السلفيون من باحات المساجد إلى ساحات القتال
يعرف السلفيون بأنهم اهل السنة والجماعة، وهم في الواقع ليسوا حزب سياسي ولا تيار فكري، وليسوا كذلك تنظيم إرهابي، ولا يسعون للسيطرة السياسية على السلطة في البلاد، وليس لديهم مؤسسون أو قيادات وأسرار وتنظيمات، وغير ذلك من صور وتفاصيل العمل الحزبي والسياسي بشقيه السري والعلني، ولكنهم دعاة إلى الله، يسيرون على خطى رسول صل الله عليه وسلم، ومن بعده الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ورأس دعوتهم التوحيد والتحذير من الشرك والبدع والخرافات الدخيلة على الإسلام الحنيف، وهم بذلك يمثلون المنهج والعقيدة الصحيحة والوسطية والإعتدال، ولذلك فهم ابعد الناس عن الفوضى والفتن تحت أي مسمى كان والأحداث تشهد بذلك، إلى جانب انهم الوحيدون الذين يدعون المسلمين إلى السمع والطاعة للحاكم المسلم وترك الفرقة والإختلاف والخروج عليه، وهم أيضا الصادقون الذين واجهوا المليشيا الإنقلابية الحوثية في عقر دارها قبل غيرهم، وضحوا بالغالي والنفيس وسكبوا الدماء الزكية الطاهرة من أجل التصدي للحوثيون دفاع عن النفس والمال والعرض، وبدوافع دينية وعقائدية ووطنية منقطعة النظير لا ينكرها إلا أعمى البصر والبصيرة،
البدايآت الأولى كانت مع عودة الشيخ المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله من السعودية إلى مسقط رأسه في قرية دماج الواقعة بمديرية الصفراء بمحافظة صعدة عام 1982، وقيامه بالدعوة إلى الله وفق منهج وعقيدة أهل السنة في بيئة زيدية شيعية متعصبه مما جعل مشائخ الزيدية في قلق وإستنفار من الدعوة الجديدة، وبسببهم عان الشيخ مقبل رحمه الله معاناة شديدة، وبعد صراع عقائدي وفكري مرير معهم تدخلت الحكومة اليمنية في صنعاء، وشكلت وساطة لإنهاء الصراع المحتدم والصلح بين الطرفين، وافضت الوساطة الحكومية إلى توقيع وثيقة عرفت بوثيقة "التعايش السلمي"، وقد وقع على هذه الإتفاقية عن أهل السنة ومواطني قرية دماج الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله، ووقع عليها من مشائخ الزيدية بدر الدين الحوثي ومحمد عبد العظيم الحوثي وصلاح فليته وغيرهم، وتمت المصادقة عليها من قبل الحكومة اليمنية في صنعاء ؛ من خلال رئيس مجلس الوزراء آنذاك عبد الكريم الإرياني عام 1982 وإستمر العمل بتلك الوثيقة حتى إنتهكها الحوثيون ونقضوها بشمل كامل في 20 إكتوبر 2011، بعدما ضربوا طوق من الحصار الخاتق والمميت على طلبة العلم والموطنون هناك، وإرتكبوا إلى جانب الحصار جرائم حرب وإبادة جماعية ضد السكان في ضل صمت محلي وإقليمي ودولي مخجل، حتى إنتهى بهم المطاف إلى قيامهم بتهجير طلبة العلم والسكان وتشريدهم إلى خارج المحافظة، برعاية مباشرة من حكومة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي،
السلفيون المهجرون قسريا عادوا إلى قبائلهم وقراهم ومدنهم، ولكن سرعان ماحملوا السلاح واعلنوا، وقوفهم العلني والصريح إلى جانب الشرعية والتحالف العربي، وخاضوا معارك عسكرية ضارية إلى جانب رجال المقاومة والجيش، وتمكنوا وخلال فترة وجيزة من تشكيل وقيادة مجاميع قتالية شعبية ارعبت الإنقلابيون المدعومون وبقوة من النظام الإيراني، ومع مرور الوقت إستطاعوا إنشاء وتشكيل ألوية ومحاور قتالية، وبفضل إنجازاتهم الميدانية وتحقيقهم للعديد من الإنتصارات وإخلاصهم ووفاءهم للشرعية والتحالف، تم الإعتماد عليهم وترقية العديد منهم إلى مناصب عسكرية مرموقة، وصولا الى إختيار الشيخ عبد الرحمن صالح عقيل المكنى بـ أبو زرعة المحرمي قائد قوات العمالقة الجنوبية إلى عضوية مجلس القيادة الرئاسي، كأول قائد سلفي يصل إلى منصب الرئاسة اليمنية عبر التأريخ اليمني المعاصر،.
الحق يقال ان الحوثيين اجبروا السلفيين للإنتقال من باحات المساجد وطلب العلم إلى ساحات القتال، وذلك عندما حاصروهم وقتلوا العديد منهم وهجروهم ظلم وعدوان من دار الحديث للعلوم الشرعية في دماج قبل سنوات، ولهذا حقق المقاتلون السلفيون رغم قلتهم ومشاكلهم البينية، ورغم اعداءهم الكثر في الداخل والخارج، إنجازات دعوية وعسكرية وسياسية كثيرة على الأرض، وصدق الله القائل: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} حاصرهم الحوثيون وقاتلوهم في صعدة، وخذلتهم الأحزاب السياسية، وتأمرت عليهم بعض الدول الإقليمية والعالمية، وارادوا إسقاطهم ومحو دعوتهم من الوجود كونهم يمثلون الخط الأصيل للإسلام الصحيح، ولكن أراد الله لهم النصر والتمكين، فبعد أن كانوا مستضعفين في الأرض أصبحوا قادة يحترمون ويشار إليهم بالبنان، وبعد أن كانوا طلبة للعلم فقط صاروا مقاتلين أشداء يحسب لهم الأعداء الف حساب وحساب، ولهذا يحاول البعض اليوم الإصطياد في الماء العكر والتشويه بهم من خلال قنوات الدفع المسبق والذباب الإلكتروني على مواقع التواصل الإجتماعي، ولكن تناسى هؤلاء سنن التغيير الإلهية والتدافع بين الناس، ولم يفقهون واقعهم ونسوا وعد الله لعباده الصالحين بالإستخلاف في الأرض، قال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امنا يعبدوني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}،