ما بين عجز وتراخي حكومة بن بريك!.. انهيار اقتصادي متسارع وانفجار شعبي وشيك

تقرير (الأول) المحرر الاقتصادي:
تشهد الساحة اليمنية حالة من الغليان الاقتصادي، في ظل تدهور حاد للعملة الوطنية وعجز حكومي واضح عن مجابهة التحديات. تتعرض حكومة سالم بن بريك لانتقادات واسعة النطاق من قبل خبراء الاقتصاد ووسائل الإعلام والمواطنين، بسبب ما يعتبره كثيرون فشلًا ذريعًا في إدارة الأزمة، وغيابًا كاملاً للمعالجات الجذرية.
سوق الصرف يفلت من السيطرة
شهد الريال اليمني انهيارًا قياسيًا، حيث تخطى سعر صرف الدولار حاجز 2800 ريال في السوق السوداء، ما يشير إلى فقدان تام للسيطرة على السياسة النقدية. يعود هذا التدهور إلى جملة من الأسباب المتراكمة، أبرزها غياب الإصلاحات المالية، واستمرار الفساد المستشري داخل مؤسسات الدولة، وسوء إدارة الموارد العامة، إلى جانب انعدام الشفافية وضعف الرقابة على سوق الصرافة.
رغم محاولات البنك المركزي اليمني في عدن للتدخل عبر حملات رقابة على المضاربين واتخاذ بعض الإجراءات التنظيمية، إلا أن هذه الجهود تظل محدودة وغير فعّالة في غياب الدعم الحكومي والتنسيق بين الوزارات المعنية، مما يجعل السوق النقدية عرضة لتقلبات خطيرة دون أي مظلة حمائية حقيقية.
فوضى مالية وغياب للحكومة
شير المعطيات إلى حالة من العجز البنيوي في تحصيل الموارد العامة، سواء من الإيرادات المحلية أو السيادية، وسط تضارب مستمر في التوجيهات المالية. تُصدر أوامر صرف وتعزيزات مالية دون أرصدة حقيقية أو موازنات واضحة، ما يعكس تخبطًا في التخطيط وغيابًا للرؤية الاقتصادية. تتعمق الفوضى المالية في ظل غياب نظام رقابي فاعل، وتفكك إداري واضح في مؤسسات الدولة، ما يؤدي إلى هدر واسع للموارد.
غضب شعبي وشيك
لم تعد تداعيات الأزمة الاقتصادية محصورة في الأرقام والمؤشرات، بل انعكست مباشرة على الحياة اليومية للمواطنين. ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتآكل القدرة الشرائية، وتفاقم معدلات الفقر، تدفع المواطنين إلى حافة الانهيار. في المقابل، تصاعدت حدة الغضب الشعبي على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تتهم الحكومة بالعجز والفساد، وتجاهل هموم الناس.
يرى محللون أن الهوة بين الشارع والسلطة التنفيذية تتسع، محذرين من تداعيات اجتماعية وأمنية وشيكة إذا استمرت الحكومة في إصدار قرارات غير قابلة للتطبيق، دون توفير تمويل حقيقي أو برامج واقعية لتخفيف الأعباء المعيشية.
سيناريوهات الإنقاذ
في ظل هذه الأوضاع الكارثية، يطرح عدد من خبراء الاقتصاد والإدارة حزمة إجراءات إنقاذية لا تحتمل التأجيل، أهمها:
- إعلان حالة طوارئ اقتصادية وطنية، وتشكيل غرفة عمليات تضم ممثلين عن البنك المركزي ووزارات المالية والتخطيط والرقابة، بهدف توحيد القرار المالي وضمان تنفيذه.
- وقف التوجيهات المالية غير الممولة، وربط أي عملية صرف أو إنفاق بتوفر مصادر تمويل حقيقية، بما يمنع التضخم المالي العشوائي.
- إعادة هيكلة أولويات الإنفاق العام، وتوجيه الموارد المتاحة إلى الخدمات الأساسية مثل الصحة، والتعليم، والغذاء، بما ينعكس على معيشة المواطن.
- منح البنك المركزي صلاحيات مستقلة للتدخل السريع في السوق دون قيود إدارية أو سياسية، وتوفير غطاء قانوني لتدخله.
- تنظيم شامل لسوق الصرافة، عبر فرض نظام ترخيص موحد، وتفعيل الرقابة الإلكترونية، وإغلاق الشركات غير الملتزمة، وملاحقة المتلاعبين بالعملة.
- تعزيز التنسيق الأمني والقضائي لمحاسبة المتورطين في عمليات المضاربة والفساد المالي، دون تدخلات أو حصانة.
- فرض رقابة صارمة على المنافذ الحدودية لمنع تهريب العملات الأجنبية، خاصة في ظل تقارير عن شبكات تابعة لميليشيات الحوثي وشركاء إقليميين متورطين في عمليات غسيل أموال وتحويلات مشبوهة.
بين العجز والتراخي المواطن يدفع الثمن
بات واضحًا أن استمرار الوضع الراهن ينذر بانهيار شامل على كافة المستويات، ما لم تتخذ حكومة سالم بن بريك إجراءات عاجلة وجادة تخرج عن إطار التصريحات والوعود غير المنفذة. إن استعادة ثقة المواطن تتطلب إرادة سياسية قوية، وإصلاحًا إداريًا وماليًا شاملًا، إلى جانب محاسبة حقيقية لكل من تسبب في هذا الانهيار.
الطريق نحو التعافي يبدأ بالاعتراف بالفشل، وتفعيل أدوات الدولة بكفاءة، وتقديم المصلحة العامة على الحسابات السياسية الضيقة. فالشعب لم يعد يتحمل المزيد، والدولة أمام اختبار وجودي حقيقي.