بعد إغراق 3 قوارب حوثية.. أمن البحر الأحمر يقترب من الانفجار!

يزداد المشهد تعقيداً في البحر الأحمر على مقربة من مضيق باب المندب الاستراتيجي وميناء الحديدة الحيوي غرب اليمن، من جراء استمرار هجمات الحوثيين على السفن المتجهة إلى "إسرائيل".

بعد إغراق 3 قوارب حوثية.. أمن البحر الأحمر يقترب من الانفجار!

(الأول) متابعات خاصة:

ولأول مرة يشهد البحر الأحمر احتكاكاً مباشراً بين البحرية الأمريكية ومقاتلين ينتمون لجماعة الحوثي الموالية لإيران في اليمن، نتج عنه مقتل عدد من مقاتلي الجماعة، إثر اشتباك ناري أدى لإغراق ثلاثة قوارب صغيرة تابعة للجماعة، وفقاً لبيان القيادة المركزية الأمريكية.
وسبق أن حذر الحوثيون، وهم جماعة استولت على الحكم في صنعاء في سبتمبر من العام 2014، الولايات المتحدة من أي تصعيد، في الوقت الذي تواصل البحرية الأمريكية ونظيراتها الفرنسية والبريطانية تحركاتها لحماية الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، فهل تشهد الأيام المقبلة مواجهة حقيقية بين قوة "حارس الازدهار" والحوثيين؟

أول اشتباك مباشر
ومنذ دشن الحوثيون هجماتهم على السفن الإسرائيلية أو تلك التي تذهب لموانئ "إسرائيل"، هذا هو أول اشتباك ناري مباشر يسفر عن ضحايا بين البحرية الأمريكية ومقاتلي جماعة الحوثي.
وأعلنت جماعة الحوثي، مساء الأحد (31 ديسمبر)، مقتل وفقدان 10 من مقاتليها بنيران القوات الأمريكية في البحر الأحمر، في حين قالت القيادة المركزية الأمريكية في بيان على منصة "إكس"، إن طائرات تابعة لسلاح البحرية هاجمت، فجر الأحد، ثلاثة من أصل أربعة قوارب، استخدمها الحوثيون لمهاجمة سفينة الحاويات "ميرسك هانغتشو" في البحر الأحمر.
وأوضح البيان أن الطائرات المروحية انطلقت من على متن حاملتي الطائرات "أيزنهاور" و"جرافلي"، استجابةً لنداءات الاستغاثة التي أطلقتها السفينة ميرسك هانغتشو، وأثناء ذلك تعرضت لإطلاق نار ردت عليه؛ ما أدى إلى إغراق ثلاثة قوارب ومقتل طاقمها، في حين لاذ الرابع بالفرار.
"ميرسك هانغتشو"، وهي سفينة حاويات مُدارة من قبل الدنمارك وترفع علم سنغافورة، كانت تعرضت- وفقاً لبيان أمريكي منفصل- لهجوم بصاروخين مضادين للسفن، فجر الأحد، أطلقهما الحوثيون، إلا أن المدمرة "جريفلي" تمكنت من اعتراضهما، دون وقوع أي أضرار أو إصابات.
وأكدت شركة "ميرسك" تعرض السفينة "هانغتشو" لحادث عقب مرورها بمضيق باب المندب، قادمة من سنغافورة إلى ميناء السويس، مشيرةً إلى عدم وقوع أي إصابات، وقد تمكنت من مواصلة الإبحار شمالاً، إلا أن الشركة علّقت كل عمليات الإبحار عبر البحر الأحمر 48 ساعة.

