معالم مهددة بالزوال.. كيف تُغير التغيرات المناخية وجه التراث اليمني؟

معالم مهددة بالزوال.. كيف تُغير التغيرات المناخية وجه التراث اليمني؟

(الأول)خاص.

تقرير/ شهاب العفيف

تسببت التغيرات المناخية وما نتج عنها من تبعات، بآثار سلبية على المبان التاريخية والمعالم الأثرية في اليمن.
تمثّلت التبعات، في تقلب مواسم الأمطار وتساقطها بكميات غزيرة غير مسبوقة، إضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة، وزيادة موجات الجفاف في بعض المناطق.
أضرار
التغيرات المناخية التي لم تشهدها اليمن من قبل، الحقت تبعاتها أضرار بالغة في بنية اليمن الأثرية، والتي يزيد عمر بعضها عن مئات السنين.
خلال السنوات الأخيرة، تسببت الأمطار الغزيرة، والسيول الجارفة، انهيار مبانٍ أثرية، وقِلاع وحصون تاريخية، بشكل كلّي أو جزئي، وتشققات وتسرب للمياه بتلك المبان.
كانت التغيرات المناخية جديرة بأن تقضي على كل هذه العوامل لمواد البناء التقليدية وتتسبب في انهيار عدد من المبان التاريخية والمعالم الأثرية في اليمن.
يقول مدير المتحف الوطني بمحافظة تعز، رمزي الدميني، "كنا قبل 20 عاما، نعاني من التدهورات الحاصلة في المباني الأثرية، والناتجة عن الاهمال وعدم الصيانة الدورية لها، قبل أن تزيد حدتها في الآونة الأخيرة بسبب التغيرات المناخية ".
ويضيف الدميني أنه مؤخراً وبسبب التغير المناخي والتغير في نمط الأمطار، وارتفاع درجة الحرارة، وزيادة موجات الجفاف في عدد من مناطق اليمن، جميعها أثرت بشكل واسع على التراث الثقافي المادي بالبلاد.
التراث المادي الأكثر تضررا
يعد التراث المادي الأكثر تضررا بسبب الأمطار الغزيرة التي ضربت في الآونة الأخيرة عدد من المحافظات اليمنية، وأثرت بشكل كبير على مباني التراث العمراني التي تعد مبان تاريخية عمرها يزيد على 100 عام.
هذه المباني هشة وضعيفة، غالبيتها مبنية من الطين كمدينة شبام حضرموت الواقعة شرقي اليمن، أو من الياجور المُحرّق كمدينة صنعاء القديمة، وزبيد بالحديدة، بالإضافة إلى مبان شبيهة لها في مناطق تعز والمخا والبيضاء وغيرها.
بحسب الدميني أن الأمطار الغزيرة والمستمرة لأوقات كثيرة، أدت إلى تسرب المياه في الجدران، ما نتج عنها مشكلات عديدة، حيث عملت على إزالة المادة اللاحمة (اللاصقة) في هذه الجدران، والتي تتكون من مادة الطين والزابور، وأصبحت خاوية من الحماية، ما أدت لتفكك هذه الجدران وانهيارها.
"الزابور" هو فن البناء بالطين الخام المخلوط بالتبن أو مخلفات الحيوانات، ويُبنى بدون قوالب، بل يشكله البناء وفقًا لمخططات المبنى المراد تشييده.
العديد من المباني الأثرية سقطت خاصة في مدينة صنعاء القديمة، وزبيد، والمخا، وتريم، حيث يعود السبب الرئيسي لانهيارها الأمطار الغزيرة. كما يؤكد الدميني.
عوامل التعرية
تتساقط هذه الأمطار على المدينة بشكل مستمر لفترات متفاوتة من أسبوع إلى أسبوعين إلى شهر، بسبب التقلبات المناخية والتي تسببت بمشكلات كبيرة لهياكل بناء هذه المعالم.
كان لبوابة المتحف الوطني بتعز، نصيب من هذه الانهيارات جراء سقوط المباني التي تعلوها بسبب الصراع، ثم جاءت الأمطار والعوامل البيئية وأدت إلى انهيارها بشكل كلّي.
ونجد أن هناك مبان تاريخية وتراثية عمرانية، تقع في أماكن بعيدة عن مراكز المدن، تعرضت لعوامل التعرية، في الوقت الذي تكوت إدارتها من قبل السلطات الأثرية ضعيفة بسبب شحة الامكانيات. وفقاً لرمزي.
حيث تسببت هذه العوامل في بعض المعالم بطمر عدد من السدود الأثرية، إضافة لنمو الأشجار المتطفلة والعشوائية والحشائش على الأسوار والمباني الأثرية ما أدى إلى تغلغل الجذور في هذه الجدران وتسبب بتشققات وانتفاخات فيها وتفككها ثم انهيارها.
هذه المشكلة واجهت العديد من المعالم والمباني الأثرية مثل قلعة القاهرة الأثرية بمحافظة تعز، بالإضافة إلى عدد من الحصون الأثرية في مناطق اليمن.
التغيرات المناخية لها آثار سلبية على المعالم الأثرية والمبان التاريخية، كما حدث لمدينة المخا تسبب ارتفاع الجفاف فيها وتصحر المنطقة، بطمر عدد من المبان الأثرية والتراثية فيها، وارتفاع نسبة الرطوبة والملوحة في الجدران وتآكل أحجارها.
