأساتذة والمعيدين ودكاترة الجامعة لدرجة طرد البعض منهم من منازلهم المؤجرة واستدعاء البعض الآخر إلى أقسام الشرطة إلى غير ذلك، ونفس الأمر يعاني منه الأكاديميون في المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية. وتضيف المستشارة العولقي أن راتب الدكتور الجامعي كان يعادل 1000 دولار أمريكي بداية الحرب والآن صار يعادل 140 دولار، أما راتب المعيد فصار يعادل الآن 45 دولاراً أمريكيا بعد أن كان يعادل 350 دولار، وفي ظل هذه الأوضاع ترك بعض الأكاديميون مهنة التدريس في الجامعة للعمل في مجالات أخرى متدنية لسد الديون ولتلبية احتياجات اسرهم.

وتؤكد المستشارة العولقي أن انقطاع الرواتب وتدني ما يصرف منها أدى إلى ظاهرة هجرة الأدمغة في الأوساط الأكاديمية اليمنية للعمل في مهن تدر عليهم دخلاً أعلى أو للتدريس في جامعات بدول أخرى تحت ظروف تسمح لهم بإجراء أبحاث في مجالات تخصصهم ونشرها، ففي اليمن يضطر الأكاديميون إلى دفع مبالغ مالية للمُحكمين لتحكيم أبحاثهم ومعظمهم حالياً غير قادر على تكبد التكاليف، فضلاً على ذلك عملت الحرب على صعوبة السفر والتنقل أمام مشاركة الباحثين من الجامعات اليمنية في المؤتمرات والندوات الدولية التي تعقد خارج البلاد، ففي الماضي كانت الجامعات اليمنية تدعم الأكاديميين بالتذاكر وبدلات السفر، وبالرغم من مشاركة بعض الأكاديميين في بعض المؤتمرات والندوات الدولية عن بعد إلا أن المشاركات الحية تتيح لهم فرصاً أكبر للتشبيك والتعاون في مجال البحوث.

   كما أشارت المستشارة العولقي إلى أن ظروف الحرب أدت إلى انخفاض معدلات التحاق الطلاب بالجامعات ليبلغ أرقاماً حرجة خاصة في الكليات الإنسانية حيث لا يتجاوز عدد الطلاب في بعض الأقسام الطالب أو الطالبين، وبشكل عام يلاحظ عزوف الشباب عن الالتحاق بالجامعات في ظل الافتقار إلى اساس تعليمي قوي ومحدودية فرص العمل. على سبيل المثال مجموع الطلاب المسجلين بقسم اللغة العربية في كلية الأداب بجامعة صنعاء عام 2023 بلغ 26 طالباً فقط في القسم بمستوياته الأربعة. الوضع أسوأ بكثير بالنسبة لمعدلات التحاق الطلاب بأقسام الفلسفة والتاريخ حيث ضم كل قسم طالباً واحداً في المستوى الأول. وتواجه كليات التربية في أغلب الجامعات اليمنية نفس المشكلة، اين بلغ عدد الطلاب الملتحقين بكلية التربية في جامعة شبوة 200 طالب خلال العام الدراسي 2022-2023 مقارنة بـ 2100 طالب في العام الدراسي 2014-2015، وفي كلية التربية بجامعة عدن انخفض عدد المسجلين من 2276 طالب خلال العام الدراسي 2009-2010 إلى 99 طالب في العام الدراسي 2022-2023 وهو ما يعكس تسرباً هائلاً من الكليات الإنسانية. وتضيف المستشارة العولقي أن المشكلة لا تقتصر على التخصصات الإنسانية فقط، بل انخفضت معدلات الالتحاق بالكليات العلمية أيضاً والتي باتت لا تضمن مستقبلاً مهنياً للخريجين.

  وترى المستشارة العولقي أن جودة وكفاءة منظومة التعليم الأساسي والثانوي تأثرت، حيث أن جيل الطلاب الملتحقين بالجامعات اليوم نشأ تحت وطأة الحرب ويعتبر ضحية لإنهيار التعليم الأساسي؛ فالطلاب الذين سجلوا في الجامعات للعام الدراسي 2022-2023 كانوا في الصف الخامس الإبتدائي وقت اندلاع الحرب في العام 2015، بمعنى أنهم تلقوا التعليم في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية تحت منظومة تعليمية منهارة جراء انقطاع رواتب المعلمين وتضرر المدارس بسبب الحرب.