تهديد واستنفار حوثي
تصعيد الحوثيين، الأحد، يشكل تطوراً لافتاً، خصوصاً بعد إعلان الولايات المتحدة الانتظام التدريجي لحركة السفن عقب أيام من تشكيل القوة البحرية الجديدة لحماية الملاحة في البحر الأحمر، ضمن ما أسمته عملية "حارس الازدهار".
وأعلن القائد الأعلى للقوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، براد كوبر، أن قرابة 1200 سفينة تجارية عبرت البحر الأحمر، منذ إطلاق عملية "حارس الازدهار"، دون أن تتعرض لهجوم من قبل الحوثيين.
الحوثيون من جانبهم أطلقوا على لسان المتحدث العسكري المتحدث باسم قواتهم، يوم 29 ديسمبر، تحذيراً للقوات الأمريكية مما أسموه "أي تصعيد ضد اليمن"، كما حذروا "الدول التي تسعى واشنطن إلى الزج بها، أو توريطها معه في حماية سفن إسرائيل".
متحدث الحوثيين أشار إلى أن موقف الجماعة ثابت تجاه الشعب الفلسطيني، في إشارة إلى استمرار العمليات ضد السفن المتجهة لـ"إسرائيل"، بالرغم من التحذيرات والاحتشاد ضمن قوة "حارس الازدهار"، وأشار إلى أن قواته على أتم الاستعداد والجاهزية لأي تطورات.

إيران في الواجهة
تبدو اللمسات الإيرانية واضحة بالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا فيما يقوم به الحوثيون في البحر الأحمر، وهذا ما دفع وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى إبلاغ نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بأن طهران شريكة في المسؤولية عن منع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
وقال كاميرون، في منصة "إكس": "لقد أوضحت أن إيران شريكة في المسؤولية عن منع هذه الهجمات، نظراً لدعمها الطويل الأمد للحوثيين"، مضيفاً أن الهجمات "تهدد حياة الأبرياء والاقتصاد العالمي".
كما أكد الناطق باسم الحوثيين محمد عبد السلام، في تغريدة له الأحد (31 ديسمبر)، أنه التقى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي أكبر أحمديان، لبحث القضايا ذات الاهتمام المشترك، و"للتأكيد على أهمية مساندة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في غزة، وأن هذه مسؤولية يجب على شعوب المنطقة أن تضطلع بها، كون العدوان الإسرائيلي على القطاع تهديد للجميع".
وتعليقاً على هذا التصعيد، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي، علي الذهب، إن الحوثيين يسلكون نفس سلوك إيران في مضيق هرمز، مشيراً إلى أن هناك قوارب أو زوارق سريعة في مضيق هرمز تقوم بـ"مشاغلة" السفن الحربية الأمريكية منذ قرابة 20 عاماً، وازدادت وتيرتها في العقد الأخير.
وأضاف، في تصريح: "تلك القوارب تنتظم من ثلاثة إلى خمسة، وتقوم بمشاغبة السفن الحربية الأمريكية، وتقترب منها اقتراباً مباشر، بينما تحاول السفن الأمريكية مواجهتها بشكل غير مميت، في اشتباك أقل من المستوى العنيف"، لافتاً إلى أن هذه الوقائع "تحدّ من نشاط القوات الأمريكية في مضيق هرمز".
واستطرد قائلاً: "الآن الحوثي ينفذ نفس العملية، وهي دروس أخذتها الجماعة من إيران بدون شك، نفس النموذج الإيراني يُطبق في البحر الأحمر، الفارق أن هناك قضية كبيرة، وهي قضية غزة يجري استغلالها".

تثبيت الوجود السياسي
ويرى الذهب أن الحوثيين "يتسلقون على قضية غزة لتثبيت وجودهم السياسي، وإظهار أنهم باتوا قوة ضاربة على مستوى البر والبحر والجو، وأنهم باتوا أمراً واقعاً، وسيأخذون ما يريدون من اشتراطات في أي عملية سلام قادمة، وأنه يستعصي القضاء عليهم أو تجاوزهم، أو الانتقاص مما يطرحونه من اشتراطات، كقوة أولى موجودة على الساحة اليمنية".
وحول عمليات الحوثيين في البحر الأحمر يرى أنها كانت بمثابة "فرصة" أتاحتها لهم الولايات المتحدة وبريطانيا، لأنهم – حسب قوله – سيكونون بحاجتها "كورقة ضغط على السعودية ومصر تحديداً".

