الجنوب خارج المعادلة: إنذار سياسي قبل فوات الأوان

تشهد الساحة اليمنية اليوم حراكًا سياسيًا ودبلوماسيًا متسارعًا، عقب توقف القتال في غزة، وتزايد الجهود السعودية والأممية للوصول إلى حل شامل ينهي حالة الحرب الممتدة منذ عقد من الزمن. إلا أن المراقب للمشهد يدرك أن الجنوب يقف مجددًا على هامش هذه الترتيبات، في لحظة تاريخية دقيقة كان يفترض أن يكون فيها في قلب القرار، لا على أطرافه.
لقد أصبحت القضية الجنوبية ــ برغم عدالتها وعمقها الشعبي ــ رهينة قيادات منشغلة بمصالحها الشخصية والحزبية أكثر من انشغالها بمصير وطنٍ يترقب مستقبلًا مجهولًا. ونتيجة لذلك، تراجع الحضور الجنوبي في مراكز القرار الإقليمي والدولي، حتى بات الحديث عن الجنوب يتم بلسان الآخرين، لا بلسان أبنائه.
في المقابل، يتحرك الحوثيون بقوة سياسية وعسكرية، ويفاوضون بثقة وواقعية، بينما يراهن الإقليم والمجتمع الدولي على إمكانية التوصل معهم إلى تفاهمات طويلة الأمد، في حين لا يجد الجنوب من يمثله كندٍّ حقيقي في أي مفاوضات قادمة. وإذا استمر هذا الوضع، فإن أي تسوية سياسية مرتقبة ستُفرض على الجنوب كأمر واقع، دون ضمانات أو شراكة حقيقية، مما يعني خسارة البوصلة وضياع الهدف الذي ناضل من أجله شعب الجنوب لعقود، ودفع آلاف الشهداء.
إن استمرار حالة التشرذم، وغياب القيادة الموحدة والعمل الجماعي المؤسساتي، يشكّل خطرًا استراتيجيًا على مستقبل الجنوب، ليس فقط في التمثيل السياسي، بل في مصيره الوجودي ككيانٍ وهويةٍ ودولة تسعى لاستعادة مكانتها. لذلك، أصبح من الضروري اتخاذ خطوات حاسمة وسريعة لإعادة ترتيب الصف الجنوبي على أساس وطني شامل، يتجاوز الولاءات التنظيمية والمناطقية، ويعيد الاعتبار لصوت الشعب.
إذا لم يتحرك الجنوبيون اليوم، فسترسم ملامح المستقبل من دونهم. وإن التراخي في هذه المرحلة يعني تفويت فرصة تاريخية لتثبيت حق الجنوب في تقرير مصيره، وسيسجَّل على قياداته أنها كانت حاضرة بالأسماء، غائبة بالفعل والموقف.
لذلك، فالمطلوب الآن:
1- تشكيل قيادة جنوبية موحدة تمتلك الشرعية الشعبية والسياسية، وتكون قادرة على الجلوس على طاولة المفاوضات باسم الجنوب.
2- إطلاق رؤية وطنية واضحة تحدد موقف الجنوب من أي تسوية سياسية، وتضع خطوطًا حمراء لأي حلول تنتقص من تطلعاته في الحرية والسيادة.
3- تحريك العمل الدبلوماسي والإعلامي لشرح الموقف الجنوبي في المحافل الدولية، وتأكيد أن أي تجاهل للجنوب لن يؤدي إلى سلام مستدام في اليمن.
4- تفعيل العمل الميداني والمؤسسي داخل المحافظات الجنوبية، بما يثبت أن الجنوب قوة واقعية على الأرض، وليست مجرد ورقة سياسية.