لماذا "غامر" بايدن بـ"أخطر قرار" في حرب اوكرانيا باستخدام أسلحة بعيدة المدى ؟
سمح الرئيس الأمريكي جو بايدن ، أخيرًا، لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأمريكية الصنع البعيدة المدى في "خطوة جريئة" قبل أسابيع من انتهاء فترة ولايته، وهو قرار مفاجئ لاعتبارات عدة.
أخذ بايدن قراره الأخير، بعد تلك الممانعة الطويلة التي رفعها في وجه المطالبين بهذه الخطوة، منذ بداية الحرب، فيما ظلت إدارته، عند خيارها الاستراتيجي بإبقاء الصراع العسكري داخل أوكرانيا.
وكان هدف الدعم العسكري الأمريكي الغربي لكييف، للدفاع عن استقلال دولة صاحبة سيادة ومستقلة القرار والخيارات السياسية.
كما ارتأت واشنطن والحلفاء الأوروبيون، أن لا يفتحوا مواجهة مباشرة مع روسيا، مع التأكيد المتجدد دائماً أن الأطراف المعنية بهذه الحرب لا تريد للصراع القائم حالياً أن يتحول إلى مواجهة نووية بين واشنطن وموسكو.
هذه هي الأهداف الاستراتيجية التي تمسكت بها إدارة بايدن طيلة عامين في سعيها لضمان دعم الكونغرس بغرفتيه وجناحيه الديموقراطي والجمهوري، لتقديم مزيد من المساعدات لأوكرانيا وهو الأمر الذي تغير كثيراً في العام الأخير عندما بات الجمهوريون يعارضون تقديم مزيد من المساعدات لكييف.
أسابيع القلق
وجد بايدن نفسه أمام مجموعة متغيرات في الأسابيع الأربعة الأخيرة وأولها خسارة الديمقراطيين للانتخابات في الداخل ليس فقط على مستوى الرئاسة ولكن كذلك على مستوى الكونغرس بحصول الجمهوريين على الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ؛ مما يجعل من حظوظ استمرار الدعم الأمريكي للحرب في أوكرانيا تتهاوى إلى درجة الانعدام.
هذه النتائج المخيبة لبايدن هي التي جعلت الرئيس المنتهية ولايته يجعل من الحرب في أوكرانيا واحدة من النقاط الرئيسة على جدول اللقاء الذي جمعه بخلفه الرئيس المنتخب دونالد ترامب في البيت الأبيض مع تأكيد بايدن أنه أوضح لترامب أهمية الموقف الأمريكي في هذه الحرب ومركزيته بالنسبة للأمن القومي وأمن الحلفاء التقليديين فيما وراء الأطلسي.
ما ظهر لاحقاً من تطورات زاد في قلق ساكن البيت الأبيض الحالي، حيث حرص ترامب على فتح خطوط التواصل مباشرة مع الرئيس الأوكراني وفي حضور إيلون ماسك الوزير الجديد المعين في إدارة ترامب الجديدة باعتبار أن شركته هي من تؤمن خدمات الإنترنت للقوات الأوكرانية في الحرب الحالية.
يقول مسؤولون في إدارة بايدن إن النقاش بين زيلينسكي وماسك لم يكن ودياً بالمرة حيث ظهرت دعوة ماسك الصريحة للرئيس الأوكراني إلى أنه في حال عدم القبول بتوجهات الإدارة الجديدة لحل الأزمة سيكون مضطراً لقطع خدمة الإنترنت.
وكان واضحاً أن الرئيس الأوكراني لم يكن سعيداً بما سمعه من ماسك ولذلك، قال عبر منصة "إكس" المملوك لماسك، بأن "أوكرانيا دولة مستقلة وصاحبة قرار" وأنها "لن تقبل بأن تكون طرفاً مستمعاً لما يقرر بشأنها".
في المقابل، لا يبدو أن الرئيس ترامب يظهر حماسة لاستمرار المشهد بصورته الحالية فهو يعتقد أن التفاوض بين الطرفين هو الحل لإنهاء هذه الحرب إضافة إلى رؤيته القديمة الجديدة بشأن مسؤولية أعضاء الحلف الأطلسي في دفع تكاليف توفير الحماية الأمريكية لهم.
يقول مقربون في إدارة الرئيس بايدن لـ"إرم نيوز" إن خيار بايدن بالسماح باستخدام الصواريخ البعيدة المدى، سيرفع المنع على الحلفاء الأوروبيين، وسيكون لهم مطلق الحرية في تقرير الشيء نفسه بالنسبة لصواريخهم وهو ما سيجعل من مهمة الرئيس المنتخب معقدة تجاه الموقف الأوروبي بعد استلامه السلطة في العشرين من يناير المقبل، كما أنه سوف يعطي أوكرانيا ورقة تفاوضية أقوى عند الجلوس إلى الطاولة.
