التلقين الطائفي وسوء المعيشة وراء انتحار أطفال ومراهقين يمنيين
انتحر جازم عبد الله القهالي، وهو مراهق يمني يعيش في قرية بيت العقاري بمديرية عيال سريح التابعة لمحافظة عمران (50 كيلومتراً شمال صنعاء)، وذلك بعد عودته من دورة تعبوية أخضعته لها الجماعة الحوثية مع مراهقين وأطفال آخرين دون معرفة ذويهم استمرت أكثر من 40 يوماً.
وسجلت محافظة عمران خلال يومين حالتي انتحار جديدة لطفلين، ويلقي مختصون ومصادر محلية في المحافظة اللائمة على التلقين الطائفي المكثف وتردي الوضع المعيشي.
تفاجأ أقارب القهالي بوجود ابنهم مشنوقاً داخل غرفته، دون معرفة الأسباب التي دفعته للانتحار، وأفادت مصادر محلية بأنه ظل لأيام بعد عودته من الدورة الحوثية يعاني من تغيُّر في سلوكه، وفي تعامله الذي أصبح غير سويّ مع أفراد عائلته.
وسبق الحادثة بيوم وقوع حادثة انتحار أخرى، إذ عُثِر على طفل يدعى طايف غمدان العصيمي (10سنوات) مشنوقاً في مزرعة والده وسط مدينة خمر التابعة لمحافظة عمران نفسها.
ويبدي حقوقيون قلقهم وتخوفهم الشديدين من تزايد أعداد المنتحرين من الأطفال من خلال قيام أولئك الضحايا الصغار؛ إما بالقفز من أماكن مرتفعة، وإما بشنق أنفسهم، وإما بإطلاق الرصاص على أنفسهم، أو من خلال وسائل أخرى مكّنتهم من الانتحار هرباً من حدة ضغوط المعيشة.
حوادث متكررة
لم يكن الحادثان جديدين على مسامع أهالي عمران؛ إذ سجلت المحافظة الخاضعة لسيطرة الحوثيين خلال العام الماضي عشرات الحوادث من ذلك النوع، كان من بينها انتحار مطيع خالد البحري (16 عاماً) شنقاً بمديرية ثلاء، لأسباب على صلة بضغوط المعيشة.
جاءت الحادثة بعد أيام قليلة من إقدام الطفل أحمد حمود الحسيني (14 عاماً) على إنهاء حياته شنقاً وسط مدينة عمران عاصمة المحافظة، بعدما عجزت أسرته في حينها عن دفع رسوم المدرسة وتوفير متطلباته المدرسية.
وقبل ذلك بفترة، أقدم طفل آخر يُدعى مهند على التخلص من حياته بشنق نفسه في محل تجاري بسوق الليل الواقعة بنطاق بمديرية ريدة بالمحافظة ذاتها. ووفق مصادر محلية، فقد عثر على الطفل مشنوقاً داخل المحل التجاري الذي يملكه والده في السوق من دون الكشف عن ملابسات الحادثة والأسباب التي دفعته إلى ارتكابها.
وعلى وقع استمرار سياسات الإفقار التي تتبعها الجماعة الحوثية، وانعدام سبل العيش، وتوقف الرواتب وأعمال القمع، وغياب أبسط الخدمات، تقول المصادر في محافظة عمران إن هناك تصاعداً ملحوظاً لحالات الانتحار في المحافظة و20 مديرية تابعة لها، وإن أغلب ضحايا ذلك النوع من الجرائم هم من شريحة الأطفال.
واتهم مختصون اجتماعيون جماعة الحوثي بأن سلوكها قاد إلى إصابة ملايين السكان باليأس؛ ما أجبر العشرات منهم من مختلف الأعمار على إنهاء حياتهم، بفعل ما أصابهم من بؤس وإحباط على مدى 9 أعوام ماضية.
ويعاني مئات الآلاف من اليمنيين بالقطاعين العسكري والمدني في المناطق تحت سيطرة الجماعة صنوف العذاب والحرمان جراء أساليب القمع والتعسف والإقصاء والتسريح من الوظيفة العامة.
وبحسب تقارير أممية، فإن ما يزيد على 80 في المائة من اليمنيين باتوا تحت خط الفقر، و24 مليوناً من أصل 30 مليوناً يحتاجون لشكل من أشكال المساعدة.
جوع وضغوط نفسية
وسبق لجماعة الحوثي أن اعترفت، في تقرير صادر عن الأجهزة الخاضعة لها في صنعاء، بتسجيل نحو 340 حادثة انتحار من مختلف الأعمار في 10 مدن تحت سيطرتها خلال عام 2020، في وقت قدَّر فيه مراقبون أن العدد الحقيقي للمنتحرين يفوق ما ذكرته تقارير الجماعة.
وتقدر تقارير محلية أن شخصاً ينتحر كل يومين في مدن يمنية عدة، معظمها تحت سيطرة الجماعة بسبب جرائم التعسف والإذلال والإفقار الممنهجة، في حين تقول «منظمة الصحة العالمية»، في تقرير سابق لها إن نحو 8 ملايين يمني يعانون من مشكلات نفسية، جراء النزاع المستمر منذ 8 سنوات.
الأمراض النفسية تُعدّ من أكثر الحالات الصحية شيوعاً في اليمن، بحسب المنظمة التي عزت ذلك إلى «النزاع المسلح منذ 8 سنوات والاقتصاد المنهار»، الذي أدى إلى شل المرافق الصحية وتفاقم الأمراض النفسية التي تؤثر على جميع فئات المجتمع».
ولفتت المنظمة إلى أن «المرافق القليلة المتوفرة التي تقدم خدمات الصحة العقلية والخدمات النفسية والاجتماعية تعاني من نقص حاد في التمويل، مقارنة بالحاجة الماسة لخدماتها».