ترمب أو كيف أصبح البلف الرئاسي جزءا من الاستراتيجية العسكرية
مسعود عمشوش
بعكس الغربيين، الذين يعرفون تماما من هو دونالد ترمب ويدركون ميله الكبير للبلف اليومي، يبدو أن كثيرا من الشرقيين ومنهم العرب، يجهلون بعض السمات المميزّة للرئيس الأمريكي الحالي، وأبرزها عدم توقفه عن إخفاء الحقيقة والبلف أو الكذب المستمر. فعند ترشحه أول مرة لانتخابات الرئاسة سنة 2016 لم تتردد الصحف الغربية في التأكيد أن الملياردير الأمريكي ترمب، المرشح الجمهوري، قد قال عددا هائلا من الكذبات خلال حملته الانتخابية. وفي سنة 2017 ذكرت الصحفية كارول ماكغراناهان في دورية أميريكان إثنولوجيست أن "دونالد ترامب مختلف عن بقية السياسيين فهو كذاب فعّال وضليع في أكاذيبه". والعبارة نفسها استخدمتها شيريل غيه ستولبيرغ في صحيفة نيويورك تايمز في سنة 2017 عندما كتبت "لطالما كانت الافتراءات (الفبركات) جزءًا من السياسة الأمريكية، إذ كذب العديد من الرؤساء في السنوات الخمسين الأخيرة. لكن يبدو أن ترامب، كما يتفق المؤرخون والمستشارون من كلا الحزبين، أخذ ما كانت تدعوه الكاتبة هانا أريندت الصراع بين الحقيقة والسياسة لمستوىً جديد غير مسبوق؛ فترامب جعل من الغلو والتضليل والتشويه خبزه اليومي".
وحتى الرئيس الأمريكي السابق باراباك أوباما صرح سنة 2017 لصحيفة " لوس أنجلوس تايمز "أن الرؤساء الأمريكيين من كل الانتماءات قد ضللوا العامة فيما مضى، إما عن طريق الخطأ أو بشكل مقصود تمامًا. لكن دارسي البيت الأبيض وبقية الطلاب الذين يدرسون الحكومة يتفقون أنه لم يكن هناك رئيس سابق يضاهي دونالد ترامب، في حجم أكاذيبه وتصريحاته المغلوطة ومبالغاته المنتظمة".
وفي سنة 2020 ذكرت إذاعة أوروبا الأولى أن عدد الرسائل أو التصريحات الكاذبة التي وجهها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب خلال فترة ولايته مرتفع بشكل كبير بحسب "مدقق الحقائق" الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست". وذكرت أنه قبل الانتخابات الرئاسية، حدث أن بلغ عدد التصريحات الكاذبة لترمب 503 تصريحا كاذبا في يوم واحد وكلها مسجلة في الجريدة". وخلال حملة ترمب لترشحه الثاني للرئاسة ظلت نيوزويك تحصي "كذبات" ترامب في مناظرته مع هاريس وبيّنت أنه لم يكف عن البلف.
إذن، من المسلم به أن ترمب (بلاف) لا يضاهى، والأدهى أنه لم يتردد في وظيف لسانه وموقعه كرئيس أكبر دولة عظمى اليوم لنقل الكذب من مجال الحملات الانتخابية والسياسة إلى مجال الحرب. ومن الواضح أن السياسيين والعسكريين الإيرانيين، الذي يشتهرون بالحنكة، قد وقعوا خلال هذه الحرب وما سبقها في فخ أكبر سمة يتميّز بها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب: البلف والتضليل. فقبل أن تشن إسرائيل هجماتها على إيران قبل ستة أيام أكد ترمب أنه أمهل إيران أسبوعين للموافقة على رؤيته لمصير مستقبلها النووي. وقبل ثلاثة أيام كرر النغمة نفسها وقال إنه يمهل إيران أسبوعين قبل أن تدمر طائراته ثلاثة مواقع نووية شديدة التحصين. واليوم ذكرت أسوشيتد برس أن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث، قال اليوم الأحد "إن قرار نقل عدد من قاذفات بي - 2 من قاعدتها في ميسوري في وقت سابق من أمس السبت كان بمثابة عملية خداع لتضليل الإيرانيين" وأضاف هيجسيث، "أن الولايات المتحدة استخدمت أيضا وسائل خداع أخرى، حيث نشرت مقاتلات؛ لحماية قاذفات بي - 2 التي أسقطت 14 قنبلة خارقة للتحصينات على أقوى موقع نووي إيراني".
صحيح أن الحرب خدعة. لكن أن يكون رئيس الدولة هو من يتولى مهمة (البلف) فهذا أمر مثير حقا. ومن المثير أيضا أن الرئيس الإيراني لم يكتشف إلا اليوم أن "واشنطون هي المحرك الرئيسي للضربات الإسرائيلية. واليوم انظمت إلى الساحة بعد أن شهدت عجز إسرائيل".