صورة شبام في كتابات الغربيين في كتاب جديد للدكتور مسعود عمشوش
محمد باسنبل
صدرت عن مكتبة الوراق – عدن الطبعة الأولى من كتاب (شبام في كتابات الغربيين) للدكتور مسعود عمشوش، أستاذ الأدب العام والمقارن في جامعة عدن. ومن المعلوم أن دراسة صورة البلدان والشعوب في كتابات الأجانب (أو الآخر) تعد من أهم ميادين البحث في الأدب المقارن. وسبق إن نشر الأستاذ المترجم د. مسعود عمشوش كتبا عدة قدم لنا فيها صورا لعدد من المدن والمناطق في الجزيرة العربية، مثل جدة ومسقط وعدن وتعز وأبين وحضرموت، في كتابات الرحالة الأجانب.
وفي هذا الكتاب الذي بين أيدينا يقدم صورة ضافية لمدينة شبام في كتابات الأجانب، وذلك من خلال دراسة طويلة كرسها لتقديم التجارة في شبام في كتابات الغربيين، أكد في مقدمتها أن شبام لا تزال، منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى اليوم تجتذب كثيرا من الرحالة والباحثين العرب والأجانب الذين يأتون إليها من أوروبا وأمريكا وروسيا واليابان، ليس لمشاهدة نمطها المعماري المتميّز فقط، لكن كذلك لمعرفة مكانتها ومكانة أبنائها في النشاط التجاري على مر العصور، وللبحث عن الطريق القديم لتجارة البخور والقطع الأثرية، وجمع المعلومات عن سكانها، والخلفية الاجتماعية والفكرية والدينية لألوف الشباميين الذين استقروا في عدن وشرق آسيا وسواحل شرق إفريقيا.
وفي تلك الدراسة يبيّن المؤلف، من خلال قراءة متأنية لعدد من النصوص التي كتبها الغربيون عن شبام وأبنائها، المكانة التي كانت تحظى بها مدينة شبام في النشاط التجاري في حضرموت والأسباب التي أدّت إلى تراجع تلك المكانة وحلول مدينة سيئون مكانها منذ منتصف القرن العشرين، وربما قبل ذلك. وفي الجزء الثاني من الدراسة يسلّط الضوء على بعض العادات والأعراف التجارية التي كانت متـّبعة في شبام كما قدمتها تلك النصوص التي قام بترجمتها، كوسائل النقل وأماكن البيع والشراء والميازين والأوزان والمكاييل والدلل. وفي الجزء الأخير من الدراسة وقف قليلا أمام الطريقة التي قدم بها الغربيون عددا من التجار الحضارم، كآل شماخ وآل لعجم وآل باعبيد.
ويؤكد الدكتور عمشوش أن كثيرا من الرحالة والسياسيين الغربيين الذين زاروا شبام، كتبوا نصوصا مختلفة عن المدينة وسكانها، المقيمين فيها والذين اختاروا البقاء في المهجر. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي تنطوي عليها تلك النصوص، فحتى اليوم لم ينل معظمها الاهتمام المناسب من قبل المترجمين والباحثين الحضارم. والجهود الترجمية القليلة التي حظيت بها تلك النصوص الأجنبية تمت في الغالب من قبل مترجمين لبنانيين لم يوفقوا دائما في نقل تلك النصوص إلى العربية بشكل صحيح، وذلك بسبب جهلهم بالخلفية الثقافية للنصوص المترجمة. لهذا جاءت ترجماتهم مليئة بالأخطاء. وهو ما دفع المترجم عمشوش إلى تضمين كتابه ترجمةٍ لستة نصوص عن شبام، كتب الأول منها الرحالة الألماني ليو هيرش الذي كان أول غربي وصل إلى شبام سنة 1893، والثاني البريطانية مابيل بنت، والثالث الألماني هانز هيلفيريتس، والرابع الهولندي فان در ميولن، والخامس الرحالة البريطانية فريا ستارك، والسادس الطبيبة الألمانية إيفا هوك.
وفي اعتقادنا أن كتابات الأجانب عن شبام وحضرموت بشكل عام تكتسب أهمية توثيقية وتاريخية كبيرة، لأنها تتضمن، إضافة إلى المعلومات العلمية، معلومات استخباراتية ليس بوسع المؤرخ المحلي الوصول إليها بيسر. ويرى المؤلف أن الغربيين، الذين زاروا شبام وكتبوا عنها، يسعون إلى كسب الشهرة من خلال الاستكشاف، ورفد قرائهم بمعلومات علمية جديدة، لاسيما في مجالات التاريخ والجغرافيا، والعمران، والتركيبات الاجتماعية والأنساب القبلية. وإذا كان بعضهم قد كتب عن بلادنا تقارير استخباراتية لم يتم نشرها كاملة، فمعظم الرحالة والمستشرقين الغربيين سعوا إلى كسب الشهرة من خلال نشر الكتب التي تقرأ بشكل واسع، لذلك فهم يؤكدون دائما على احتواء كتبهم على معارف علمية دقيقة وإن كانت تلك المعارف تسعى في بعض الأحيان إلى ترسيخ بعض الأحكام المسبقة التي كونها القارئ الغربي حول الشرق بشكل عام.
كما تكتسب المادة التاريخية التي تحتويها كتابات الرحالة والمستشرقين عن حضرموت أهمية بالغة لأنّ جزءاً كبيراً منها يتناول الجوانب التاريخية الاجتماعية، لا سيما تلك المرتبطة بحياة المرأة وبدو الصحراء، والمعتقدات الشعبية التي كانت سائدة في حضرموت ولم تنل اهتماما يذكر من قبل المؤرخين المحليين.
ولا يفوت الأستاذ عمشوش تنبيهنا إلى أن جميع النصوص التي ترجمها وضمنها كتابه تعكس في المقام الأول المنطلقات الأيديولوجية أو الاستعمارية لمؤلفيها الغربيين، الذين حرصوا كذلك على إضفاء بعض الأبعاد الفنية الهادفة إلى جذب القارئ الغربي وإثارته، وإرضاء خياله الذي لا يرى في الشرق إلا أرضا للعجائب والغرائب.