في ذكرى ميلاد فولتير
مسعود عمشوش
يحتفل العالم اليوم بذكرى ميلاد الأديب الفيلسوف الذي مهد لقيام الثورة الفرنسية: فولتير؛ ففي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1694 وُلد فولتير، واسمه الحقيقي فرانسوا-ماري أرويه، ويعتبر أحد أعمدة عصر التنوير الأوروبي، ورمز من رموز الدفاع عن الحرية والتسامح. فهو القائل: قد أختلف معك في الرأي، لكني سأدفع حياتي لتستطيع التعبير عن رأيك.
وقد وُلد وسط قيود سياسية ودينية خانقة، لكنه اختار منذ شبابه أن يجعل من قلمه سلاحاً يواجه به التعصب والجمود والقمع،
ولم يكن فولتير كاتبا بارعا أو صاحب أسلوب ساخر فحسب، بل كان صاحب مشروع فلسفي يقف في صف الحرية والعقل، ويصرّ على أن الكلمة قادرة على فضح الاستبداد مهما اشتدّت قبضته. وأسهم مع جان جاك روسو وديدرو ومونتيسكيو في وضع أول دائرة معارف شاملة في العالم:(الأنسيكلوبيدي)، التي قامت بدور ريادي في تعميم العلوم والمعارف في القرن الثامن عشر.
وأمضى فولتير حياته بين السجون والمنافي والمحافل الفكرية، لكنه لم يتراجع يوماً عن معاركه لأجل التسامح وحقوق الإنسان، وحين عاد إلى باريس في أواخر أيامه، كان قد أصبح أيقونة ثقافية تعترف بعظمتها أوروبا كلها.
ويمتد إرث فولتير اليوم إلى كل حديث عن حرية التعبير، وعن ضرورة حماية الفرد من سلطة الدولة أو سلطة الدين حين تتحولان إلى أدوات قمع، وبهذا المعنى، فإن إرث فولتير لم يكن مجرد أعمال أدبية أو رسائل نقدية، بل روحاً من الشجاعة العقلانية التي مهدت لثورات وتحوّلات كبرى في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه على الرغم من أن عدداً قليلاً فقط من أعماله لا يزال يُقرأ اليوم، فإنه ما يزال يحتفظ بسمعة عالمية بوصفه مناضلاً شجاعاً ضد الطغيان والتعصب والقسوة، ومن خلال قدرته النقدية وروحه الساخرة وحسّه الفكاهي، نشر فولتير بقوة فكرة التقدم التي ظلّت الشعوب من مختلف الأمم تتجاوب معها، وقد امتدت حياته الطويلة عبر السنوات الأخيرة من العصر الكلاسيكي وحتى عشية العصر الثوري، وفي هذا الزمن الانتقالي أثرت أعماله وأنشطته في المسار الذي اتخذته الحضارة الأوروبية.
ومن المعلوم أن فولتير قد قرأ كثيرا من النصوص العربية والإسلامية ووظفها في كتاباته الفلسفية، مثلما فعل في زاديق الذي ترجمه إلى العربية طه حسين. وقد قمت في ثمانينيات القرن الماضي بتكريس أطروحتي للدكتوراه لمقارنة أساليب السرد في كتب الحكايات العربية وحكايات فولتير.