  وتضيف المستشارة العولقي ببأن تراجع الدعم التمويلي من الحكومة للجامعات بات اهتمام هذه الأخيرة منصباً على إيجاد مصادر دخل جديدة لتمويل أنشطتها ما أدى إلى نشوء نظام التعليم الموازي أو ما يعرف بنظام دفع رسوم خاصة في الجامعات الحكومية، وهو نظام يتيح للطلاب ذوي التحصيل المتدني الالتحاق بتخصصات تنافسية للغاية مقابل دفع رسوم مالية عادة بالدولار الأمريكي.

   كذلك أشارت المستشارة العولقي أن هناك تساهل بالترخيص للجامعات الأهلية مُنذ انقسام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 2015 إلى وزارتين كحال بقية الوزارات في فترة الحرب، أين تعملان دون تنسيق مشترك وتقوم كل وزارة بالتصريح للجامعات الأهلية في المناطق التي تشرف عليها مما يجعل هناك عدم وجود احصائية دقيقة توضح عدد الجامعات الأهلية المرخص لها في اليمن، كما أن عملية الترخيص لأي جامعة أهلية أو معهد خاص لا يخضع لأي معايير واضحة وشفافة أو شروط لضمان الجودة، ودون إجراء دراسة ترصد أداء الجامعات تحاول كل وزارة الترخيص لأكبر عدد ممكن من الجامعات والكليات في سبيل العائد المادي، وتؤكد المستشارة العولقي أن آخر تقرير نشر عن العملية التعليمية في الجامعات اليمنية على موقع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يعود إلى العام 2010.

   من جهته تطرق الشيخ عصام دويد، عضو اللجنة الدائمة الرئيسية لحزب المؤتمر الشعبي العام، في ورقته المعنونة بـــ "التسرب المدرسي في اليمن وسبل الحد منه" والتي ألقاها نيابة عنه الباحث في المركز فارس الكندي، إلى أهمية الندوة التي ينظمها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية تحت عنوان "الوضع التعليمي في اليمن في ظل الأزمات والحروب"، مؤكداً أن موضوع هذه الندوة ليس مجرد قضية أكاديمية بل هو قضية وطنية تمس حاضر ومستقبل اليمن.

   وأضاف الشيخ دويد إن التعليم هو الأساس الذي تبنى عليه المجتمعات القوية والمزدهرة، وهو السلاح الأنجع في مكافحة الفقر والجهل والتطرف. لكن للأسف، يواجه القطاع التعليمي في اليمن تحديات كبيرة ومعقدة، أبرزها تلك الناتجة عن الأزمات السياسية والحروب المتتالية التي دمرت البنية التحتية وأثرت على جودة التعليم وعلى استقرار العملية التعليمية برمتها.

   واستعرض الشيخ دويد في ورقته إلى بعض النقاط الرئيسية حول الوضع التعليمي الراهن في اليمن، وهي كالتالي:

أولاً: تأثير الأزمات والحروب على البنية التحتية التعليمية:

لقد دُمرت العديد من المدارس والجامعات بسبب القصف والقتال، وتحولت بعض المؤسسات التعليمية إلى ملاجئ للنازحين أو إلى مواقع عسكرية، مما أثر سلباً على قدرة الطلاب على متابعة دراستهم في بيئة آمنة ومناسبة.

ثانياً: التغيرات في المناهج الدراسية:

لقد شهدت المناهج الدراسية في اليمن تعديلات جذرية فرضتها بعض الجماعات المسلحة، مما أثر على محتوى التعليم وعلى الهوية الوطنية للطلاب. إن هذه التعديلات لا تخدم سوى أجندات معينة ولا تساهم في بناء جيل متعلم ومتنور.

ثالثاً: التسرب المدرسي:

إن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية دفعت بالكثير من الأسر إلى سحب أبنائها من المدارس، إما لعدم القدرة على تحمل التكاليف أو بسبب الحاجة إلى العمل لمساعدة العائلة. هذه الظاهرة تزداد يوماً بعد يوم، وتهدد مستقبل آلاف الأطفال اليمنيين.

