رؤية للسلام.. ووطن جديد 

رؤية للسلام.. ووطن جديد 

كتب/ د. مختار علوي القشبري*

في ظل التداعيات إلى توافقات السلام وانتهاء الحرب الدائرة بين اليمنيين، ورعاية دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لهذا السلام، وفي ظل تزمّت القوى الانقلابية (الحوثيين)، ورفع مستوى الشروط التي تضعها الجماعة الحوثية للدفع بعجلة السلام للأمام، وتخاذل كثير من القوى السياسية اليمنية لإنجاح عملية السلام، وفي ظل صدق النوايا التي تقدمها المملكة العربية السعودية من خلال إجراءات عملية لحفظ التوازن السياسي والمذهبي والمناطقي في اليمن، وحتى لا يكون الحل والعقد بيد جماعة واحدة على حساب تهميش الجماعات والقوى الأخرى، ومن أجل أن يتسع اليمن لكل اليمنيين.. نقدم هذه الرؤية الوطنية للسلام في الحد الممكن لكي يسكنَ المواطن اليمني وتسيرَ عجلة التنمية.. وهي تعدّ خطوة للأمام لرفع أتعاب المعاناة عن كاهل المواطن اليمني بكافة أطيافه.

إذا نظرنا إلى النتائج الميدانية للحرب التي أكلتِ الأخضر واليابس وطحنتِ اليمن شماله وجنوبه وشرقه وغربه، ودفع ضريبتها كل مواطن يمني من قوت أطفاله أو من زهرة شبابه أو من طموحاته ومستقبله، فعاش ما بين التشريد والمعاناة في الداخل والخارج، وما يقدمه التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية من عروض للسلام، وتحمّل المملكة من جانبها لكثير من جوانب التنمية في الحفاظ على أمن واستقرار اليمن، وحفظ هويته العربية وثوابته الإسلامية من غير المساس بسيادة البلد وتمثيله في كافة المحافل العربية والدولية.. إذا نظرنا إلى كل ذلك وأخذناه في حسابنا، فإنّ الخريطة أدناه توضّح جغرافية سيطرة السلطة الشرعية بكافة أطيافها السياسية والعسكرية( وهي المناطق الشرقية والجنوبية من الخط الفاصل الذي وضعه كاتب هذه السطور وأجزاء جنوبية من محافظة الحديدة) .. كما أنها توضّح المناطق التي يقوم الانقلابيون بالسيطرة عليها وهي محافظات (صنعاء وأمانة العاصمة وذمار والبيضاء وريمة وإب وعمران وحجة والمحويت ومعظم محافظة صعدة ومعظم محافظة الحديدة والأجزاء الغربية من محافظة الجوف)، ولا تزال بعض المناطق في أماكن التماس مناطق للصراع لابد من الاتفاق على إنهاء الصراع فيها عن طريق التراضي بين أطراف الصراع بالطرق العرفية.. وبناءً على هذه الخريطة (ولو كانت تقريبية إلى حد كبير) نقدّم الرؤية الجديدة للسلام بوطن جديد يحقق فيه اليمنيون طموحاتهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل وتزول من خلاله معاناة المواطن؛ وذلك لأن المواطن في شمال اليمن وجنوبه وفي مناطق سيطرة الحكومة الشرعية ومناطق سيطرة الحوثيين جميعها مناطق قد تعب فيها، وكذلك لابد لكل حرب من نهاية للسلام، ولابد أن يتداعى كل العقلاء إلى إيقاف نزيف الدم وإزهاق الأرواح والاتجاه نحو البناء في أي جغرافية محدودة أو موسعة مع بقاء أخوة الجوار والاستفادة من تجارب الحرب لأجل البناء واستدامة التنمية.. ولله درّ امرئ القيس إذ يقول: 

الحرب أول ما تكون فتية ** تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ** ولّت عجوزا غير ذات حليل

شمطاء ينكر لونها وتغيرت ** مكروهة للشم والتقبيل   

 

نقاط الرؤية: 

يجلس الطرفان على طاولة حوار مشترك ويتفقان على فصل البلد على منوال هذه الخريطة إلى بلدين.. يعم فيهما السلام وترفع فيها الحرب رحاها.. ويكون هذا الحوار بإشراف دول التحالف العربي والأمين العام للأمم المتحدة عبر مندوبه في اليمن. 

