(رحلتي إلى النـِّـيد) لعمر عبد الله العامري (2/3) الإدارة والتضاريس والسكان والهجرة
تقديم مسعود عمشوش
يذكر مؤلف (رحلتي إلى النيد) أن النجود كانت قبل 1967، "تخضع بصورة عامة للعرف القبلي، والدولة الكثيرية نفوذها يكاد يكون معدوماً. وبالنسبة لقف العامري فقد كان يخضع لشيخ طائلة العوامر. وهو في ذلك الوقت أي في الأربعينيات والخمسينيات عائض بن مبخوت بن طبازة. وهذا قبل الثورة أي ثورة ١٤ أكتوبر حوالي ٢٥ سنة".
ويذكر العامري أن قف العوامر صبح اليوم يشكل جزءا من (مديرية القف)، وهي إحدى مديريات وادي وصحراء حضرموت. ويكتب " وتنقسم مديرية القف إلى (۱) إذنه (۲) الشتم (۳) الحوجاء (٤) الرحاب (٥) جِبَاء (٦) المباركة (۷) تميس (۸) حُزُر (۹) رِتْيبي (۱۰) شَهْمَاه (۱۱) صَيْق (۱۲) طرون (۱۳) ظیلم (١٤) فرع (١٥) القويع (١٦) كهيف (۱۷) مخيه (۱۸) هواه. وهذه الأسماء تقع جميعها في الهضبة الشمالية من وادي حضرموت". ص8
ويستطرد المؤلف في الحديث عن تضاريس هذه هضبة حضرموت الشمالية، التي تضم قف العامري وقف الكثيري وقف أو ريدة الصيعر، ويركز على منطقة جباء. ويذكر أن "أعلى ارتفاع في الهضبة الشمالية يصل إلى حوالي ثلاثة ألف قدم فوق البحر، وأمطارها تنحدر جنوباً نحو وادي حضرموت لا تنحدر نحو الرمال. وإنك حين تكون قريبا من عقبة قتبة تشاهد بعض الأخاديد الجبلية مكونة الأودية الجرداء القاحلة والخضراء في بعض الأماكن مثل وادي ثبي ووادي عيديد أودية خضراء هي مستقر للإنسان لقرب المياه الجوفية من سطح الأرض".
ويشير إلى أن سطح الهضبة الشمالية مغطى اليوم "بمجموعة من السيوح ومفردها سيح، والأودية مثل الجوين والخنخان ومرافز ووادي النخلة، والتي تصب أوديتها في جباء. وهناك مجموعة من الجبال الصغيرة وتسمى قويرة، وهي تصغير قارة متناثرة هنا وهناك، وتنحدر عنها أودية سحيقة ذات سلاسل جبلية وعرة، وأخاديد تستطيع رؤيتها من أعلى كقطعة لحم كبيرة قام ضرغام بغرز أظافره وقطعها إربا إرباً. وهذا الموقع ذو الصخر الجيري كان قبل ملايين السنين تغطيه المياه العميقة، هل كانت مياه أنهار أم بحار؟ الله أعلم. المهم أنها كانت مغمورة بمياه، وإلا بماذا تفسر وجود قواقع متحجرة على سطح تلك الجبال؟ وهناك الأحجار الكبيرة والصغيرة التي بها ثقوب وزوائد مثل الشعب المرجانية المتحجرة، ثم بماذا تفسر وجود النفط بكميات هائلة، أليس هذا تحلل للنباتات والكائنات الحية التي كانت تعيش في تلك المنطقة؟ هكذا يفسر أهل علم الجيولوجيا من خلال دراساتهم لطبقات الأرض، ومن خلال تحليلهم لطبقات الأرض ومن خلال تحليلهم لتركيب النفط الموجود في تلك المناطق".
