مُت قاعد!
المتقاعد ليس رقمًا عابرًا في دفاتر الرواتب، ولا ظلًّا يزحف نحو نهايته بصمت.
إنه إنسان أنهكته السنين، وأفنى زهرة عمره في خدمة وطنه وأهله، ثم وجد نفسه فجأة في مقعد الانتظار، كأن الحياة قالت له: لقد انتهى دورك... مُت قاعد!
يعيش المتقاعد كأنه جنازة مؤجلة، تُطفأ في داخله الرغبة في العطاء، لأن المجتمع رسم له صورة "العبء" لا "الثروة".
معاش هزيل لا يكفي حاجاته، وتجاهل صامت لمطالبه، وإهمال لكرامته التي تستحق أن تُصان أكثر من أي وقت مضى.
أليس من حقه أن يعيش شيخوخته بسلام؟ أن يشعر أنه ما زال إنسانًا تُحترم قيمته، وتُقدَّر خبرته، وتُلبّى حاجاته البسيطة مثل تخفيض أسعار الدواء والعلاج؟
إن أكبر خيانة للذاكرة الجماعية هي أن ننسى أولئك الذين حملوا الوطن على أكتافهم، ثم تركناهم وحيدين عند آخر الطريق، يجلسون على الأرصفة، ويرتادون المنتديات والمقاهي لشرب الشاي ولعب الدومينو أو الشطرنج.
ولا أحد منتبه إلى أن هؤلاء هم أنفسهم: الخبير الاقتصادي، والأكاديمي، والسفير، وكبير المحاسبين، والطيار، ومدير المدرسة... بينما ينظر إليهم الناس كمجموعة من العجزة لا قيمة لهم.
ومثلهم أيضًا نساء في البيوت يعانين الأمرّين: العزلة والإهمال.
المتقاعد ليس عبئًا، بل هو شهادة حيّة على تاريخ من الكفاح والصبر.
وإذا لم نمنحه حقه اليوم، فنحن نكتب بأيدينا مستقبلنا البائس غدًا.
