انفلات الصرف ومضاربات الظل.. خبير في الإدارة المالية يطرح خارطة طريق لوقف انهيار العملة

كتب (الأول) د. علي الزامكي:
شهد سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الريال اليمني خلال يونيو 2025 ارتفاعًا حادًا تجاوز حاجز 2700 ريال للدولار، وهو ما يُعد مؤشرًا خطيرًا على تدهور الوضع النقدي والاقتصادي في البلاد، ويهدد بموجة جديدة من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
نسعى من خلال هذا المقال إلى تحليل الأسباب الجوهرية والمباشرة لهذا الارتفاع، مع استكشاف العوامل غير الظاهرة كالمضاربة والتوظيف السياسي، وتقديم توصيات عملية لمعالجة الأزمة على المدى القصير والمتوسط.
أسباب ارتفاع سعر الدولار
1. الأسباب الاقتصادية والمالية
تآكل احتياطي النقد الأجنبي: انخفاض موارد الدولة من العملة الصعبة، خاصة من الصادرات النفطية والتي كانت تشكل ما نسبته 76 % من موازنة الدولة وأحد المصادر الأساسية للنقد الأجنبي، والتحويلات النقدية من المغتربين اليمنيين والتي يجب الوقوف عليها ومعالجة اي اختلالات مرتبطة بضعف هذا المورد الهام.
تراجع الإيرادات العامة وعجز الموازنة: الإنفاق الحكومي مستمر رغم غياب موارد مستدامة حيث شكل عدم الاعتماد على خطة انفاق شهري مرتبطة بالإيرادات تراجع كبير في الإيرادات العامة .
ارتفاع فاتورة الواردات: اليمن يعتمد على الاستيراد لتغطية معظم احتياجاته، مما يخلق طلبًا دائمًا على الدولار.
2. الأسباب السياسية والنقدية
الانقسام النقدي بين صنعاء وعدن: وجود بنكين مركزيين وسياسات نقدية متضاربة وفئتين من العملة أدى إلى تشوهات نقدية خطيرة.
ضعف الثقة في السياسة النقدية: غياب الشفافية والتواصل المؤسسي مع السوق من قبل البنك المركزي ساهم في زيادة القلق العام.
3. العوامل غير الظاهرة (الخفيّة)
مضاربات منظمة في سوق الصرف: نشاط غير قانوني لشبكات صرافة تعمل على التلاعب بالسعر لتحقيق أرباح.
تسييس سعر الصرف: أطراف قد تستخدم تدهور الريال كورقة ضغط سياسي أو لتقويض الحكومة الشرعية.
ضخ سيولة نقدية دون غطاء: الكتلة النقدية والتحكم بها خارج ادارة السياسة النقدية من قبل البنك المركزي ودون غطاء أجنبي لها يؤدي إلى فقدان قيمتها.
4. العوامل النفسية والسوقية
هلع المواطنين والتجار: تزايد تحويل المدخرات من الريال إلى الدولار.
توقعات سلبية مستقبلية: عدم وجود بوادر لتحسن قريب، مما يدفع الجميع للبحث عن عملة مستقرة.
التوصيات والمعالجات المقترحة
أولاً: على المدى القصير (3 – 6 أشهر)
1. تشديد الرقابة على سوق الصرف:
منع المضاربات غير المشروعة.
تفعيل دور البنك المركزي في مراقبة نشاط الصرافين.من خلال نافذة واحدة يديرها البنك المركزي
2. تنشيط السياسة الإعلامية النقدية:
إصدار بيانات دورية من البنك المركزي لطمأنة السوق وتعزيز الشفافية .
تفعيل ادوات البنك المركزي المباشرة و غير المباشرة للتحكم بالكتلة النقدية لضبط العرض النقدي والطلب عليه لاستقرار سعر الصرف ووقف التضخم حفاظاً على القوة الشرائية ومنع ارتفاع الاسعار في السلع الأساسية
3. التنسيق مع المانحين والداعمين الإقليميين:
العمل على استقطاب دعم نقدي فوري يعزز احتياطيات العملة الأجنبية.
ثانيًا: على المدى المتوسط (6 – 18 شهرًا)
1. توحيد السلطة النقدية:
السعي الجاد نحو توحيد ادارة القطاع المصرفي وسوق الصيرفة في كل اليمن أكان في المحافظات المحررة او المحافظات الغير محررة تحت سلطة وادارة البنك المركزي في عدن .
2. تعزيز الصادرات والإنتاج المحلي:
تفعيل وكفاءة الموانئ البحرية والجوية والبرية والمصافي والمنشآت الإنتاجية لزيادة تدفقات الدولار.
3. استقرار سياسي ومؤسسي:
تحسين بيئة الأعمال والاستثمار وإعادة الثقة بالمؤسسات الرسمية.
4. إصلاح النظام الضريبي والجمركي:
تعزيز الموارد العامة بطرق منظمة، والتحول الرقمي نحو فاعلية وكفاءة التحصيل الضريبي والجمركي .
ختاماً:
يعد استقرار سعر الصرف أساسًا مهمًا لأي استقرار اقتصادي. ويتطلب الخروج من الأزمة الحالية حزمة متكاملة من الإجراءات العاجلة والاستراتيجية، بإرادة سياسية جمعية ( مجلس القيادة الرئاسي ولجنة التشاور والمصالحة واللجنة الاقتصادية العليا واللجنة القانونية والسلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة ، وبتنسيق محكم مهمّ ايضاً بين السياسة النقدية والسياسة المالية ، مع تعزيز الشفافية والمساءلة.