(الإضراب من أجل غزة).. هل يؤسس لحركة احتجاج عالمية أكبر؟
(الأول) متابعات خاصة:
أغلاق المتاجر والمدارس والمؤسسات وتوقف الشراء عبر الإنترنت.
حظيت دعوات الإضراب العالمي الشامل للتضامن مع قطاع غزة ضد العدوان الإسرائيلي، باستجابة واسعة وتفاعل كبير في عدد من العواصم والمدن حول العالم.
وشهدت بعض الدول العربية، في 11 ديسمبر الجاري، توقّف مختلف مناحي الحياة بها، ومنها فلسطين ولبنان والأردن، في حين شهدت دول أخرى مشاركات رمزية وفردية.
ويأتي الإضراب العالمي للتضامن مع قطاع غزة، بدعوة أطلقها ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بهدف الضغط على الحكومات المعنيّة للتحرّك والعمل على إيقاف الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ أكثر من شهرين.
استجابة مقبولة
ويرى مراقبون أن التجربة الأولى للإضراب الشامل حظيت باستجابة مقبولة، لكنّها بحاجة إلى تنسيق أكبر وأوسع في الحملات القادمة لتكون أكثر فاعلية في المستقبل.
وشهدت الأراضي الفلسطينية في القدس والضفة الغربية توقّف عمل العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة وحركة المواصلات والمدارس والجامعات والمتاجر، مؤكدين رفض الاعتداءات الإسرائيلية على غزة والضفة.
وفي لبنان الذي تشهد حدوده الجنوبية توترات متصاعدة مع "إسرائيل"، جاء الإضراب بأمر حكومي من مجلس الوزراء ليعمّ جميع مرافق الحياة من مؤسسات حكومية ومدارس وشركات.
كما شهدت العديد من القطاعات التجارية والصناعية وغيرها في الأردن توقفاً كلياً أو جزئياً عن العمل، تلبية للإضراب العالمي الشامل، كما أغلقت معظم شركات القطاع الخاص والمحال التجارية أبوابها استجابةً لدعوات التوقف عن العمل، في حين استمرت الدوائر الرسمية في عملها.
وفي إسطنبول، شاركت مؤسسات تعليمية وتجارية وثقافية، من بينها مدراس ودور نشر ومطاعم، في عدة مناطق، في إضراب جزئي لدعم غزة، حيث كتب المشاركون أن إضرابهم جاء نصرة لغزة، وفيه رسالة احتجاج على الصمت العالمي.
وفي تونس، نفّذت المدارس إضراباً جزئياً ساعتين، بالتزامن مع مظاهرات نظّمها الطلبة، في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية، للتضامن مع سكان غزة.
وفي العراق دعا مجلس علماء العراق إلى المشاركة الفاعلة في الإضراب، وانتشرت بوسترات "أنا من العراق.. مشارك في الإضراب الشامل للمطالبة بوقف العدوان والإبادة الجماعية في غزة".
كما سُجّلت إضرابات فردية في كل من قطر والكويت والمغرب وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية، بالإضافة إلى أصحاب الشركات في القطاع الخاص والمحال التجارية مطالبة بوقف الحرب على غزة.
مواقف مؤيدة
وأعرب العديد من الحكومات والتنظيمات والمؤسسات الدينية والاجتماعية وغيرها عن تأييدها لدعوات الإضراب الشامل للمطالبة بإنهاء الحرب في غزة.
وأصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيان دعم للإضراب العالمي من أجل غزة، وحثّ على المشاركة الفاعلة فيه.
وقال الاتحاد في البيان: "ندعو المسلمين وأصحاب الضمائر الحية إلى المشاركة بقوة في إضراب عالمي شامل الاثنين بغرض وقف الحرب على غزة".
وفي السياق ذاته، قال الدكتور علي القرة داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: إن "الدعوة التي أطلقها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لإضراب عالمي شامل تعكس الوعي الشامل بأهمية المشاركة في هذه القضية، وتحمل رسالة قوية إلى العالم بأسره".
وتابع: "الإضراب ليس مجرد وقفة احتجاجية، بل هو أداة فعالة للضغط السلمي والشرعي على القوى المعنية لوقف الظلم والاضطهاد. وبالنظر إلى الفشل الدولي في وقف الحرب على غزة، يبقى الإضراب خياراً مهماً للتعبير عن الرفض والاحتجاج".