يلتزم الحوثيون أمام المجتمع الدولي وضمانات الدول الداعمة للحوثيين برعاية التعايش السلمي مع دول الجوار من اليمنيين المجاورين له والمملكة العربية السعودية. 

العفو عن كل المعارضين السياسيين في البلدين وعودة من يريد منهم العودة وممارسته جميع حقوقه الوطنية بناء على ما يكلفه له دستور الدولة التي سيكون من مواطنيها ( في الشمال أو الجنوب). 

إطلاق سراح جميع الأسرى بسبب الحرب في البلدين وكفالة جميع حقوقهم كما يكفله القانون الدولي ودستور الجمهورية اليمنية الذي سيصاغ على منواله قانون المواطنة من قبل كل دولة في مناطق سيطرتها حسب الخريطة.

تحمل كل دولة من الدولتين في مناطق سيطرتهم رواتب موظفيها في القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب وتعويض من يستحق التعويض من الجرحى والمشردين وأسر الشهداء مع ضمان الدول الداعمة لأطراف الحرب بدعم حلفائها في إعادة الإعمار والتنمية ( التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية تقوم بدعم حلفائها في إعادة الإعمار والتنمية ) ( وإيران تقوم بمسؤولياتها تجاه حلفائها الحوثيين في الإعمار والتمنية)، بضمانات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. 

لكل دولة الحق في اختيار شكل الدولة وهياكل مؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية مع الاحتفاظ بحقوق المواطن وكفالة جميع الحريات الإنسانية ورعاية الثوابت اليمنية في الأعراف والتقاليد والمعتقدات الدينية التي تعايش اليمنيون من خلالها منذُ قديم الزمان.  

فتح حركة الانتقال بين البلدين الجارين الشقيقين بسهولة والدفع بعجلة التنمية التجارية والسياحية بين البلدين مع الاحتفاظ باحتياطية الجاهزية الأمنية لكل بلد تجاه الآخر. 

لكل دولة الحق في الاعتراف بمن تريد من الدولتين (الشمالية أو الجنوبية والشرقية) الدول العربية والإسلامية الشقيقة والدول غير العربية من الدول الصديقة. 

الاعتراف بدولة الشمال في جامعة الدول العربية كدولة عربية شقيقة لها مقعدها الخاص في جامعة الدول العربية مع التزامها بكافة مواثيق العروبة في اللغة والدم وتشارك العرب في طموحاتهم وهمومهم. 

حل الدولتين في التعاملات المصرفية والبنكية ولكل دولة الحق في اختيار عملتها وطباعتها بالتنسيق مع الدول الحليفة وصندوق النقد الدولي. 

لكل دولة الحق في بناء مؤسساتها العسكرية والأمنية وإعادة هيلكتها على أساس وطني من غير المساس بمصالح دول الجوار وضمانات الاشتراك في برامج مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في منطقة الشرق الأوسط.  

عدم تدخل أي دولة في شؤون الدولة الأخرى من حيث التعليم وبرامج التثقيف وتطوير البرامج الصحية والتنمية السكانية وتطوير حركة الاستثمار والتنقيب عن النفط والثروة في مناطقها.

بالنسبة لمناطق سيطرة الحكومة الشرعية على اختلاف أطيافها.. ومعظمها من مناطق ما كان يعرف قبل الوحدة بـ( اليمن الديموقراطية الشعبية).. وهي مناطق ظُلِمتْ كثيرًا بعد حرب عام 1994م من قبل نظام المؤتمر الشعبي العام وبقاء مؤسسة الرئاسة في يد الشمال طيلة هذه الفترة .. وعليه انطلاقًا من مبدأ الشراكة الوطنية تعود مؤسسة الرئاسة في أبناء المحافظات الجنوبية مدة عشرين سنة كنوعٍ من ردّ الاعتبار؛ وذلك بأن يكون رئيس الجمهورية من أبناء المحافظات الجنوبية ويكون له نائبان واحدٌ للتمثيل الشرقي وواحد للتمثيل الغربي من المحافظات الجنوبية والشرقية التي تحت سيطرة الحكومة الشرعية حاليًا. 