رابعاً: تسييس التعليم:

لقد أصبحت الجامعات والمؤسسات التعليمية ساحات للصراع السياسي، حيث تؤثر الولاءات الحزبية على تعيين الكوادر الأكاديمية والإدارية، مما يؤثر على جودة التعليم وعلى استقلالية المؤسسات التعليمية.

ويرى الشيخ دويد أن تجاوز هذه التحديات يتطلب جهوداً جماعية وتعاونية من الجميع: الحكومة، المنظمات غير الحكومية، المجتمع الدولي، والأهم من ذلك، المجتمع اليمني بكل مكوناته. يجب أن نعمل معاً على إعادة بناء البنية التحتية التعليمية، تحسين جودة التعليم، وضمان بيئة تعليمية آمنة ومستقرة للجميع.

وفي ختام ورقته أكد الشيخ دويد إن تبادل الأفكار والخبرات في مثل هذه الفعاليات هو خطوة أساسية نحو إيجاد حلول مستدامة لمشاكل التعليم في اليمن.

   أما أستاذ نظم المعلومات الإدارية بجامعة صنعاء الدكتور عبدالرحمن ناجي، فقد بدأ ورقته المعنونة بـــ" تأثر الجامعات الحكومية بالولاءات السياسية في تعيين الكوادر الجامعية" بالكلمات التالية: 

  "ستتناول هذه الورقة جامعة صنعاء تحديدا باعتبارها الجامعة الأم في الجمهورية اليمنية، ولأن معظم أعضاء هيئة التدريس المؤسسين للجامعة الحكومية الأخرى - فيما عدا جامعة عدن - هم في الأساس من كوادر جامعة صنعاء؛ ولأن الباحث أحد كوادر تلك الجامعة وبالتالي فهو شاهد عيان على ما جرى ويجري في تلك الجامعة منذ تعيينه معيدا فيها في فبراير 1994م، وعلى اطلاع على مجريات الأمور فيها فيما يتعلق بموضوع الورقة منذ تأسيسها في العام 1970م".

  وقد أشار الدكتور ناجي في ورقته إلى أن جامعة صنعاء نجحت في النأي بنفسها عن أي تجاذبات سياسية على كافة المستويات الأكاديمية والإدارية، وفي كل مكونات هيكلها التنظيمي، منذ تأسيسها حتى سبتمبر 2014م، سواء في ظل تحريم وتجريم التعددية السياسية قبل بزوغ فجر الثاني والعشرين من مايو 1990م أو بعد قيام الجمهورية اليمنية واعادة اللحمة اليمنية في ذلك اليوم المجيد من تاريخنا المعاصر، والتي كان من أهم ركائزها اعتماد التعددية السياسية.

  كما رأى الدكتور ناجي أن الجامعة اختطت لنفسها نهجا أكاديميا علميا يتناغم مع الأعراف الأكاديمية المعروفة والمتداولة عالميا في حدود الامكانات والموارد المتاحة والمعتمدة من الحكومات المتعاقبة، بما في ذلك موضوع التعيين في الدرجات الوظيفية الأكاديمية، والتي كانت تتم من خلال الاعلانات السنوية في صحيفة الثورة الحكومية عن وجود شواغر أو فرص التعيين في التخصصات العلمية في مختلف الأقسام العلمية في كل كليات الجامعة، وبعد انتهاء الفترة المحددة للتقدم لشغر تلك الوظائف، تقوم رئاسة الجامعة باحالة ملفات كافة المتنافسين إلى عمادة الكليات المعنية والتي بدورها تحيلها للأقسام العلمية، التي تحيلها إلى لجنة أكاديمية بكل قسم لدراسة كل الملفات وترتيب المتنافسين وفقا لمعايير علمية أكاديمية محضة، واقرار ذلك الترتبب في مجلس القسم العلمي، ورفع الأمر للمجلس الأكاديمي بالكلية الذي يحيله لمجلس الكلية لاقراره ورفعه للمجلس الأكاديمي بالجامعة الذي بدوره يعتمده ويقوم برفعه لمجلس الجامعة الذي يعتمد رسميا ذلك الترتبب, وبعد ذلك يستكمل الأشخاص الذين وقع عليهم الاختيار اجراءات التعيين في وزارتي الخدمة المدنية والمالية لاعتماد الدرجات الوظيفية والمالية.

