امتدادًا لحزمة الحلول العلمية (2-3) .. أكاديمي بجامعة عدن يستعرض أهمية استقلالية البنك المركزي 

امتدادًا لحزمة الحلول العلمية (2-3) ..  أكاديمي بجامعة عدن يستعرض أهمية استقلالية البنك المركزي 

د/علي ناصر سليمان الزامكي - أستاذ الإدارة المالية المشارك في جامعة عدن

يستعرض الدكتور/ علي ناصر سليمان الزامكي أستاذ الإدارة المالية المشارك في جامعة عدن حزمة حلول في محاولة منه لتقديم رؤية علمية تسهم في معالجة السياسة النقدية اليمنية، وقد تطرق في مقاله العلمي السابق إلى عدد من المحاور التي سلط الضوء من خلالها على أهداف السياسة النقدية وأدواتها والتحديات التي تواجهها اليمن لتطبيق هذه السياسة والعمل بها، مستعرضًا الحلول الممكنة لتحسين السياسة النقدية في اليمن، أبرزها تعزيز الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي اليمني، وامتدادًا لما طرحه في مقاله السابق يتطرق في مقال العلمي الحالي إلى كيفية استقلالية العمل المصرفي في البنك المركزي اليمني.

*كيفية استقلالية البنك المركزي*

وعن كيفية تعزيز الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي اليمني، أوضح الدكتور الزامكي أنه يجب العمل على إعادة تعريف هيكل البنك المركزي من خلال تعديل القوانين الوطنية لضمان أن يكون البنك المركزي مستقلًا قانونيًا عن الحكومة والسلطات السياسية، وأن يتمتع البنك المركزي بسلطة اتخاذ القرارات الخاصة بالسياسة النقدية دون أي تدخل من الحكومة أو أي جهة سياسية، وهذا يتطلب تشريعات واضحة تحدد الحدود بين سلطة الحكومة وسلطة البنك المركزي، وأن يكون تعيين محافظ البنك المركزي وأعضاء مجلس إدارته من خلال آلية قانونية مستقلة، بحيث لا يتأثر التعيين بأي ضغوط سياسية، ويجب أن يتم تحديد مدة ولاية المحافظ بشكل كافٍ، بحيث لا يمكن إقالته إلا في حالات استثنائية تتعلق بالكفاءة أو المخالفات القانونية، وضمان استقلالية البنك في إدارة الاحتياطيات النقدية، وطباعة النقود، وتحديد سياسات سعر الفائدة، مع ضمان الشفافية في اتخاذ القرارات، كما يجب تعزيز الشفافية والمساءلة، وأن تكون هذه التقارير متاحة للجمهور والقطاع الخاص، والالتزام بتقديم تقارير سنوية إلى البرلمان حول الوضع الاقتصادي والسياسة النقدية المتبعة، من خلالها يتمكن البرلمان من مراقبة الأداء المالي للبنك المركزي دون التأثير المباشر على قراراته النقدية، بالإضافة إلى تعزيز دور المؤسسات الرقابية مثل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة واللجنة الاقتصادية لمراقبة عمل البنك المركزي وضمان اتباعه للمعايير الدولية في السياسة النقدية، وكذا رقابة من الجهات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتقديم الدعم الفني والتقارير المستقلة حول سياسة البنك المركزي، كما يجب العمل على تأمين التمويل المستدام للبنك المركزي بإدارة الاحتياطيات المالية بشكل مستقل بعيدًا عن الحاجة الملحة للاقتراض المحلي أو الدولي، والامتناع عن تمويل العجز المالي للحكومة عن طريق طباعة النقود، حيث أن ذلك قد يؤدي إلى زيادة التضخم، بل يجب أن تلتزم الحكومة بالبحث عن مصادر تمويل أخرى مثل السندات أو القروض الميسرة.

