تفاصيل عن الحالة المأساوية التي وصلت لها غزة ومستشفياتها
قال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، الدكتور أحمد المنظري، إن "ما يتعرض له قطاع غزة هو من أخطر الطوارئ الصحية التي تعاملت معها المنظمة"، كاشفا في الوقت ذاته، عن عدم قدرة المنظمة الحصول على تحديثات بشأن عدد الضحايا في غزة.
وأوضح أحمد المنظري في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن حجم القتل والدمار والهجمات التي شهدناها في غزة منذ 7 أكتوبر الماضي وإلى الآن غير مسبوق من حيث عدد الضحايا الذي تجاوز 11 ألف وفاة أغلبها بين الأطفال والنساء والمسنين، وعدد الهجمات أيضا التي شنت على المنشآت الصحية والتي تمثل تجاوز صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وأضاف:"هدم البنية التحية للقطاع الصحي حتى وصل حد الانهيار، وحرمان أكثر من مليوني شخص من إمدادات المياه والكهرباء والوقود، وإحكام الحصار الشامل عليهم ومنع أو الحد من وصول ما يكفي من المساعدات الإنسانية عبر الحدود، والإجلاء القسري للمرضى والعاملين الصحيين من المستشفيات والتي كان آخرها مجمع الشفاء الطبي".
مهمة شديدة الخطورة
تحدث المنظري عن تفاصيل زيارة فريق أممي طبي بقيادة منظمة الصحة العالمية لمستشفى الشفا الطبي، يوم الأحد، ونتائج الزيارة، والوضع الحالي بالمستشفى، قائلا:
وصل السبت، فريق مشترك لتقييم الشؤون الإنسانية تابع للأمم المتحدة، بقيادة منظمة الصحة العالمية، إلى مستشفى الشفاء في شمال غزة؛ لتقييم الوضع على الأرض وإجراء تحليل سريع للوضع، وتقييم الأولويات الطبية ووضع خيارات لوجستية لمزيد من البعثات.
هذه المهمة "شديدة الخطورة"؛ لأنها في منطقة نزاع نشطة، مع استمرار القتال العنيف بالقرب من المستشفى .
سبق وصول الفريق الأممي المشترك، إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر بإخلاء 2,500 نازح داخليا يلتمسون اللجوء في المستشفيات، كانوا قد أخلوا المرفق، إلى جانب عدد من المرضى المتنقلين وموظفي المستشفى، بحلول الوقت الذي وصل فيه الفريق.
بسبب القيود الزمنية المرتبطة بالوضع الأمني، تمكن الفريق من قضاء ساعة واحدة فقط داخل المستشفى، الذي وصفه بأنه "منطقة موت"، والوضع بأنه "يائس"، وكانت علامات القصف وإطلاق النار واضحة.
رأى الفريق "مقبرة جماعية" عند مدخل المستشفى، وقيل لهم إن أكثر من 80 شخصا دفنوا هناك.
لاحظ الفريق أنه نظرًا للوضع الأمني، فقد استحال على الموظفين تولي إدارة النفايات بشكل فعّال في المستشفى، وكانت الممرات وأرضيات المستشفى مليئة بالنفايات الطبية والصلبة، مما زاد من خطر الإصابة بالعدوى.
كان المرضى والعاملون الصحيون الذين تحدثوا مع الفريق يخشون جدًا على سلامتهم وصحتهم، وطلبوا الإجلاء من المستشفى.
لم يعد بإمكان مستشفى الشفاء استقبال المرضى، ويجري الآن توجيه المصابين والمرضى إلى المستشفى الإندونيسي الذي يواجه ضغطًا شديدًا ويكاد لا يعمل.
بقي في مستشفى الشفاء 25 عاملًا صحيًا و291 مريضًا، وتُوفي عدد من المرضى خلال اليومين إلى الثلاثة أيام الماضية، بسبب توقف الخدمات الطبية.
ضم الفريق الأممي الذي زار المستشفى خبراء في مجال الصحة العامة ومسؤولين لوجستيين وموظفين أمنيين من مختلف إدارات الأمم المتحدة.
وكتب الأمين العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس عبر منصة إكس (تويتر سابقا) : "رأى الفريق مستشفى لم يعد قادرا على العمل: لا ماء ولا طعام ولا كهرباء ولا وقود، والإمدادات الطبية استنفدت".
لا قدرة على تحديث الضحايا
يشرح المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، الوضع الحالي للمنظومة الصحية في غزة، في عدد من النقاط:
المنظومة الصحية في غزة على وشك الانهيار بعد صمود كبير لحوالي 6 أسابيع كاملة، بعد أن تجاوز الوضع حد المأساة وأصبح أكثر من كارثي.
فقدنا القدرة على تلقي تحديثات عن أعداد الضحايا منذ 10 نوفمبر الحالي والتي بلغت حينها أكثر من 11 ألف وفاة.
إغلاق حوالي 27 مستشفى من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة وأكثر من 47 من أصل 72 مركز صحي.
عدد الاعتداءات على المرافق الصحية بنحو 275 اعتداء من بينها 140 اعتداءاً وقعت في غزة ، وأدت إلى انهيار النظام الصحي.
نزوح 1.6 مليون شخص من منازلهم، نصفهم من الأطفال، يعيش أكثر من 740,000 منهم في ملاجئ مكتظة، وهؤلاء الأشخاص معرضون لخطر الإصابة بالأمراض السارية، ومع محدودية فرص الحصول على المياه النظيفة، هناك خطر متزايد للإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه.