  وأكد الدكتور ناجي إنه حتى في ظل وجود توجيهات رئاسية بتعيين س أو ص من الأشخاص في وظائف أكاديمية، كانت تلك التوجيهات تأخذ نفس التسلسل من رئاسة الجامعة وصولا للقسم العلمي وهو صاحب الحق الوحيد باتخاذ قرار مدى امكانية أو عدم امكانية الاستجابة للتوجيه الرئاسي ويرفع قراره للتسلسل الأكاديمي وصولا لرئاسة الجامعة، وكثيرا ما كانت الأقسام العلمية ترفض تلك التوجيهات الرئاسية عند عدم حاجتها لكواد اكاديمية جديدة، ولوجود هيئة تدريس مساعدة مازالت في الدول التي تم ايفادهم إليها للحصول على الدرجات العلمية التي تؤهلها للانضمام لهيئة التدريس.

  كما أكد الدكتور ناجي في ورقته أن جامعة صنعاء دخلت في نفق مظلم كغيرها من مؤسسات الدولة منذ سبتمبر 2014م حتى هذه اللحظة، عندما فرضت الميليشيات الحوثية سيطرتها على مقاليد الحكم بسياسة الأمر الواقع في العاصمة صنعاء تحديدا، فمنذ ذلك التاريخ، تم فعليا تعليق العمل بدستور الجمهورية اليمنية، وصار البشر في كل مرافق الدولة يفرزون وفقا لدرجة ولائهم وانتمائهم لفكر تلك الميليشيات، فمواطني الجمهورية في مناطق سيطرتها إما خداما وعبيد أو سادة ومهيمنين، وينسحب ذلك على العمل الأكاديمي في الجامعة، بما في ذلك تعيين الأكاديميين فيها، أو التعامل مع الهيئة الأكاديمية الموجودة، وشهدت الجامعة نتيجة لذلك نزوحا لعدد كبير من أساتذتها إما لمناطق خارج سيطرة تلك الميليشيات داخل الجمهورية، أو إلى شتى دول العالم، خصوصا مع توقف صرف مرتباتهم كغيرهم من موظفي الجهاز الحكومي منذ سبتمبر 2016م حتى اليوم والذي تزامن مع انهيار العملة الوطنية مقابل العملات العالمية.

من جهته أشار الأكاديمي والتربوي الدكتور نجيب عسكر في ورقته المعنونة بـــــ "اثر الحروب والصراعات على التعليم في اليمن"، أن الحرب آثرت على كل الجوانب المرتبطة بالتعليم سواءً التعليم العام أو التعليم العالي أو التعليم الفني والمهني، حيث شملت الآثار جميع الأساتذة والمعلمين والطلاب والمباني الجامعية والمدرسية والمرافق والخدمات التعليمية والإدارة والمناهج المقررة. ومن بين الآثار التي ركز عليها الدكتور عسكر الآتي:  

- قطع مرتبات أساتذة الجامعات والمعلمين والعاملين في الحقل التعليمي، الأمر الذي انعكس على تراجع الأداء، وانعدام الرغبة بالعمل في حقل التدريس، مما دفع الكثير منهم إلى الانقطاع عن التدريس؛ بحثًاً عن أنشطة أخرى يسدون من خلالها رمقهم ورمق أسرهم ومن يعولون، وآخرون هاجروا أو تشردوا، أو قتلوا أو ماتوا قهراً. وحتى المحافظات التي يتسلم فيها المعلمون مرتباتهم، فإنهم يشتكون من كونها مستحقات متدنية أصلاً، لا تضمن للمعلم تغطية احتياجاته الأساسية مع ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة العملة المحلية في السنوات الأخيرة.

- تدمير آلاف المدارس والمرافق التعليمية في اليمن، وقد أشار الدكتور عسكر إلى تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) صدر في عام 2022 والذي تقول فيه إنه بعد مرور سبع سنوات على بدء النزاع تم تدمير أكثر من 2900 مدرسة أو أصيبت بأضرار جزئية أو استخدمت لأغراض غير تعليمية. 

