حين تهمس القلوب بالسلام

في وطنٍ أنهكته الحروب، وبين جدرانٍ أرهقها الضجيج، لا يزال الأمل ينبت، كزهرةٍ تشقّ طريقها بين الصخور، تُذكّرنا أن الحياة أقوى من الدمار، وأن النور مهما تأخر، لا بد أن يأتي. ليست الكلمات وحدها من تخبرنا الحقيقة، بل تلك العيون التي تبحث عن مأوى، وتلك الأيدي التي ترتجف بين الركام، وذلك الطفل الذي يرسم في دفاتره سماءً بلا طائرات، وبيتًا بلا جدران مهدّمة.
"حان وقت الإنصات لصوت الناس وأنينهم والانتصار لإرادتهم" ليست مجرد جملة كتبها صحفيٌّ في مقال، بل صرخةٌ تخرج من قلبِ هذا الوطن، من نبضِ أمٍّ تحتضن بقايا حلم، ومن نظرةِ أبٍ يعجز عن تأمين قوت يومه، ومن خطواتِ شابٍ يتساءل: متى يكون لنا وطنٌ لا نخاف فيه من الغد؟
إنّ الانتصار الحقيقي ليس في ساحات الحرب، بل في ساحات القلوب، حين نختار أن نتجاوز الكراهية، أن نمحو الحقد قبل أن يمحو أرواحنا، أن نفتح نوافذ الأمل بدل أن نسدّها بالخوف.
لم نخُلق لنحيا في صراعٍ دائم، ولا لنكون أعداءً متناسين أننا أبناء أرضٍ واحدة، تجمعنا لغةٌ واحدة، وتحلم قلوبنا بذات السلام. فمتى سندرك أن الحرب لا تترك خلفها سوى أمهاتٍ ثكالى، وأطفالٍ تيبّست ضحكاتهم قبل أن تتفتح، وأوطانٍ تذبل كما تذبل زهرةٌ في أرضٍ قُطع عنها الماء...
اليمن ليس مجرد وطنٍ أصابه الألم، بل هو حكايةُ صمود، وشعبٌ علّم العالم أن الفجر يأتي لمن يؤمن به، ففي كل بيتٍ يُضاء رغم العتمة، وفي كل ضحكة طفلٍ تتحدى الحزن، وفي كل يدٍ تمتدّ لتصافح بدلًا من أن تقاتل، يولد السلام وإن التعايش والسلام ليس أمنية مستحيلة أو حلمًا بعيدًا، بل هو الحقيقة التي غفلنا عنها، لكنه ينتظر من يوقظها. حين نؤمن أن القلوب تستطيع أن تلتقي، كما تلتقي مياه الأنهار في بحرٍ واحد، سنرى كيف يمكن للحب أن يكون أقوى من العداء، وكيف يمكن للسلام أن يصبح واقعًا، لا حلمًا بعيدًا. هذا الوطن يستحق أن نمنحه فرصة أخرى، أن نروي أرضه ببذور التعايش والسلام لا بكسر الخواطر وتقليل شأن الآخر، وأن نغرس فيه أشجار الأمل، لتُظلّل الأجيال القادمة بحلمٍ مختلف، حلمٍ بوطنٍ لا يخاف فيه الناس من الغد، بل ينتظرونه بشوق.
اليمن، هذا الوطن الجريح كان يومًا يترنم بألحان السعادة والسرور إلى أن سُميت "باليمن السعيد"، هذا الوطن لا يحتاج إلى مزيدٍ من الشعارات، بل يحتاج إلى قلوبٍ تؤمن أن التعايش ليس مجرد احتمال، بل هو المصير الوحيد الذي يستحق أن نرسمه معًا. وحين نقرر أن ننصت حقًا، أن نسمع صوت الناس لا لنردّ عليه، بل لنفهمه، حينها فقط، سيولد فجرٌ لا تُطفئه نيران الحرب، وسيكون للوطن وجهٌ يشبه الحلم الذي لم نفقده بعد وسعادة يعيد لليمن لقبها وتجعلها تترنم من جديد على الحان التعايش والسلام.
ودمتم في كنف الله سالمين ومؤيدين.