ذبح عدن

كنا ذات يوم من أيام ٢٠٠٤م، ان لم تخني الذاكرة، نحضر حفل غداء بمناسبة زواج نجل احد الاصدقاء، فألتقيت باستاذنا الكبير عطر الذكر هشام باشراحيل وكان بصحبته الاخ العزيز عيدروس باحشوان، لم اكن قد التقيت الاخ باحشوان منذ فرقتنا حرب ١٩٩٤م، وعندما رأى هشام ان زميلنا باحشوان مرتبك بعد السلام على بعضنا قال لباحشوان، هذا محمد الموس ما عرفته؟ فقال باحشوان، بلى عرفته لكن لماذا تغير هكذا؟ فقلت له ضاحكا، هذا من أثار سياسة الاصلاح الباجمالية، فاضاف ابو باشا بأسلوبه اللاذع، ضاحكا، هذا من نتائج (الجرع)
كنت حينها اواجه اول هجمة للسكر، كفاكم الله المرض، وكما يحدث مع كل مرضى السكر فان الهجمة الاولى تكون مؤثرة لأن مريض السكر لم يحسن صداقة السكر في بادئ الأمر.
كانت حكومة باجمال (رحمه الله) تقوم آنذاك بخصخصة مؤسسات الجنوب، والواقع انها لم تكن خصخصة بالمعنى الاقتصادي ولكنه كان بيع بثمن بخس تحولت معه كثير من المؤسسات في الجنوب الى مجرد اراض وعقارات في سوق السمسرة وتحول معه الكادر الجنوبي بكل التراكم المعرفي الى مجرد بشر زائدون عن الحاجة اشتهر بتسمية (خليك في البيت).
وتحول ما تبقى من مؤسسات الجنوب الى مجرد مكاتب ببطالة مقنعة تمارس اصدار (شتاتي) الرسوم والضرائب، فقد اختفت باصات النقل الداخلي التي كنا نضبط ساعاتنا على مواعيدها وتحول موظفيها الى تحصيل شناتي فرزة من ملاك سيارات الاجرة، واختفى الاسطول السمكي الحكومي وكل كوادره وتحولت هيئات الاسماك الى مجرد ادارة اسواق حراج تقتطع مصروفها من الصياد الفردي، وتحولت مصفاة عدن الى مجرد خزانات لتجار الوقود، وقيس على ذلك في باقي المؤسسات الوطنية في كل الجنوب.
اما في عدن، على وجه الخصوص، فلم تشهد اي تحديث لبنيتها الخدمية منذ قال السلطان قابوس، رحمه الله، انه يتمنى ان يرى مسقط مثل عدن، اذ لم تشهد تطوير لانتاج الكهرباء سوى الكهرباء البخارية التي بناها السوفييت قبل اكثر من خمسون عاما، ومحطة بترو مسيلة التي لا يراد لها ان تعمل، وفي مجال المياة لم بتم إنشاء اي خزانات جديدة سوى الخزانات التي بنتها بريطانيا.
وفي مجال التخطيط العمراني فقد اكتمل تحويل عدن الى غابة خرسانية تفتقر الى اي مظهر مدني حضاري، فلا مساحات خضراء ولا ملاعب اطفال ولا مواقف سيارات، ولم نعد نسمع عن (مستر بلان) لعدن.
كل هذه الكوارث التي اصابت وتصيب عدن كان الكادر السياسي والاداري الجنوبي شريكا فيها، بوعي او بدون وعي، فعدن كمدينة اصبحت على المسلخ ولن يغير حالها لا (عواجل) رئيس الوزراء ولا (طوارئ) الانتقالي، فالعواجل والطوارئ لم تجد حلا حتى لتشغيل الكهرباء ولا تنتظروا ان يأتي الوطن جنودا من السماء يصلحونه اذا لم يقم بذلك ابناءه.