عدن لم تمت بعد
حينما كنا صغارًا، أتذكر أنني كنت، عندما كان يخبرني والدي أننا سنذهب إلى الحبيبة عدن، يقفز قلبي من شدة الفرح، رغم أنها ليست رحلة ترفيهية، بل رحلة علاجية.
ولكن ما إن أسمع بالسفر إليها حتى أفقد صوابي.
كيف لا، وهي مدينة السلام، مدينة التعايش، مدينة القلوب الطيبة والوجوه المبتسمة.
كيف لا، وهي أحب البقاع إلى قلبي بعد الباسلة أبين.
كيف لا، وهي رغم جراحها، تبتسم وتسعد بقدوم زوارها وضيوفها.
كيف لا، وهي مقصد العاشقين المتيمين، وسبيل الداهين الحائرين.
كيف لا، وهي دار من لا دار له، ومنزل يأوي كل من طرق بابها، ولجأ إليها دون تردد.
فهكذا هي عدن، تمرض لكنها لا تموت.
لم تمت بعد، نعم، هكذا هي عدن، تمرض كثيرًا، وربما قد تنزف دمًا كثيرًا، وتزداد جراحها تعقيدًا يومًا بعد يوم، وقد يعتقد الجميع أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وهم معذورون في ذلك.
لأنهم لا يعلمون حقيقتها؛ حقيقة صبرها وتحملها، حقيقة صمودها أمام هذا البلاء الذي حل بها، والكرب الذي أرهق أركانها وأتعب ساعديها.
عدن، يا سادة، ليست كباقي المحافظات، فعندها من التحمل والصبر ما لو تم توزيعه على باقي المحافظات لكفاها.
هكذا هي عدن.
طوبى لكِ يا عدن، فقد كسرتِ حاجز الصبر والتحمل، فوالله، ما يجري لكِ لن تتحمله أي محافظة أخرى.
كبيرةٌ أنتِ يا عدن، نعم، كبيرة، لأنكِ قد زرعتِ في نفوسنا أن نبتسم رغم الوجع الذي بداخلنا، والكرب الذي أرهق أرواحنا.
فأنتِ – ورب محمد – شامخة، حرّة، أبية، لا تركعي، ولن تركعي لأحد.
سلامًا لكِ يا عدن... سلامًا لكِ يا عدن.