وحتى إذا كان منع استخدام الصواريخ الأمريكية بيد الرئيس ترامب بعد استلامه إلا أن التوصل لتوافق مع الشركاء الأوروبيين بشأن هذا القرار سوف يحتاج إلى سلسلة من المفاوضات والاتصالات وهو ما سيعطى للحلفاء فرصة للدفاع عن خياراتهم وسياساتهم أمام اتفاق ممكن لإنهاء الحرب في أوكرانيا خاصة في حال ما إذا كانت النتيجة النهائية ليست في صالح أوكرانيا والحلفاء الأوروبيين.
عنصر آخر ينظر إليه هنا في واشنطن بعين القلق وهو التأكيدات التي أعلنتها جهات أمريكية وأوروبية، بوجود آلاف الجنود الكوريين الشماليين الذين دخلوا روسيا لدعمها في الحرب ضد أوكرانيا، إضافة إلى تلك الاتفاقات العسكرية بين بيونغ يانغ وموسكو، وسلسلة الزيارات المتتالية بين قادة البلدين هي عوامل أثارت مزيداً من القلق هناك في واشنطن حول مسار الحرب الحالية والنوايا التي تريد موسكو إعلانها في هذا التوقيت.
ومن الواضح جداً أن إدارة بايدن تسابق الزمن فيما تبقى لها من وقت ضيق ومحدود في محاولة لرسم أفق هذه الحرب حتى بعد رحيل بايدن عن البيت الأبيض. ولذلك يسعى الرئيس المنتهية ولايته إلى ضمان ضخ أقصى ما يستطيع من مساعدات مالية وعسكرية لأوكرانيا وكذلك رفع الموانع التي كان قد قيد بها الموقف الأمريكي في هذه الحرب.
الإرث الشخصي
لن يكون الأمر سهلاً على الرئيس بايدن قبول انتهاء الحرب في أوكرانيا بغير الصورة التي عمل لأجلها في العاصمة واشنطن، وواجه خلال العامين الأخيرين الكثير من الانتقادات السياسية من قبل الحلفاء والغرماء لأجل التمكين لرؤيته السياسية.
وقد آمن بايدن عبر كامل تاريخه السياسي بقوة الحلف الأطلسي بل إن الرجل يوصف بأنه أكبر المدافعين عن هذا الحلف، طيلة فترة نصف القرن التي قضاها في العمل السياسي بواشنطن ولذلك كان بايدن يفتخر أمام الأمريكيين أنه نجح في تشكيل تحالف عالمي لمواجهة روسيا في أوكرانيا، كما أنه نجح في توسيع عضوية الأطلسي بإنهاء إجراءات انضمام السويد وفنلندا إليه؛ مؤكداً في كل مناسبة أنه أفشل خطة بوتين التي كانت تهدف إلى تحجيم الأطلسي، لكن بايدن نجح في جعل الأطلسي أكثر قوة والحرب قائمة في أوكرانيا وهو ما يراه بايدن إنجازاً تاريخياً شخصياً ونجاحاً أكيداً لرؤيته الأمنية للولايات المتحدة والأمن العالمي.
هذه الرؤية التي قدمها بايدن للأمريكيين مهددة في ظل الإدارة المقبلة لترامب الذي يقدم رؤية مختلفة سواء بكيفية إدارة الحرب أو بالعلاقة مع روسيا.
وعد إنهاء الحروب كافة
الرئيس المنتخب دونالد ترامب قدم للأمريكيين رؤية شاملة للوضع في العالم بقوله إن الديموقراطيين في إدارة بايدن وهاريس جعلوا من حرب عالمية ثالثة وشيكة الوقوع وإنه سوف يعمل لإنهاء هذا الاحتمال عبر إنهاء الحرب في أوكرانيا وغزة ولبنان وتحجيم نفوذ إيران في الشرق الأوسط باعتبارها المسؤولة عن الأزمات هناك.
كانت هذه واحدة من المفاتيح الأساسية التي بنى عليها ترامب حملته الانتخابية للعودة إلى الأبيض وهو الخطاب الذي لقي استجابة من الأمريكيين الذين باتوا يرفضون استمرار تدفق المساعدات لأوكرانيا التي تجاوزت خلال العامين الأخيرين 86 مليار دولار.
وهو رقم كبير كما يقول عنه الأمريكيون في وقت تواجه فيه البلاد واحدة من أكبر أزمات التضخم، خلال نصف القرن الأخير لذلك لن يكون صعباً على ترامب المضي سريعاً في هذه الطريق بمحاولة التوصل سريعاً إلى تسوية مع موسكو وكييف، وبقية الشركاء الأوروبيين للحرب في أوكرانيا، واختلاف كامل عن التوجهات التي تراها الإدارة الحالية.