فضائح بالأرقام يكشفها وزير وصحفي..  من يُنقذ اقتصاد اليمن؟

في ظل الانهيار الاقتصادي الذي ينهش اليمن من شماله إلى جنوبه، كشف وزير الإعلام معمر الإرياني أن ميليشيا الحوثي تجني ما بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار سنويًا من تجارة المشتقات النفطية، تستخدمها في تمويل الحرب وإثراء قادتها، دون أي التزام بتوفير الرواتب أو الخدمات. في المقابل، أشار الصحفي ماهر البرشاء إلى أن الإيرادات والجبايات الضخمة في المناطق المحررة قادرة على تغطية مرتبات الموظفين وتحسين حياة المواطنين، لكنها تُهدر وتذهب إلى جيوب الفاسدين، متسائلًا بمرارة: "هل من ينهب بهذا الشكل يمكنه بناء دولة؟".

فضائح بالأرقام يكشفها وزير وصحفي..  من يُنقذ اقتصاد اليمن؟

تقرير (الأول) المحرر الاقتصادي:

في الوقت الذي يعاني فيه اليمن من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم، تتكشف يومًا بعد آخر معالم اقتصادين متوازيين في البلاد: أحدهما تمارسه ميليشيا الحوثي في المحافظات غير المحررة، والآخر تديره الحكومة المعترف بها دوليًا في المناطق المحررة. لكنّ المفارقة الموجعة أن كليهما يُتهم بالفساد، ويُحمَّلان مسؤولية تجويع الشعب اليمني وإفقاره.

3 مليارات دولار سنويًا في خزائن الحوثيين من تجارة النفط
اتهم وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني جماعة الحوثي بتحويل تجارة المشتقات النفطية إلى المصدر الأول لتمويل حربها وبسط نفوذها، مؤكّدًا أنها تجني سنويًا ما بين 2.5 إلى 3 مليارات دولار من هذه التجارة، دون أن تُورّد شيئًا من العائدات إلى خزينة الدولة، أو تُصرف رواتب الموظفين، أو تُحسّن من مستوى الخدمات في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وفي الحلقة الرابعة من سلسلة "الاقتصاد الموازي لمليشيا الحوثي"، أوضح الإرياني أن الجماعة تحتكر منذ سيطرتها على ميناء الحديدة عمليات استيراد المشتقات، حيث فرضت رسومًا جمركية وضريبية وصلت إلى 120 دولارًا للطن الواحد. وخلال الفترة الممتدة من أبريل 2022 حتى منتصف أغسطس 2023، دخلت 157 سفينة نفطية محملة بأكثر من 4 ملايين طن متري، تم تحصيل ما يقارب 374 مليون دولار منها من مادة البنزين فقط.
ووفق تقرير صادر عن مبادرة "استعادة" (Regain Yemen)، فقد جنت الجماعة خلال عام واحد فقط – بين مايو 2023 ويونيو 2024 – ما يقارب 789 مليون دولار من الرسوم والضرائب المفروضة على الوقود:
332.6 مليون دولار من البنزين
173.9 مليون دولار من الديزل
95.7 مليون دولار من الغاز
كما كشفت تقارير عن حصول الجماعة على شحنات مجانية من النفط والغاز من إيران تشكل نحو 50% من إجمالي وارداتها، بكمية تتجاوز 2 مليار لتر وعائدات وصلت إلى 1.57 مليار دولار.
اللافت أن الحوثيين يبيعون هذه المشتقات بأسعار مضاعفة داخل مناطق سيطرتهم، حيث يصل سعر دبة البترول سعة 20 لترًا إلى نحو 18.7 دولارًا، مقارنة بـ10.3 دولار فقط في المناطق المحررة، فيما تبلغ أسطوانة الغاز 13 دولارًا، مقارنة بـ3.4 دولار فقط في المناطق الخاضعة للحكومة.
وأكد الإرياني أن هذه الأموال تُستخدم لشراء الأسلحة، وتمويل الهجمات على الملاحة البحرية، وتجنيد الأطفال، ودفع رواتب مقاتلي المليشيا، بينما يعيش ملايين اليمنيين تحت خط الفقر، في ظل تضاعف أسعار الوقود والخدمات وغياب الدولة.

 جبايات مهولة في المناطق المحررة لا تذهب للناس
الفساد لا يقتصر على الحوثيين وحدهم، بل يمتد – بحسب تقارير صحفية وشهادات محلية – إلى المناطق المحررة. إذ أكّد الصحفي ماهر البرشاء أن إيرادات هذه المحافظات والجبايات المفروضة على المواطنين والمركبات "قادرة على تغطية مرتبات موظفي الدولة بشكل منتظم، والمساهمة في تحسين معيشة الناس"، إلا أن تلك الموارد "تُهدر وتذهب إلى جيوب الفاسدين"، بحسب تعبيره.
وذكر البرشاء أن ما يقارب نصف مليون ريال يمني (نحو 330 دولارًا) تُدفع كجباية عن كل ناقلة نفط تمر في المحافظات المحررة، متسائلًا: "هل يُعقل أن يُنظر إلى هذا الرقم كأمر طبيعي؟ وهل من ينهب بهذه الطريقة قادر على بناء دولة؟".
وأضاف البرشاء في منشوره الناقد: "ثروات الشعب تُنهب وحقوقه تُلتهم تحت شعارات زائفة. كرامة الناس مطلب، وحقوقهم حقٌ شرعي يكفله الدستور والقانون... يا لصوص!".

مفترق طرق: الشعب يدفع الثمن
بين مليارات الحوثي المنهوبة، ومليارات الشرعية المهدرة، يقف اليمنيون أمام واقع اقتصادي كارثي. فالموظفون بلا رواتب منذ سنوات، والمواطن يدفع أضعاف الأسعار لشراء الوقود والغذاء، فيما لا يرى أثرًا لعائدات الدولة، سواء في مناطق الانقلاب أو الشرعية.
دعوات تتزايد من الداخل والخارج لتجفيف مصادر تمويل الحرب، وتحقيق الشفافية المالية، وتحويل عائدات النفط والغاز والضرائب إلى جهة محايدة تصرف منها الرواتب وتحسّن الخدمات. لكن حتى اليوم، يبدو أن مافيات الحرب تواصل السيطرة على مفاصل الاقتصاد، فيما تُترك الغالبية العظمى من اليمنيين لمواجهة المجاعة والقهر وحدهم.