المُلك عقيم.. الأب يقتل ابنه!
حينما يَقتل الوالد ولده من أجل الكرسي فلا تستغرب مايحدث في كثير من البلدان من صراعات وحروب ودماء ودمار وأشلاء، لذلك قالوا: "المُلك عقيم" أي أن الحاكم لايعرف أحدا حتى ولو كان ابنه إذا هو نازعه الحكم، سيتخلص منه ولا كرامة ولو بقي عقيما وحيدا بلا ولد!
وهنا يروي الواقع لنا قصة حقيقية حزينة ومأساوية وغريبة ولها مايشبهها وماهو أشد منها هنا وهناك
في شهر أكتوبر عام 1553م أُعدِم الأمير المظلوم مصطفى — الابن الأكبر للسلطان العثماني سليمان القانوني، والذي أمر بإعدامه هو والده السلطان نفسه والسبب تحريض زوجة أبيه الثانية بعد أن رأت فيه النجابة والذكاء، وكارزما الخلافة، وحب الناس وإقبالهم عليه، ونجاحه الباهر حينما أُسندت إليه الولاية على بعض المدن فخشيت أن يأخذ الخلافة ويفوز بالعرش على أولادها فبدأت بإيغار صدر أبيه عليه وضرب الثقة بينهما مستغلة حب السلطان لها وقربها من قلبه، ومع الأيام بدأ الأب يرىٰ تأثر الناس بولده وقرب القادة منه، والحظوة التي يحظى بها في قلوب العامة، وكانت تصله بعض الأخبار التي جُلها كاذبة أو مجافية لكبد الحقيقة.. ،
وفي ذات يوم والسلطان الوالد في مدينة قونية يستعد لحرب الصفويين وقد تَشَبَّع قلبه بالوساوس، وعقله بالأوهام، وخاف على دولته من ابنه، قرر إعدامه واستدعاه لمقابلته، فحذره بعض الخُلص ونصحوه بالهروب لكنه أبىٰ أن يهرب وقال كلمته المشهورة :
"إن كان أبي يريد قتلي، فأنا أذهب إليه برأسي مرفوع، ولا أتمـ.ـرد عليه."
وصل الأمير إلى الخيمة، وأُعطيت فرقة الإعدام الأمر وقامت إليه علىٰ الفور وخنقته بخيط من الحرير، وهي الطريقة المعتمدة لإعدام الأمراء دون إراقة الدماء.
وقد نُفِّذَ الحكم بأمر مباشر من السلطان الوالد، والذي فضل أن يتابع عملية قتل ولده بسماع صوت الإعدام من وراء الستار.
لقد شُنِقَ الأمير بسسب الكيد، والغيرة، والحسد، والإشاعة، وكم من بريءٍ ذهب ضحية واحدة من هذه الأربع!
لم تُقم للأمير الشاب جنازة رسمية كبيرة، لأن السلطان اعتبره “أميرًا متمرّدًا”، ومع ذلك شيّعه بعض قادة الانكشارية والشيوخ الذين حزنوا على نهايته المأساوية، حتى قال أحدهم وهو يلقي نظرة الوداع الأخيرة على جثمانه: "لقد عشت محبوبا ومت مظلوما"
ولا يزال قبره موجودًا حتى اليوم، يُزار وتُقرأ عنده الفاتحة، تخليدًا لذكرى أميرٍ لم يُتح له أن يعتلي العرش.
وبعد سنوات من الحادثة، يُروىٰ أن أباه السلطان سليمان القانوني زار قبر ابنه، ووقف أمامه باكيًا، وقال:
"ظننت أني خلّصت الدولة من الفتنة، لكن قلبي لم يهدأ بعدها."
هذه الصورة المأسوية قد حصل في بلادنا اليمن ماهو أفضع منها وأشنع، وذلك حينما أقدم الإمام الظالم: أحمد بن يحيى حميد الدين على قتل ثلاثة من إخوانه ليس بخيط الحرير كما فعل السلطان العثماني بل جز رؤوسهم بسيفه (عبدالله، والعباس) أما ثالثهم إبراهيم فجرَّعه السم حتى قتله،
وهنا تدرك أن شهوة المنصب وحب الكرسي إذا تمكنت من شغاف القلب فإن الإنسان سيضحي بكل من نازعه عليهما ولو كان الابن أو الأخ، وسيُغرِق البلاد والعباد على ألا يذهب الكرسي من يده، وتأمل ما قال الخليفة العباسي هارون الرشيد: وهو الرزين، العاقل، المتزن، لولده المأمون: «يا بُني المُلك عقيم ولو نازعتني أنت على الحكم لأخذت الذي فيه عيناك» أي لقطعت رأسك الذي يحتوي على عينيك!
وما أصدق قول القائل "آخر ما يُنزع من قلوب الصِّديقِين حب الرئاسة"
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها.
جمعتكم مباركة وطابت أوقاتكم بكل خير.