من عدن إلى شبوة.. مشاهد خلابة وأوضاع صعبة (الحلقة الأولى)
كتب/ د. الخضر عبدالله:
انطلقنا من مدينة عدن بعد صلاة الفجر بعد أن تفقدنا السيارة التي ستقلنا من عدن إلى شبوة مسافة ما يقارب (331 كيلو مترا).. ومررنا بمخبز الأمل الذي يتوسط مدينة الشيخ عثمان، وقد أخرج الخباز خبز الروتي الساخن فاشتريت بعض الروتي وجبن أبو ولد، وكان معنا شاي من البيت، وجدنا أن الفطور الخفيف أفضل في مثل هذه الحال إضافة لرغبتنا بعدم التوقف، وأثناء الطريق تم التواصل مع أحد الأصدقاء بمدينة عتق بشبوة والتأكيد على الغداء وموعد وصولنا والذي قدرناه بالواحدة والنصف ظهراً.
بعد أن تجاوزنا مدينة الشيخ عثمان بمسافة (20) كيلو مترا تقريبا، وصلنا أول نقطة تفتيش في منطقة العلم (شرق عدن) التي تعتبر حدودا فاصلا بين محافظتي (عدن وأبين) استوقفنا أحد الجنود وبدأ بالإجراءات الأمنية، ويتحقق من الهويات والجوازات ويستفسر عن أسباب الانتقال من عدن.
انطلقنا خارجين مع ساحل أبين نغذ السير لا توقفنا إلا النقاط العسكرية المتكررة والتي لا يبعد بعضها عن بعض إلا مسافات تتراوح من الكيلو إلى الاثنين كيلو! وفي السابق لم يكن هناك إلا نقطة العلم عند مدخل ومخرج المدينة، خرجنا من العلم لتواجهنا مدينة جديدة تبنى خارج عدن تسمى مدينة الخليج.
كثبان رملية وحوادث مرورية
في الطريق الرابط بين محافظتي أبين وعدن تشاهد ثمة كثبان رملية كبيرة تمتد على الطريق بدأت تزحف على الخط الاسفلتي، لتشكل خطراً على السيارات ومستخدمي الطريق من المسافرين، وفي الطريق ثمة رجال مسنون يعملون بجهد لرفع الرمال من الطريق بأدوات بسيطة، يعملون تحت أشعة الشمس الحارقة، يحاولون قدر استطاعتهم رفع الأتربة الرملية الناعمة من الطريق مقابل ما يجود به لهم بعض المسافرين.
ويعد الطريق خطاً دولياً يؤدي إلى محافظة شبوة وحضرموت والمهرة ومنها إلى سلطنة عمان ودول الخليج.
وقد تسبب هذه الطريق بحوادث مرورية كارثية بسبب زحف الكثبان الرملية على الخط الإسفلتي، كما حصد العديد من الأرواح. وعلى جوانب الطريق تنتشر كثبان الرمال الناعمة التي تزحف على الطريق، وتعيق كثيراً سرعة المركبات في الخط.
وفي طريق إلى مدينة زنجبار، والسيارة تبتلع الطريق، عادت بي الذاكرة لاستحضار ذكريات العمل التي كنت حينها معلما في العام 2009م، عندما سلكت هذا الطريق صوب مدينة لودر وما زالت آثار دمار الحرب ومخلفاتها على الطرقات.
وعلى الطريق الشاطئي في وجهتك إلى مدينة (زنجبار) لا تجد إلا بعض العشش المتناثرة هناك التي تختزل معاناة سكانها وثمة إمكانية لتحويلها إلى مدن سكنية.
يتميز الطريق بين (عدن وأبين) بساحل يمتد على مرأى البصر بشواطئ جميلة لا تجد لها مثيلاً عذراء كاشفة جمالها الساحر، تداعبها مياه البحر النقية كمرآة تشاهد وجهك بها.
وعلى الضفة الأخرى يمكن للزائر رؤية سحر أبين الفريد المتمثل بخصوبة الأرض ونسمات الهواء العليل وروائح الورد ومنظر الفواكه والخضروات وكل مفردات الطبيعة الخلابة.
وادي دوفس
أدلفنا على وادي «دوفس» الوادي الأشهر منذ العام 1994م حين دارت فيه اقوى المعارك بين القوات اليمنية والجنوبية إبان حرب صيف 94م.
ترابط في الوادي قوة عسكرية معززة بكافة الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وفي منتصف الطريق استقبلنا نقطة أمنية يرابط فيها عدد من الجنود لتفتيش السيارات الداخلة والخارجة إلى زنجبار. ليفترق الطريق بعد ذلك يسارا باتجاه الكود ومزارع أبين الشهيرة ثم الدخول لمدينة زنجبار ويميناً باتجاه الدائري الذي يجنبك دخول المدينة.