هناك 350.000 شخص مصابين بالأمراض غير السارية (أمراض القلب والسكري والسرطان وارتفاع ضغط الدم وغيرها.
9000 مريض بالسرطان يحتاجون رعاية عاجلة، ومع توقف المستشفيات عن العمل يتعرض 70 مريضاً بالسرطان لخطر الموت.
هناك أكثر من 1000 شخص بحاجة لغسيل الكلى، بينهم 30 طفلاً.
انتشار الأوبئة والأمراض
وردا على تأثير الوضع الصحي الحالي في غزة على انتشار الأمراض، والأوبئة، قال المنظري لموقع "سكاي نيوز عربية" : "مع معاناة المواطنين من نقص الغذاء، وسوء التغذية، والطقس البارد الوشيك،واحتمالات هطول الأمطار التي تفاقم من الوضع خاصة على النازحين في أماكن الإيواء، سيكونون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض".
وأعرب في هذا الصدد عن خشيته مع دخول الشتاء من أن يتفاقم تأثيرها على النازحين والمقيمين في العراء، أو في أماكن إيواء مؤقتة غير مهيئة لهذه الظروف الجوية، ويتزايد بشدة احتمالات انتشار الأمراض السارية والأمراض التنفسية.
وحذر أيضا من تعطل تقديم التطعيم الروتينية، إضافة إلى نقص الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المعدية، سيؤدي إلى زيادة خطر تسارع انتشار المرض، ويتفاقم هذا الأمر بسبب التغطية غير الكاملة لنظام مراقبة الأمراض وترصدها، بما في ذلك الكشف المبكر عن الأمراض وقدرات الاستجابة لها.
حكم بالإعدام
ووفقا للمسؤول بنظمة الصحة العالمية، فقد رصدت المنظمة منذ منتصف أكتوبر 2023 وإلى الآن، انتشار لعدد من الأمراض على النحو التالي:
الإبلاغ عن أكثر من 33,551 حالة إسهال في ملاجئ النازحين، أكثر من نصف هذه الحالات بين الأطفال دون سن الخامسة، وهي زيادة كبيرة مقارنة بمتوسط 2000 حالة شهريًا لدى الأطفال دون سن الخامسة طوال عامي 2021 و2022.
الإبلاغ عن 54866 حالة إصابة بالتهابات الجهاز التنفسي العلوي.
اكتظاظ أماكن الإيواء التي لا يتوفر لها الحد الأدنى من أساسيات البيئة الصحية يعني أن أمراضًا وفاشيات عديدة يمكن أن تنتشر بسهولة أكبر.
نزح 1.6 مليون شخص من منازلهم، نصفهم من الأطفال، يعيش أكثر من 740,000 منهم في ملاجئ مكتظة، هؤلاء الأشخاص معرضون لخطر وشيك للإصابة بالأمراض المعدية، ومع محدودية فرص الحصول على المياه النظيفة، هناك خطر متزايد للإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه.
تفيد الأونروا أن مركز تدريب خانيونس التابع للأونروا يستضيف حاليًا أكثر من 22,000 نازح داخليًا، حيث تقل المساحة للشخص الواحد عن مترين مربعين، ويتشارك ما لا يقل عن مصر 600 شخص في مرحاض واحد، ويشكل تدهور الظروف الصحية، إلى جانب الافتقار إلى الخصوصية والمساحة، مخاطر هائلة على صحة وسلامة الأشخاص الذين يلجأون إلى المأوى.
وأكد المنظري أن توقف المستشفيات عن العمل هو "حكم بالإعدام على مرضى الحالات الحرجة المقيمين بها، والذين لا يمكن إجلاؤهم من تلك المستشفيات دون تعريض حياتهم للموت، إضافة إلى أن هناك عشرات الآلاف من المرضى الذين يحتاجون رعاية على مدار الساعة مثل مرضى السرطان والقلب والفشل الكلوي ونزلاء وحدات الرعاية المركزة والكلوي".
وفاة 100 من العاملين بالأونروا
وبسؤاله عن وضع طواقم منظمة الصحة العالمية على الأرض في غزة، أجاب المنظري: مكتب المنظمة القطري في الأرض الفلسطينية المحتلة وفروعه في قطاع غزة، وتضم هذه المكاتب موظفي المنظمة ومنسوبيها الذين يعملون من الداخل، ويتواصلون مع وزارة الصحة في القطاع، والشركاء على الأرض مثل وكالة الأونروا وسائر المنظمات الأممية الشقيقة، والهلال الأحمر الفلسطيني.
وأعرب عن أسفه من وفاة أكثر من مائة من العاملين الصحيين بالأونروا خلال قيامهم بواجبهم في توفير العون والمساندة لسكان الغزة.
وحرص المنظري، على الإشادة بالعالمين الصحيين في غزة، مشيرا إلى أن هؤلاء العاملين يضربون أروع الأمثلة في التضحية، والاستبسال في أداء واجباهم المهني والإنساني بل والذهاب أبعد من نداء الواجب لإسعاف الجرحى وإنقاذ الأرواح في ظل ظروف مستحيلة وتحت ضغوط عصبية ونفسية هائلة بل ويتعرضون للقصف خلال الهجمات التي تستهدف المنشآت الصحية.
ويتابع : أبسط الحقوق التي نطلبها لهؤلاء العاملين الصحيين أن يؤدوا عملهم دون أن يتم تهديد حياتهم بالاعتداءات التي تستهدف المنشآت الصحية، وأن يتم توفير اللوازم الطبية والحد الأدنى من متطلبات العمل الصحي مثل إمدادات الكهرباء والمياه لتمكينهم من أداء مهامهم.