كما دعا المجلس الإسلامي السوري، التابع للمعارضة السورية، كافة السوريين إلى الإضراب نصرةً لغزّة، وإظهاراً لوحدة الأمّة، وتفاعلاً مع دعوات مؤسسات أهل العلم الفلسطينية وغيرها.
وكانت حركة "فتح" الفلسطينية من أوائل من دعا إلى الإضراب الشامل، احتجاجاً على الفيتو الأمريكي الذي أفشل تمرير مشروع قرار دعت إليه المجموعة العربية في مجلس الأمن ويطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
أهداف الإضراب
ويستخدم الإضراب كوسيلة ضغط فعالة، من خلال التوقف عن العمل جماعياً، وتلجأ إليه الشعوب أحياناً من أجل إجبار الحكومات على تغيير سياساتها بشأن قضية معينة.
ويستذكر مراقبون حجم التأثير الاقتصادي والضغط المهم الذي تركه إضراب فلسطين عام 1936، والذي دام أكثر من 6 أشهر، في واحد من أطول الإضرابات الاحتجاجية ضد الانتداب البريطاني والهجرة اليهودية غير الشرعية للأراضي الفلسطينية.
ونجح الكثير من الإضرابات الكبرى حول العالم في إحداث تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية في المجتمعات التي حدثت فيها.
ويؤكد رئيس رابطة شباب لأجل القدس العالمية، طارق الشايع، أنه "اليوم لدينا مستحق عالمي وهو الإبادة الجماعية في غزة، والمجازر التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني بدعم دولي عامة وأمريكي خاصة، وعلى الشعوب التحرك لوقف شلال الدم وإرجاع الحقوق لأصحابها ومحاكمة المعتدي".
ويلفت إلى "أهمية إقامة الإضرابات في الدول الداعمة للكيان الصهيوني، وكذلك الدول المطبعة معه، والدول التي لم تتخذ رأيها في إدانة العدوان الصهيوني على غزة".
ويبيّن الشايع "الخطوات المهمة التي يجب الأخذ بها لإنجاح الإضراب والتأثير على الحكومات، منها تأسيس منظومة عالمية تضم عدداً من المؤسسات الداعمة للحق الفلسطيني، ويتم إصدار بيان لشرح الإضراب وأسبابه وأهدافه ومواعيده وكل ما يتعلق به".
ودعا أيضاً إلى "تأسيس فرق عمل في كل دولة؛ وربطها بالمنظومة العالمية ليكون العمل منظماً وقادراً على تحقيق أهدافه".
ويرى في هذا الصدد أن "الإضرابات الناجحة ومطالباتها تكون تصاعدية، فمن أراد قيادة الإضرابات، وخاصة أنها عالمية، فلا بد من تحديد المواعيد والأهداف بدقة ووضوح" مشدداً على "أهمية تكرار الإضرابات لتحقيق أهدافها؛ ولو استمرت أسابيع وأشهراً".
ودعا الشايع المؤيدين للإضراب لتشكيل قيادة حقيقية لهذا الإضراب، حتى يحقق مبتغاه ويكون مؤثراً؛ وخاصة قيادة المؤسسات الداعمة للحق الفلسطيني؛ مؤكداً أنه "لا يجب ترك الساحة من قيادة واضحة".
وسيلة ضغط
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، أن "الإضراب وسيلة مهمة جداً للضغط على الحكومات والتأثير في اتخاذ القرار تجاه القرارات الشعبوية، من بينها اللوبي الصهيوني والضغط الكبير الذي يمثله على الحكومات".
ويؤكد أن "وسيلة الإضراب كفكرة كانت ممتازة للغاية، لكن كان ينقصها بعض الجوانب الهامة، أبرزها تأخير الإعلان عن الإضراب ومدى الانتشار".
ويشير ذكر الله إلى أن "الكثير علموا بالإضراب في وقت متأخر، لكن لو تم تنسيق هذا الجانب بشكل أفضل لكان من الممكن أن يحدث أثراً أكبر".
ويضيف أن "دعم الدول الغربية، لا سيما الأوروبية، وتعاطفها الكبير مع القضية الفلسطينية ومع ما يحدث في قطاع غزة من إبادة جماعية، كان يستوجب أن تكون الدعوة إلى الإضراب بلغات أكثر لتصل الدعوات إلى الدول كافة".
كما يعتقد الخبير الاقتصادي أن "غياب الدعم الرسمي أو شبه الرسمي للإضراب قد أخر نتائجه المرجوة، ولو كانت هناك جهة شبه رسمية كبرى تقف وراء الدعوة بطريقة ما لكان سيؤتي نتائج كبيرة".