دخول زنجبار
دخلنا مدينة زنجبار فوجدناها بعضها أطلالاً ومباني مهدمة، يعود سببها إلى الحرب بين القوات الحكومية ومسلحي القاعدة في العام (2011م)، وبالقرب من جسر الصين (وادي بنا) تشاهد أناسا واقفين وحالة الحزن واليأس واضحة على محياهم.
وكأن لسان حالهم يقول خسرنا الكثير بفعل الحروب التي دارت هنا، السلطات لم تعوضنا التعويض العادل رغم الحديث عن مليارات التي تحدثت الحكومة عن تقديمها لمتضررين من الحرب.
أثناء عبرونا في شوارع زنجبار ارتسمت في ذهني صورة قديمة للمدينة المظلومة من قِبل الحكومات المتعاقبة ومن أبنائها. (زنجبار) المدينة الوديعة التي حملت مشعل العلم والنور رغم ما حل بها من كوارث وآلام، تملكتني بسحرها وجعلتني أراجع ما علق بالذاكرة من صور مأساوية وللحظات يسيرة ومحدودة في مروري بها، إذ وجدتها كطفلة يتيمة فقدت والدها وتخلى عنها إخوتها وعشيرتها تعاني من التذمر والوضع الذي آلت إليه، وتركنها خلفنا تصارع الجوع والخوف.
وتبعد مديرية زنجبار عن عدن حوالي بـ 75 كيلو، وتقع محافظة أبين على الشريط الساحلي للبحر العربي الذي يمتد أكثر من (300) كيلو متر، وتبعد عن صنعاء بمسافة (427) كيلو مترا، وتتصل المحافظة بمحافظتي شبوة والبيضاء من الشمال، والبحر العربي من الجنوب، وبمحافظة شبوة من الشرق، محافظتي لحج وعدن من الغرب.
مديرية زنجبار يشكل سكانها 2.2 % من إجمالي سكان اليمن، وهي مقسمة إدارياً إلى (11) عزلة ومدينة، والزراعة والاصطياد السمكي النشاط الرئيسي لسكان المحافظة، إذ تشكل المحاصيل الزراعية ما نسبته 4.4 % من إجمالي الإنتاج الزراعي في البلاد، وأهم المحاصيل الزراعية المنتجة في المحافظة هي القطن طويل التيلة والخضروات والفواكه، حسبما أورده موقع "ويكيبيديا".
شقرة الساحلية
خرجنا من زنجبار وولينا وجهتنا إلى (شقرة) وتطير بنا السيارة في سرعة عالية تتمايل بفعل المطبات والحفر الموجودة على طول الطريق وكأنها ترقص على أنغام صوت التراث الأبيني الأصيل (في أبين القلب سالي وأهل السلى حب زارة، لجل السلى سبت ربعي وسبت اهلي بداره).. وكطبيعة الوضع الذي نعيشه نقطة إثر نقطة من الإرسال إلى الشيخ عبدالله إلى ما قبل وجوار جبل الكلاسي إلى مدخل شقرة.. والنقاط الأمنية ممتدة على الطريق، وهذا مما يبطئ سرعة السيارات ويزيد في مدة السفر.
دخلنا شقرة المحروسة وهي من ألطف المدن وكنت قديماً أقول إذا أردت رؤية مدينة على الفطرة خُلقاً لسكانها وخَلقاً لبنيانها كما كانت من ١٠٠ سنة فانظر إلى شقرة تلك المدينة الجوهرة المهملة من قبل السلطات والتي كانت عاصمة للسلطنة الفضلية قبل انتقال السلطنة لزنجبار، وقفنا في السوق واشتريت بعض الفواكه والماء وكان الوقت الذي استغرقنا من عدن إلى شقرة حوالي ساعة ونصف.
انطلقنا سريعاً باتجاه طريق عقبة العرقوب، حيث يتطلب الأمر الصعود والهبوط لأبين المنطقة الوسطى (النخعين ودثينة والعوالق السفلى والعليا) ثم عتق حاضرة شبوة.
كانت السيارة تلتهم الطريق وتطوي المسافة، وقتها كنا على مشارف منطقة "العرقوب"، المنطقة البركانية والتي تذهب فيها حاسة السمع ويحل محلها الصمم نتيجة انعدام الجاذبية، ارتفعنا عن سطح البحر "ثلاثة آلاف قدم"، بدت مدينة "شقرة" كـالثريا المنقوشة على صدر أيوان بلاط ملكي روماني، لبثنا نهرول إلى أن انخفضنا عن مستوى الارتفاع الذي كنا عليه أعلى منحدرات جبال العرقوب، نقطع الكيلومترات تلو الكيلومترات.
لكن المشكلة أنه لا يمر عام إلا وتسجل عقبة "العرقوب " ضحايا من سالكي الطريق، بسبب انحدارها الشديد وكثرة تعرجاتها ما يتسبب في حوادث مرورية مأساوية، خصوصا لمن يسلكونها لأول مرة وتزداد المآسي وتكثر الضحايا خاصة للوافدين والمغتربين من دول الخليج العربي.