*ممارسات دولية لضمان استقلالية البنك المركزي*

واستعرض الزامكي أفضل الممارسات الدولية لضمان استقلالية البنك المركزي تتمثل في إطار قانوني واضح وتشريعات مستقلة تحدد صلاحيته في اتخاذ القرارات النقدية دون تدخل سياسي، وتحديد أهدافه بوضوح، مثل استقرار الأسعار وتعزيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الشفافية والمساءلة بنشر تقارير دورية حول سياسته النقدية وأدائه، مما يعزز من مستوى الشفافية، وكذا تنظيم اجتماعات علنية مع خبراء الاقتصاد والإعلام لمناقشة القرارات النقدية والتحديات الاقتصادية، بالإضافة إلى تشكيل هيكل حكومي قوي يتكون من أعضاء يتمتعون بالخبرة والكفاءة في المجال المالي والاقتصادي، وأن تكون فترات ولاية أعضاء مجلس الإدارة طويلة بما يكفي لحماية استقلالهم، وكذا وضع حدود واضحة للتدخل الحكومي في قرارات البنك المركزي، مما يضمن عدم وجود ضغوط سياسية، والمشاركة في شبكات دولية لتبادل المعرفة والخبرات حول ممارسات السياسة النقدية، والعمل على تدريب وتطوير مهارات الموظفين وتعزيز ثقافة الاستقلالية.

*تحسين النظام المصرفي المحلي في اليمن* 

في هذا الجانب أكد الدكتور/ علي ناصر الزامكي أستاذ الإدارة المالية المشارك بجامعة عدن على أهمية  توفير خدمات مصرفية مبتكرة وفعالة وذلك بتحديث القوانين واللوائح والإصلاحات  التشريعية ودور الرقابة  وتعزيز الشفافية والمساءلة وتحسين البنية التحتية المالية، وأهمية  دور الحكومة لاستعادة الثقة في النظام المصرفي من خلال تعزيز الاستقرار السياسي وتقديم حوافز للمستثمرين والتعاون مع المؤسسات الدولية والاستفادة من الدعم الدولي وتبادل الخبرات، إلا أن هناك عديد من تحديات التي تواجه النظام المصرفي في اليمن تتمثل في ضعف الثقة في النظام المصرفي نتيجة للظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها اليمن، إذ تأثرت الثقة العامة في النظام المصرفي، نتيجة التقلبات السياسية والحروب المستمرة جعلت البنوك المحلية غير قادرة على تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين بشكل فعال، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عمليات السحب النقدي من البنوك وزيادة الاعتماد على النقد بدلًا من المعاملات البنكية، بالإضافة إلى نقص في الشمول المالي والوصول إلى الخدمات المصرفية، وهناك حوالي 70% من المواطنين لا يمتلكون حسابات مصرفية أو لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات المصرفية الأساسية مثل الودائع، والقروض، و خدمات الدفع الإلكتروني.

*خطوات تحسين النظام المصرفي في اليمن*

ولتحسين النظام المصرفي المحلي في اليمن استعرض الدكتور الزامكي عديد من الخطوات التي يجب الالتزام بها أبرزها تعزيز الشفافية والنزاهة بأن تلتزم البنوك بتطبيق ممارسات مصرفية شفافة تحترم معايير الحوكمة الرشيدة من خلال إصدار تقارير مالية دورية حول أداء البنوك والتزاماتها، وإنشاء آليات لمراقبة الأداء المالي داخل البنوك ومنع التلاعب، وتدريب الكوادر المصرفية على اتباع معايير الشفافية والنزاهة، وكذا تحسين خدمات الشمول المالي من خلال توسيع نطاق الخدمات المصرفية لتشمل الفئات الفقيرة والمحرومة من الخدمات المالية، مثل النساء والشباب، عبر تطوير برامج مصرفية رقمية تسهل الوصول إلى الحسابات المصرفية دون الحاجة لزيارة الفروع، وكذا تعزيز القروض الصغيرة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتي تشكل العمود الفقري للاقتصاد اليمني، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية الرقمية للبنوك لتسهيل عمليات الدفع الإلكتروني، والتحويلات عبر الهاتف المحمول، وتوفير القروض الشخصية.