**
وفيما يتعلق بسكان القف، يؤكد العامري أن "النيد أو قل النجود الثلاثة ليست محل استيطان دائم، وإنما حين يتوفر الماء والكلأ للإنسان وماشيته يكون الاستيطان". ويبرر بذلك تنقل سكان تلك النجود بين القف ووادي حضرموت، كل سكان نجد بالقرى والمدن المقابلة له في الوادي، فهو يكتب: "حين تشاهد من الجو الاستقرار البشري وتربطه بالهضبة الشمالية فإنك تجد الآتي:
(۱) قف العوامر في الهضبة الشمالية تقابله في الوادي منطقة تاربة ووادي الذهب، ولن تجد عوامر يسكنون في غيرها باستثناء فخيذ آل عانوز، وهم من آل عبد الباقي العوامر ويسكنون بين تريس والغرفة، ولهم حصونهم ومزارعهم ومثواهم في تلك المنطقة، كذلك آل عسانه ويسكنون في ساحل حضرموت، هذا بالنسبة للعوامر وقفّهم. وكذلك من جهة الصحراء تجد آل عزيز بن عامر ويسكنون ثمود وخضره وقناب.
(۲) قف الكثيري في الهضبة الشمالية تقابله في الوادي المنطقة من بور وسيئون والعروض إلى ما جاوز القطن وحريضة ومواقع بسيطة أخرى.
(٣) قف الصيعر (أو ريدة الصيعر): يقابله في الوادي ما بعد حريضة إلى الرملة.
أي أنه في فترات الجفاف والجدب في الهضبة الشمالية يرتحل السكان بمواشيهم إلى وادي حضرموت الخصيب، وهو الوادي الأخضر على مدار العام وحيث المياه السطحية القريبة من السطح. وهذا التقسيم بين الهضبة الشمالية ووادي حضرموت لم يأتِ من فراغ، بل فرضته ظروف الحياة القاسية طلبا للرعي والكلأ والماء".
**
ويكرس عمر العامري فصلا من كتابه لموضوع (هجرة أهل النجود إلى السعودية والخليج). يستهله قائلا: "تعد الهجرة وترك الأوطان آخر ما يفكر فيه الإنسان، لكن هناك أسباب تؤدي إلى تلك الهجرة، منها: الجفاف، وقلة دخل الفرد، فدخله من أرضه لا يكفيه؛ فيلجأ إلى التفكير في الهجرة التي قد تكون بسبب الحروب والفتن والتغيرات المناخية أو السياسية.. وكل هذه العوامل مر بها الإنسان في حضرموت، لذا لا تستغرب أن تجد جاليات كبيرة من الحضارم ومن أهل النجود في الهند، وأفريقيا، وشرق آسيا، وأخيرًا في دول الخليج العربي والسعودية، حيث كونوا هناك جاليات عظيمة بأعداد كبيرة في بلد الاغتراب، وإن قبائل بكاملها قد انقرضت في موطنها الأصلي ووجد لها فروع هناك في بلد المهجر. ومنهم من حمل جنسية تلك البلدان، خاصة في الخليج والسعودية، لقرب تلك المهاجر من حضرموت ولتقارب عاداتهم وتقاليده ولوجود فروع وأصول لتلك القبائل في بلد الاغتراب.
وقد أثر هذا الاغتراب في المغترب خاصة، إذا ما عرفنا أن أول حضرموت ذوي خبرة وباع كبير في التجارة. وقد كان لهذا الاغتراب الأثر الجيد على حياتهم وعلى بلداني فانقلبت حياة البدوي منهم إلى تحضر، وتغير في كل شيء، ملابسهم وطباعهم، وأخلاقهم، ونمط معيشتهم، ولهجتهم، وهذه نعمة من الله من بها على بادية حضرموت وحضرها فتحسن دخل الفرد وقاموا بتنفيذ العديد من المشاريع مثل: بناء المساجد ، والمدارس ، والمستشفيات والمساكن الجميلة الفارهة ، خاصة وأن معظم المهاجرين سواء من البدو او الحضر قد اشتغلوا بالتجارة ، وأقاموا شركات ضخمة وعلاقات واسم سواء مع السلطات ، أو مع عامة شعوب بلدان الاغتراب... وعلى الرغم من بعض إيجابيات تلك الهجرة غير أن لها العديد من السلبيات منها أنه من يهاجر عادة هم من الشباب ومن أصحاب الخبرة والكفاءة؛ لذلك خلت بعض البيوت من شبابها ومن أهلها خاصة في النجود الثلاثة فأهملت الزراعة وأهملت الثروة الحيوانية ، بل وخلت تقريبا بعض النجود من أهلها ، لكن لله في ذلك ما أراد".
يتبع (3/3)