سجال (آل البيض) يشعل معركة الهوية (الجنوبية) والسقلدي يفك الاشتباك!

 اشتعل سجال علني بين الشقيقين عمرو وهاني علي سالم البيض، نجلي الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض، ليتحوّل الجدل إلى معركة فكرية حول هوية (الجنوب العربي) وموقع حضرموت منها، في لحظة سياسية حرجة يعيشها الجنوب.

سجال (آل البيض) يشعل معركة الهوية (الجنوبية) والسقلدي يفك الاشتباك!

تقرير (الأول) المحرر السياسي:

البداية كانت بتصريحات لافتة من عمرو البيض، القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي، قال فيها إن "الجنوب العربي ليس جنوب اليمن، بل جنوب الجزيرة العربية بهويته الممتدة من حضرموت والمهرة إلى عدن وسقطرى".


وأوضح عمرو أن "الاسم لا يُعدّ ضعفًا بل عمقًا حضاريًا"، مضيفًا أن حتى (اليمن) كمسمّى أصله جغرافي يعني الجنوب، مؤكّدًا أن المشروع الجنوبي الحديث يقوم على لامركزية سياسية وهوية جامعة تتجاوز الخلافات المناطقية والتاريخية.


لكنّ حديث عمرو أثار ردود فعل واسعة، كان أبرزها من شقيقه هاني البيض، الذي ردّ عليه بتصريحات معاكسة قال فيها إن "حضرموت لم تكن يومًا جزءًا من الجنوب العربي"، معتبرًا أن المسمى "اختلقته بريطانيا لأغراض استعمارية"، وأن سلطنتي القعيطي والكثيري في حضرموت رفضتا الانضمام إلى اتحاد الجنوب العربي الذي أنشأته بريطانيا عام 1959، متمسكتين باستقلالهما السياسي والاجتماعي حتى انسحابها من عدن عام 1967.
وشدّد هاني على أن "الحقيقة التاريخية تنفي أي علاقة لحضرموت بهوية الجنوب العربي، لا سياسيًا ولا ثقافيًا"، في موقف فُسّر على نطاق واسع كتشكيك في المشروعية التاريخية للمفهوم الذي يتبناه التيار الانتقالي.

جدل العائلة في عمق المشروع الجنوبي
الاشتباك الكلامي بين الأخوين سرعان ما تحوّل إلى موجة نقاش واسعة على المنصات الجنوبية، بين من رأى أن تصريحات هاني "تُضعف القضية الجنوبية وتخدم خصومها"، ومن اعتبرها "تصحيحًا تاريخيًا ضروريًا لفهم جذور الكيانات التي تشكّل منها الجنوب الحديث".
السجال أعاد إلى الواجهة قضية هوية الجنوب: هل هي هوية سياسية ناشئة من تجربة الاستقلال، أم جغرافية ضاربة الجذور في التاريخ قبل رسم حدود الاستعمار؟

السقلدي يتدخّل يوضح
وسط هذا الجدل، جاء الكاتب والمحلل السياسي صلاح السقلدي بمقال مطوّل حاول فيه تفكيك الالتباس الذي أشعل الخلاف بين الأخوين.
السقلدي أوضح أن هناك خلطًا جوهريًا بين مصطلح (الجنوب العربي) وكيان (اتحاد الجنوب العربي)، قائلاً إن الأول "جهة جغرافية ثابتة تمتد من عدن إلى المهرة وسقطرى، استخدمها البريطانيون والعرب على السواء، ولا يمكن التنصل منها"، بينما الثاني "كيان إداري سياسي أنشأته بريطانيا عام 1959 ليضم بعض السلطنات في شبوة ولحج وأبين وعدن، دون أن يشمل حضرموت والمهرة وسقطرى".
وأضاف أن بريطانيا "تعمدت هذا الفصل لأغراض استعمارية، ضمن سياسة تقسيم الجغرافيا لاحتواء الحركات التحررية"، مذكّرًا بأن الزعيم جمال عبد الناصر استخدم مصطلح (الجنوب العربي) حين دعا لندن إلى "حمل عصاها والرحيل عن الجنوب العربي".
وأكد السقلدي أن "حضرموت وإن لم تكن ضمن الاتحاد الإداري، إلا أنها جغرافيًا وتاريخيًا جزء من الجنوب العربي بمفهومه الأوسع”"، مشددًا على أن "التاريخ جغرافيا ثابتة لا يمكن تعديلها، بينما السياسة متغيّرة".
وختم بالقول إن "حق تقرير المصير مكفول لكل كيان، لكنه لا يعني بالضرورة الانفصال، بل يفتح المجال أمام صيغ متعددة للحكم الذاتي والتسويات العادلة".
https://al-awal.net/30103
دلالات سياسية أعمق
السجال بين آل البيض لا يمكن قراءته بمعزل عن المشهد الجنوبي المأزوم اليوم. فالقضية التي انطلقت للمطالبة بالاستقلال تواجه تحديات داخلية تتعلق بالهوية والتوزيع الجغرافي للسلطة والثروة، خاصة مع صعود أصوات حضرمية تطالب بالحكم الذاتي وإدارة مواردها بعيدًا عن المركز العدني.
ويرى مراقبون أن السجال بين عمرو وهاني البيض كشف عن انقسام داخل النخبة الجنوبية نفسها بين تيار يميل إلى رؤية (جامعة) للجنوب العربي، وتيار آخر يفضّل إعادة تعريف الكيانات المحلية بمعزل عن المشروع الأكبر.
ومهما يكن من أمر، فإن المقال الذي كتبه السقلدي قد نجح في تهدئة جزء من هذا الجدل، عبر إعادة النقاش إلى الإطار التاريخي والمعرفي، وفصل العاطفة العائلية عن الجغرافيا السياسية.
لكن الواضح أن هذا السجال، مهما بدا شخصيًا، قد فتح الباب واسعًا أمام مراجعة شاملة لهوية الجنوب وموقع حضرموت في معادلة المستقبل — ما بين ذاكرة الاستعمار وتطلعات ما بعد الحرب.