تصعيد وقائي
وحتى اللحظة لم يتجاوز التصعيد الأمريكي حدود الرد الوقائي، وحول هذا يقول الخبير العسكري والاستراتيجي علي الذهب: إن "التصعيد لن يتجاوز حد الدفاع الوقائي، والمتمثل في التصدي لما أمامك بدون الذهاب أبعد من ذلك، ودون تعقب مصادر التهديد في البر الرئيسي".
وأضاف: "هذه المسألة تتطلب جهود دول، كما فعلت الولايات المتحدة في التحالفات التي عقدتها، كعمليتي أطلانتك ودرع المحيط، اللتين قام بهما حلف الناتو ودول الاتحاد الأوروبي سابقاً".

وتوقع الذهب أن يستمر الحوثيون في المشاغلة في البحر الأحمر، إلى أن يكون هناك تسوية سياسية في اليمن، أو أن تتوقف الحرب في قطاع غزة، لافتاً إلى أن الجماعة تريد أن توصل رسالة مفادها أنها تقف وراء تلك التحولات، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى القضية الفلسطينية.
وحول عملية "حارس الازدهار" قال الذهب إنها لم تُشكل بعد، أو لم تمارس مهامها، مشيراً إلى أن فرقة العمل المشتركة 153، تقاعست عن القيام بمهامها لوقف هجمات وعمليات الحوثيين في البحر الأحمر، خلال الفترة السابقة.

ليست مسرحية
ومنذ بدأ الحوثيون بتنفيذ عملياتهم البحرية في 19 نوفمبر الماضي، ضد السفن الإسرائيلية، أو تلك التي تذهب لـ"إسرائيل"، تزايدت التكهنات حول تأثير تلك الهجمات، وما إذا كانت مجرد استغلال من قبل الحوثيين لحرب غزة، لتحقيق أهداف سياسية.
ووفقاً للواء الركن محمد القادري، قائد لواء الدفاع الساحلي التابع لجماعة الحوثيين، فإن الجماعة تخوض "معركة مباشرة مع أمريكا، وتقدم شهداء"، موجهاً حديثه لمن يقول إن ما يحدث "مجرد مسرحية".
وحول مقتل عدد من مقاتلي الجماعة، قال القادري لـ"الخليج أونلاين"، إنه من الطبيعي أن يكون هناك "شهداء" وجرحى، مضيفاً: "لن نسمح بمرور سفينة صهيونية من البحر الأحمر وسنقدم المزيد".
وأشار إلى أن الجماعة لا تزال متمسكة بقرار منع مرور أي سفينة إسرائيلية، أو تتعاون مع الاحتلال، مضيفاً: "نوجه ضربات تحذيرية، ونعيد السفن إلى خطوطها السابقة، وإذا تطور الأمر فسيكون هناك مواجهة، وسنستخدم سلاحاً مناسباً".
وأوضح القادري أنه "لم تدخل المرحلة الثالثة بعد؛ لأن الجماعة لا تريد عسكرة البحر الأحمر"، متهماً واشنطن بـ"عسكرة" البحر الأحمر، وتنفيذ المزيد من "المغامرات".
وقال: "نقول لواشنطن إن القوات المسلحة اليمنية والبحرية والدفاع الساحلي، في مواجهتكم، لن نخضع ولن نسلم وسنقاتل إلى آخر لحظة، لن نترك القضية الفلسطينية، ولن نترك إخوتنا في فلسطين، ولا دماء أطفال غزة".
واختتم حديثه بالقول: "لا خوف على اليمن، ولا على فلسطين، ولن نسمح بمرور سفينة إسرائيلية أو متعاونة معها، عبر باب المندب والبحر الأحمر".