كما تسبب ظهور آفات مثل حشرة الأرضة نتيجة العوامل البيئية، وارتفاع الرطوبة، والتي عملت على تآكل الأخشاب في السوق وانهارت السقوف، حيث تأتي بعد ذلك دور الأمطار وتجتاح المباني التي ليس لها غطاء لتتسبب لها بانهيارات كاملة
وهذا كان سبب انهيار المنازل الأثرية التجارية في مدينة المخا الساحلية، والتي كانت هذه المنازل تمثل رمزا من رموز القهوة اليمنية باعتبار المخا المصدر الأساسي لهذه القهوة والتي تعتبر جزء من حضارة وتراث اليمن الثقافي، حيث كانت هذه المنازل لأسر كبيرة تعمل في تجارة البن وتصديره للخارج.
التأثير يطال قلاع تاريخية
خلال موسم الأمطار الماضي، وتحديدا في شهري أغسطس/آب و سبتمبر/أيلول 2024، تعرضت عدد من القلاع التاريخية لأضرار بالغة، تمثلت بالانهيارات الجزئية وتساقط الأحجار منها، إذ انهار جزء من قلعة شمر يهرعش (قلعة رداع)، في مديرية رداع بمحافظة البيضاء وسط اليمن.
كما تعرضت قلعة الضحي الأثرية بمحافظة الحديدة، لانهيارات جزئية فيها.
وكانت الهيئة العامة للآثار بصنعاء رصدت، الأضرار التي تعرضت لها المعالم الأثرية منذ بداية موسم هطول الأمطار خلال العام الجاري، ومن ضمن تلك الأضرار انهيار أجزاء من قلعة زبيد التاريخية، وانهيار أجزاء من دار الضيافة التاريخي بمدينة المحويت.
بالإضافة إلى تعرض أجزاء من سور مدينة ثلاء التاريخية بمحافظة عمران شمال اليمن، للانهيارات، وتضرر بعض المواقع الأثرية في عدة محافظات يمنية.
مطالبات حكومية
وفي أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، طالبت الحكومة اليمنية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، التدخل لصون وحماية المناطق الأثرية المتضررة جراء الأمطار الغزيرة والفيضانات التي اجتاحت عدد من المدن التاريخية بالبلاد. 
ووفقاً لوزير الإعلام والثقافة والسياحة بالحكومة اليمنية، معمر الإرياني، أن التقارير الميدانية أكدت تضرر مدينتي صنعاء وزبيد المدرجتين على قائمة التراث العالمي، وتعرضها للدمار جراء الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة.
وأضاف "ما يستدعي التدخل العاجل لصون وحماية هذه المناطق المتضررة وإعادة ترميمها لضمان الحفاظ على هذا التراث الإنساني القيم للأجيال القادمة".
أسباب وحلول
يقول أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك بجامعة الحديدة، والاستشاري الدولي للتغيرات المناخية باليمن الدكتور عبدالقادر الخراز، إن هناك مدن تاريخية ومعالم أثرية تأثرت بفعل التغيرات المناخية في اليمن، وبسبب عدم الاهتمام بها، وعدم تطبيق القوانين، ومن هذه المناطق مدينة تريم في حضرموت، رغم وجود مشروع خاص  بإعادة تأهيل المدينة الأثرية.
وأضاف الخراز أنه للحد من انهيارات المدن التاريخية والمعالم الأثرية في البلاد، والحفاظ عليها، يجب الاستفادة من التمويلات المناخية التي تقدم لليمن، وذلك من خلال تخصيص مشاريع لترميم المتاحف والقلاع الأثرية والبيوت الطينية القديمة.
وأكد الخراز أن هناك تمويلات خاصة عالميا بتبعات التغيرات المناخية على المعالم التاريخية منها اليمن، حيث لابد من توجيه التمويلات في هذا الإطار للحفاظ على تلك المعالم.
وتابع: "يجب أن تقوم الجهات الحكومية بالتحرك وعمل العديد من الإجراءات، كتفعيل القوانين وتقديم المشاريع وربطها بما يتعلق بالحفاظ على البيئة والموروث التاريخي، وصيانتها بشكل مستمر".
مشيراً إلى أهمية اتخاذ إجراءات فنيّة للحفاظ على هذه المعالم والآثار التاريخية، وصيانتها، والاهتمام بها بشكل دائم وسنوي.
دمرت الفيضانات التي شهدها اليمن مؤخراً، جزئيا أو كليّا إلى جانب المبان الأثرية،  منازل المواطنين والأراضي الزراعية والبنية التحتية الحيوية مثل المرافق الصحية والمدارس ومشاريع إمدادات المياه والطرق
ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية في اليمن، أنه تأثرت أكثر من 187 ألف أسرة في 20 محافظة بالأمطار الغزيرة والفيضانات خلال الأشهر الماضية، والتي تسببت في أضرار وصفتها الأمم المتحدة بالـ"جسيمة" أثرت على أكثر من 1.3 مليون شخص في عموم البلاد.

*تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منصة ريف اليمن الصحفية ضمن مشروع غرفة أخبار المُناخ والحقوق البيئية “عُشّة”.