- حرمان ملايين الأطفال من التعليم وزيادة معدلات الهدر المدرسي بشكل كبير، لأسباب كثيرة من اقتصادية وغياب المعلم ونقص الكتاب المدرسي، ولأسباب أسرية أو نفسية، وغيرها من الأسباب. وقد استند الدكتور عسكر إلى بيانات كتلة التعليم، التي تقول إنه يوجد أكثر من مليونين و661 ألف طفل يمني في سن التعليم خارج المدارس، بينهم مليون و410 آلاف فتاة ومليون و251 ألف من الذكور، هذه النسبة تشكل ما يقارب ربع عدد الأطفال اليمنيين في سن التعليم والمقدر بـ 10,8 ملايين طفل. أي أن طفلا من كل أربعة أطفال في اليمن خارج المدرسة، وفي هذا السياق اشار الدكتور عسكر إلى تغريدة لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" في اليمن، عبر "تويتر" تقول أن "الصراع أعاق حصول 8.1 مليون طفل في اليمن من التعليم، مما يعرض مستقبلهم للخطر".

- أكثر من نصف مخيمات النزوح بلا خدمات تعليم، وحسب بيانات الكتلة، فإن خدمات التعليم التي تتوفر بصورة فعالة تغطي نحو 8 بالمائة فقط من مواقع النزوح في المخيمات، في حين أن ما نسبته 38,87 بالمائة يحصلون على خدمات تعليم غير كافية، أما النسبة الأكبر من مواقع النزوح والتي تزيد عن 53 بالمائة لا تتوفر فيها خدمات التعليم من الأساس.

- تدهور جودة التعليم؛ فالحرب أثرت على جودة التعليم بشكل كبير، حيث أدت الظروف الاقتصادية الصعبة وانعدام الأمان إلى نقص الموارد التعليمية وتراجع مستوى التعليم.

- التعليم لمن لديه المال فقط، فمع انهيار التعليم العام، وجد التعليم الخاص، وهو كما نعلم يلبي احتياجات من يملكون المال فقط، فرسومه مرتفعة، والوضع المعيشي للناس تحت الصفر.

- تم تجنيد الآلاف من طلاب المدارس، وحرمانهم من التعليم، فمنهم من قتل، ومنهم من لحقت بهم إعاقة دائمة، ومنهم من تشرد أو هاجر.

كما تطرق الدكتور عسكر إلى الآثار النفسية للحرب على الطلاب، ومن بين ما ذكر: 

- الصدمة النفسية والرعب الذي قد يؤدي إلى الانهيار العصبي، نتيجة مشاهدتهم للأحداث المروّعة، ويظهر ذلك في صورة الخوف والارتباك وصعوبة التركيز، وكذلك تسارع ضربات القلب والارتجاف وأوجاع الجسم.

- نوبات الهلع والذعر والقلق الشديد والاِكتئاب، واليأس من المستقبل.

- تعّطل إحساسهم بالأمان والاِستقرار، مما يجعلهم أكثر عرضةً لخطر الجوع والمرض والعنف والتجنيد العسكري والاِستغلال والاِعتداء الجنسي.

- التشرد والانحراف، والإدمان بأنواعه.

- العزوف عن التعليم وترك مقاعد الدراسة .

- عدم الثقة والعزلة وصعوبة الاِندماج في المجتمع، زيادة معدّلات الاِنتحار، وغيرها من الآثار النفسية التي ذكرها الدكتور عسكر.

وقد ختم الدكتور عسكر ورقته بتوجيه الدعوة لأطراف الصراع بأن ينظروا إلى المستقبل، وكفى الجيل ما وصل إليه، فالبلاد لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بالتعليم..

كما نذكر بأن أقصر الطرق للتخلص من تلك الآثار التي أصابت التعليم نتيجة الحروب، تكمن في إزالة السبب الأول وهو إيقاف الحرب، والعودة إلى أجواء الأمن والاستقرار، ومن ثم العمل على إعادة بناء الجيل، فهم الثروة والسلاح الحقيقي لمواجهة كل الأخطار، وعلى الجميع السعي بكل السبل إلى تهيئة البيئة المناسبة لبعث الأمل لدى أبنائنا بحياة أكثر إشراقاً وطمأنينة. 