يلغى منصب رئيس الوزراء لمدة سنتين ويقوم رئيس الجمهورية ونائباه بمهام رئيس الحكومة كما تقوم مؤسسة الرئاسة بالإعداد للترتيب لانتخابات رئاسية وبرلمانية لترشيح أعضاء مجلس النواب ورئيس الجمهورية الجنوبي ونائبيه للشؤون الغربية والشرقية؛ وذلك من خلال تشكيل اللجان ذات الاختصاص في ذلك من كآفة الاختصاصات. 

تظل محافظة عدن عاصمة سياسية مستدامة للجمهورية ويكون اسم الجمهورية (جمهورية اليمن الجنوبية والشرقية).. ويبقى علم الجمهورية كما هو بالألوان الثلاثة إلى حين الاستفتاء على تغييره لو كانت هناك حاجة.  

 

يقوم البرلمان المنتخب بالتصويت على ألوان العلم وإعداد اللجان ذات الاختصاص لإعادة النظر في التشريعات المؤسسية في كافة مؤسسات الدولة.

يقوم البرلمان بعد الانتخابات باختيار رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ونائبيه من خلال الأصوات الأكثر في أعضاء البرلمان وتوزيع حقائب حكومة الوحدة الوطنية على أساس التقسيم الجغرافي للبلد في (جمهورية اليمن الجنوبية والشرقية) بأن يكون حصة محافظات (اليمن الديموقراطية الشعبية) 75% تتقاسمها المحافظات بنسب معينة حسب أعداد السكان في كل محافظة ( عدن لحج أبين شبوة حضرموت المهرة الضالع سقطرى) ومحافظة مأرب والجوف 15% ومحافظة تعز ومديريات الساحل الغربي 10% ويعدّ هذا نوع من رد الاعتبار لأبناء المحافظات الجنوبية الذين يشكلون النصيب الأكبر من جغرافية الجمهورية الجديدة. 

يقوم البرلمان بتحديد وتشريع فترة الرئاسة لكل رئيس جمهورية منتخب بما لا يتجاوز خمس سنوات للفترة الواحدة على أن تجدد للرئيس الواحد مرة واحدة فقط لضمان التداول السلمي للسلطة وتدوير العملية السياسية بين كل القوى. 

تقوم الحكومة بإعداد اللجان ذات العلاقة في اختيار العملة الوطنية الجديدة أو تغييرها ورسم سياسة النقد الوطني الجديدة في مدة لا تزيد عن ستة أشهر من استلام مهامها.        

تشكل الحكومة بأدنى الحقائب الوزارية التي يمكن أن تعمل على تسيير شؤون البلاد وذلك لتقليل نفقات الوزارات.

يفعل دور المجالس المحلية المنتخبة في المحافظات والمديريات للتخلص من الضغط على السلطة المركزية في العاصمة عدن في تقديم الخدمات في جوانب الكهرباء والمياه وتطوير القطاع الصحي والبيئي والقطاع التعليمي وخدمات الاتصالات. 

تطوير القطاعات الأمنية والعسكرية ودمج جميع القطاعات تحت مظلة وزارتي الدفاع والداخلية وأجهزة المخابرات العامة التابعة لمؤسسة الرئاسة. 

يكون الترشيح في أول انتخابات للحقائب الوزارية ومقاعد البرلمان عبر النسب المئوية في تعداد سكان المحافظات المحررة المشكلة لجغرافية الجمهورية الجديدة. 

يجمّد دور جميع الأحزاب السياسية لمدة خمس سنوات ومن أراد العمل منهم في السياسة فليكن عبر المحافظات التي ينتمي لها عناصر هذه الأحزاب ويكون من نسبة المحافظة في التمثيل البرلماني والوزاري والرئاسي.

تجميد الدور العملي للأحزاب السياسية لا يعني بأي شكل عرقلة العمل الديمقراطي في البلد ولكنه نوع من الترتيب العملي لعودة الديمقراطية من جديد بعد الترتيب لمدة خمس سنوات (سنتين الفترة الانتقالية وثلاث سنوات الأولى من فترة الرئيس الجنوبي المنتخب في الانتخابات الأولى).  

* أكاديمي في جامعة عدن