كما أكد على أهمية تطوير خدمات الدفع الإلكتروني، باعتبار التكنولوجيا المالية أداة قوية لتحسين النظام المصرفي، من خلال إطلاق منصات رقمية لتمكين المواطنين من الوصول إلى خدمات مصرفية أساسية عبر الإنترنت، مثل إجراء التحويلات، دفع الفواتير، و إدارة المدخرات، ودعم تطبيقات الدفع عبر الهاتف المحمول مثل محافظ الهاتف المحمول التي تتيح للمواطنين إجراء معاملات مالية بسهولة، مما يساهم في تخفيف العبء على النظام المصرفي التقليدي، وكذا تحديث النظام المصرفي التشريعي والتنظيمي، مشددًا على ضرورة تحديث القوانين المصرفية في اليمن لتواكب التطورات الاقتصادية العالمية، وتتمثل أبرز الخطوات في تعديل الأنظمة المصرفية بما يسمح للبنوك بتطوير خدماتها بما يتماشى مع التكنولوجيا المالية، وكذا تطوير الأنظمة الرقابية لضمان مراقبة فعالة والامتثال للمعايير الدولية، من خلال تحديث قوانين مكافحة غسل الأموال، و التمويل غير المشروع.

*تحسين النظام المصرفي في اليمن*

ومن الخطوات التي يجب الالتزام بها لتحسين النظام المصرفي المحلي في اليمن، أشار الزامكي إلى الدور الكبير الذي يقع على عاتق الحكومة في استعادة الثقة في النظام المصرفي من خلال دعم الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي لضمان تنفيذ السياسات النقدية بحيادية وفعالية والقدرة على اتخاذ قرارات نقدية مستقلة دون تدخل سياسي، بحيث يتمكن من تحقيق استقرار العملة الوطنية (الريال اليمني) والسيطرة على التضخم، وكذا توفير الدعم المالي للبنوك المتعثرة، خاصة تلك التي تواجه مشاكل في السيولة أو الركود المالي، من خلال إعادة هيكلة القروض، ودعم البنوك عبر قروض طارئة لتعزيز استقرار النظام المصرفي، وكذا التنسيق مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للحصول على مساعدات مالية تهدف إلى دعم استقرار النظام المصرفي، وتفعيل الرقابة والمراجعة المستقلة لضمان عدم وجود تلاعب مالي أو فساد، والعمل على تحفيز الاستثمار في القطاع المصرفي من خلال تحفيز البنوك التجارية على تحسين خدماتها عبر تقديم إعفاءات ضريبية أو حوافز مالية، وتوفير التسهيلات البنكية التي تعزز من قدرة البنوك على جذب المستثمرين المحليين والدوليين، ومزايا الادخار والاستثمار في النظام المصرفي، وأهمية التعامل مع البنوك الرسمية بدلاً من التعامل مع الأسواق السوداء أو القنوات المالية غير الرسمية.

*بناء شراكات فعالة مع المؤسسات المالية الدولية*

ولأهمية هذا الجانب في تحسين أداء المؤسسات المالية في اليمن أستعرض الدكتور/ علي ناصر الزامكي كثير من المعالجات العلمية بما يسهم من دور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في دعم استعادة الاستقرار النقدي والاقتصادي في اليمن الذي تواجهه تحديات ضخمة نتيجة للصراعات المستمرة، والتي انعكست بدورها على تدهور البنية التحتية، ونقص الموارد المالية، وأصبح التعاون مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أمرًا بالغ الأهمية لمساعدة اليمن في استعادة استقراره النقدي والاقتصادي، وتتمثل أهمية هذه المؤسسات في تقديم الدعم المالي والفني، وإعداد برامج إصلاحية تعزز من قدرة الدولة على التعامل مع الأزمات الاقتصادية، ويُعد بناء شراكات فعالة مع هذه المؤسسات أمرًا حيويًا لتسريع عملية التعافي الاقتصادي، وتوجيه الدعم نحو المشروعات التنموية التي تسهم في تحقيق الاستقرار المالي، ويناقش هذا المحور كيفية بناء شراكات فعالة مع هذه المؤسسات لتحقيق التنمية المستدامة في اليمن، مع التركيز على الدعم المالي والفني.