  

   وكانت أخر الأوراق الملقاة في الندوة قد طرحها الدكتور علي الخولاني، استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية سابقاً بجامعة الجزائر، والتي تمحورت حول " تعديل جماعة الحوثي للمناهج الدراسية في اليمن وأثرها على الولاء الوطني"، وأشار الدكتور الخولاني في ورقته أنه مُنذ استيلاء جماعة الحوثي على صنعاء في سبتمبر من العام 2014، عززت الجماعة تركيزها على التعليم واستهداف فئة الشباب بصورة مدروسة وممنهجة وقامت بنفس الخطوة التي اتخذتها الثورة الإيرانية في العام 1979 أين قام اتباع آية الله الخميني بتغيير المناهج الدراسية في إيران كوسيلة للسيطرة على الجيل المقبل.

   ويضيف الدكتور الخولاني أن الحوثيين بدؤوا بتغييرات بسيطة في تفسير الآيات القرآنية، وهذه التغييرات تغير تماماً معنى النص لتتماشى مع فكر الجماعة، وسلطوا التركيز على آيات تعظم الجهاد، كما قاموا بحذف فصول كاملة كانت تبين وتسلط الضوء على تاريخ اليمن وحضارته ووضع عوضاً عن ذلك فصولاً ودروساً تركز على الشخصيات الزيدية والشيعية. وبعد عامين من سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء أي في العام 2016 عينت يحيى بدر الدين الحوثي شقيق زعيم الجماعة وزيراً للتربية والتعليم وهو الآمر الذي آثار مخاوف كبيرة في صنعاء وبقية المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين من تعديل أو تغيير واسع في المناهج الدراسية ويشير الدكتور الخولاني أن هذا الأمر تحقق بشكل واضح في العام الدراسي 2021-2022 حيث اصدرت وزارة التربية والتعليم في صنعاء منهجاً معدلاً للمرحلة الأساسية لمواد الدراسات الإسلامية والقرآن الكريم والعلوم الاجتماعية والتاريخ، وشملت التعديلات حذف دروساً كانت تشمل الحقوق المدنية وتاريخ الشخصيات التي رسمت تاريخ اليمن وأدخلت بدلا عنها دروساً تخدم النهج الحوثي.

  وأضاف الدكتور الخولاني أن عملية تعديل المناهج الدراسية من قبل الحوثيين رافقه مراقبة ما يدرسه الأساتذة في الفصول الدراسية وكذلك الآراء السياسية لهم، ومن أجل غرس معتقدات جماعة الحوثي بين طلاب المدارس وتنفيذ التغييرات في المناهج قامت الجماعة بتغيير مدراء المدارس بآخرين موالين لها، كما قامت وزرارة التربية والتعليم في صنعاء بفرض رسوم على طلاب المدارس من أجل طباعة وتوزيع المناهج الجديدة كما رفعت رسوم تجديد تراخيص المدارس الخاصة وأجبرتها على شراء المناهج الدراسية الجديدة. وقامت الوزراة بعمليات تفتيش عشوائية للمدارس لضمان استخدام المنهج الجديد، وتواجه المدارس المخالفة غرامات بمئات الآلاف من الريالات، كما يقوم المعلمين الذين وظفتهم جماعة الحوثي بمراقبة تدريس زملائهم بالإضافة إلى توظيف الطلاب الموالين للحوثي كمراقبين، كما تم فرض ترديد الصرخة في المدارس اثناء طابور الصباح.

ويضيف الدكتور الخولاني أن جماعة الحوثي اعتمدت على المراكز الصيفية لتسريع عملية غسل أدمغة الشباب والطلاب بما يتناسب مع معتقداتها وأفكارها ولتساند عملية تغيير المناهج الدراسية، وفي حقيقة الأمر كل هذا يخلق جيل جديد متطرف وخطير ليس على نفسه فقط، بل وعلى أسرته ومجتمعه وعلى دولته وعلى الإقليم وعلى العالم بشكل عام، ويشكل قنبلة موقوته حقيقية في المستقبل القريب، وإذا لم يتم تلافي هذا الأمر فلن تقوم لليمن قائمة لعشرات السنين.