استسلام أم انحناء المؤقت؟!.. تحليل استراتيجي لاتفاق (أمريكا - الحوثيين) من منظور عسكري

استسلام أم انحناء المؤقت؟!.. تحليل استراتيجي لاتفاق (أمريكا - الحوثيين) من منظور عسكري

تقرير (الأول) خاص:

أثار الإعلان المفاجئ عن "استسلام الحوثيين" ووقف الضربات الأمريكية، موجة من التساؤلات والقراءات المتباينة حول دلالات هذا الاتفاق بين جماعة الحوثيين والولايات المتحدة.. وقد أضاف تعليق الخبير العسكري اليمني العميد محمد الكميم مزيدًا من الزخم لهذه التساؤلات، حين وصف ما جرى بأنه "انحناء تكتيكي لا يعكس نية حقيقية للسلام". فهل نحن أمام تحول حقيقي في مسار الصراع اليمني، أم مجرد استراحة محارب؟ وهل يمثل هذا التطور انتصارًا استراتيجياً أم مراوغة حوثية جديدة؟

 السياق السياسي والعسكري للاتفاق
 - التصعيد الأمريكي السابق
خلال الأسابيع الأخيرة، كثفت الولايات المتحدة من عملياتها الجوية ضد مواقع الحوثيين، مستهدفة مراكز القيادة والسيطرة، والمخازن، والبنية التحتية للاتصالات العسكرية. وبحسب مصادر استخباراتية، فإن هذه العمليات نُفذت بدقة عالية، وأثّرت بشكل كبير على قدرة الجماعة في التنسيق الميداني والرد الفوري.
- إعلان ترامب المفاجئ
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الضربات الجوية ستتوقف فوراً بعد "استسلام الحوثيين"، وهو إعلان بدا وكأنه إعلان نصر أمريكي أكثر من كونه إعلان سلام متفاوض عليه، مما طرح تساؤلات حول معنى هذا "الاستسلام" وحدوده الفعلية.
- تأكيد الحوثيين
قال رئيس اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين في اليمن محمد علي الحوثي إن وقف الولايات المتحدة “للعدوان” على اليمن “سيتم تقييمه ميدانيا أولا”.
وأضاف في منشور على منصة إكس “عمليات اليمن كانت ولا زالت إسنادا لغزة لإيقاف العدوان”، مشيرا إلى أن وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة لا يشمل وقف هجمات الجماعة على إسرائيل.

 الرؤية العسكرية
 - الاستسلام التكتيكي
يؤكد العميد محمد الكميم أن هذا الاستسلام ليس سوى استراحة استراتيجية فرضتها قوة الضربات الجوية، حيث أُصيبت البنية العسكرية للجماعة بشكل بالغ، مما دفعها إلى طلب الوساطة العمانية لوقف الضربات.
- منهج (الانحناء المؤقت)
يشير الكميم إلى أن جماعة الحوثي تتبنى منذ سنوات استراتيجية "الانحناء المؤقت أمام العواصف"، بحيث تتظاهر بالتهدئة عندما تضعف قدراتها، ثم تعود لاحقًا بأدوات قتالية جديدة، وغالبًا ما تكون أكثر فتكًا، وهي منهجية أثبتت فعاليتها في بقائها واستمرار تهديدها الإقليمي.
يعتبر العميد الكميم أن اللحظة الراهنة تمثل فرصة استراتيجية للقوات اليمنية الشرعية، إذ ينبغي أن تستغل الانهاك الحوثي للتحرك عسكرياً وعدم الاكتفاء بالتهدئة، وإلا فإن الجماعة ستستعيد قدراتها وتعود بهيكلية أشد تطرفاً.

 أبعاد الاتفاق السياسية والأمنية
 - الأهداف الأمريكية المحتملة
رغم التصريحات العلنية، فإن خلفية القرار الأمريكي قد تتعلق بعدة عوامل:
الرغبة في خفض التصعيد الإقليمي مع إيران.
تقليل التكاليف العسكرية واللوجستية في المنطقة.
تحريك ملف التسوية السياسية قبيل الانتخابات الأمريكية المقبلة.
- الانعكاسات على الداخل اليمني
وقف العمليات العسكرية الأمريكية لا يعني بالضرورة وقف المعارك المحلية. فالجبهات الداخلية، خاصة في مأرب وتعز، ما زالت مشتعلة، وقد يُنظر إلى الاتفاق كعامل يربك استراتيجيات الحكومة الشرعية أكثر مما يدعمها.

 تقييم الموقف
- ضربة للمستشارين الإيرانيين
أشار الكميم إلى أن الضربات الجوية الأمريكية أصابت أيضًا مراكز تواجد المستشارين الإيرانيين، ما يعتبر رسالة مباشرة لطهران بأن دعمها للحوثيين له تكلفة استراتيجية باهظة.
- خيارات طهران القادمة
من غير المستبعد أن تعيد إيران تقييم دعمها التكتيكي للحوثيين، أو تحاول تقوية أدواتها غير المباشرة من خلال تهريب أسلحة أكثر تطوراً، أو الاعتماد على أذرع أخرى في المنطقة.

التحذيرات الاستراتيجية
عدم الانخداع بالمظهر السياسي للاتفاق. لا بد من التعامل مع "الاستسلام الحوثي" كتكتيك لا كموقف دائم.
التحرك الميداني السريع. التأخر في استغلال حالة الانهاك الحوثي قد يؤدي إلى نتائج كارثية على المدى المتوسط.
تشديد الرقابة على عمليات تهريب السلاح. من المرجح أن يحاول الحوثيون إعادة تسليح أنفسهم سريعاً عبر منافذ بحرية.
الدفع نحو تسوية سياسية مشروطة. أي حوار يجب أن يكون مقرونًا بإجراءات تفكيك البنية العسكرية للجماعة.

ما بين الاستسلام والسلام، تقف اليمن على مفترق حاد يتطلب قرارات شجاعة وقراءة واقعية للواقع الميداني والسياسي. فإن كان "الاستسلام الحوثي" حقيقيًا، فليكن بداية لسلام دائم. أما إذا كان مناورة جديدة، فإن تجاهل ذلك سيكون ثمنه دماء جديدة وصراع أشد في المستقبل.