*أهمية الشراكات مع المؤسسات المالية الدولية*

تُعتبر المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مصدراً رئيساً للدعم المالي في أوقات الأزمات الاقتصادية، من خلال القروض الميسرة، والمنح، ودعم البرامج الاقتصادية؛ يمكن لهذه المؤسسات تقديم تمويلات تُساهم في إعادة بناء الاقتصاد اليمني، ويشمل الدعم المالي تقديم قروض طويلة الأجل بشروط ميسرة، والتي تساعد في تغطية العجز المالي، وتمويل المشاريع التنموية، وتحفيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تقديم الدعم الفني والخبرات الاقتصادية، والمشاورات الفنية، وإعداد السياسات الاقتصادية، يساعد هذا النوع من الدعم اليمن على تنفيذ إصلاحات اقتصادية موجهة نحو تحسين الأداء الحكومي، تعزيز الشفافية، وتنظيم القطاع المالي بما يتماشى مع المعايير الدولية، وتقديم التوجيه الاستراتيجي والتقارير الاقتصادية المقدمة من هذه المؤسسات، يحصل اليمن على رؤية شاملة حول كيفية إدارة الموارد بشكل أفضل، وتحقيق النمو المستدام، كما تعمل هذه المؤسسات على مراقبة التقدم المحرز في الإصلاحات الاقتصادية، مما يضمن الالتزام بالمعايير الدولية والتوصل إلى حلول مبتكرة لمشاكل الاقتصاد.

كما يجب الاستفادة من الدعم المالي والفني للمؤسسات الدولية من خلال القروض الميسرة التي يمكن أن توفرها المؤسسات المالية الدولية لتنفيذ المشروعات التنموية الكبرى، مثل بناء البنية التحتية، وتحسين قطاع التعليم، وتعزيز الأمن الغذائي، وهذه القروض قد تكون بفوائد منخفضة أو حتى بدون فوائد في بعض الحالات، بالإضافة إلى القروض يمكن للمؤسسات المالية الدولية تقديم منح مالية لمساعدة اليمن في تمويل برامج الإصلاح الهيكلي، وتحسين نظم الرعاية الصحية، ومكافحة الفقر، كما يجب الاستفادة من الدعم الفني والخبرات والاستشارات الفنية التي يقدمها صندوق النقد الدولي حول السياسات المالية والنقدية، بالإضافة إلى مساعدات فنية لتعزيز إدارة الدين العام، وتقوية القطاع المالي، وغيرها عديد من الإصلاحات المؤسساتية التي يمكن أن يقدمها البنك الدولي مثل تطوير نظم الإدارة المالية العامة، وتحسين نظام الضرائب، وتقديم تدريب وورش عمل للكوادر اليمنية في مجالات التمويل، والإدارة الاقتصادية، وإعداد الموازنات، بالإضافة إلى توجيه الدعم نحو القطاعات الحيوية التي تسهم بشكل مباشر في استعادة الاستقرار الاقتصادي، كإعادة بناء البنية التحتية (الطرق، الكهرباء، والمياه)، وكذا تعزيز الزراعة والقطاعات الإنتاجية، بالإضافة إلى الاستثمار في التعليم والصحة؛ كون هذه القطاعات تشكل العمود الفقري لأي استراتيجية اقتصادية ناجحة، وتستفيد من الدعم المالي والفني المقدم من المؤسسات الدولية.