محمية بحيرة البجع في عدن: إهمال يُهدد التنوع البيولوجي
تُعد محمية بحيرة البجع في عدن، واحدة من أهم المحميات الطبيعية للطيور في البلاد والمنطقة كلها، وهي تقع ضمن محميات الأراضي الرطبة في مدينة عدن، التي تم الإعلان عنها رسميًا في اليمن في أغسطس 2006، كما تم تسجيلها ضمن 16 أرض رطبة في دليل الأراضي الرطبة على مستوى الإقليم.
كتب / عبد اللطيف سالمين*
وتمتد محميات الأراضي الرطبة من مديرية خورمكسر إلى مديرية المنصورة جنوبًا، تغمرها المياه بارتفاع يتراوح من بضعة سنتميترات الى ستة أمتار من أدنى مستوى البحر (حالة الجزر). وبمساحة تقدر بنحو 110 هكتار، تعد محمية بحيرة البجع إحدى أهم هذه المحميات الخمس إلى جانب محمية الحسوة، ومحمية المملاح، ومحمية مصب الوادي الكبير، ومحمية بير أحمد.
الجدول: حلم أخضر
وخلال فترة الشتاء من أكتوبر إلى فبراير من كل عام، يتوافد حوالي 10 آلاف طائر سنويًا من 150 نوعًا مختلفًا من الأنواع المائية والخواضة إلى هذه المحمية ضمن الهجرة الشتوية من أوروبا وآسيا إلى إفريقيا. تنجذب هذه الطيور بسبب وفرة الأسماك الصغيرة في الأراضي الرطبة وكونها بعيدة عن التيارات البحرية والتغيرات المناخية الحادة. الأنواع الأكثر شهرة هي البجع، والنحام الوردي القصير، والنورس أبيض العين، وملك العقبان، والبلشون، وغيرها من الطيور.
جانب من الطيور المائية في عدن (الدليل العلمي للطيور المائية في عدن - وزارة المياه والبيئة اليمنية - البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة)
ومنذ سنوات طويلة، تعرضت محمية البجع لإهمال شديد أدى إلى تناقص أعداد الطيور المهاجرة، وتلويث بيئتها المثالية نتيجة لتراكم أطنان من المخلفات البشرية والنفايات، وطيور الغربان العدائية، علاوة على البناء العشوائي والردم الواسع لأجزاء من أراضي المحمية. كما فقدت المحمية معظم زوارها من داخل وخارج عدن الذين اعتادوا على التنزه فيها والاستمتاع بمناظرها.
التلوث البيئي في محمية البجع بعدن، 27 أكتوبر 2023
أهمية بيئية كبيرة:
الأراضي الرطبة هي المناطق التي تلتقي فيها اليابسة بالماء، مثل السواحل والبحيرات الساحلية والسبخات المالحة. ترتفع مياه البحرعلى هذه الأراضي ثم تنحسر بشكل منتظم. تُعتبر هذه البيئة جميلة للغاية، مع حركة حيوية وثروة بيولوجية واسعة. تتواجد فيها أنشطة اقتصادية مميزة. بالإضافة إلى ذلك، لها أهمية بيئية هامة في تعديل المناخ.
وبالنسبة لبحيرة البجع في عدن، قال الدكتور جمال محمد باوزير، أستاذ علوم البيئة في جامعة عدن والباحث في مجال البيئة والتنمية المستدامة، لمركز سوث24: "بحيرة البجع هي موقع هام لتكاثر الكائنات البحرية وخاصة الأسماك. تحظى البحيرة بحماية وإدارة من قبل الهيئة العامة لحماية البيئة على الرغم من أنها تخضع لملكية المنطقة الحرة عدن".
جانب من الطيور المائية في عدن (الدليل العلمي للطيور المائية في عدن - وزارة المياه والبيئة اليمنية - البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة)
وأضاف: "لا يوجد تاريخ محدد لبحيرات عدن لأنها كانت في الماضي جزءًا من المساحات البحرية في بندر التواهي. ولكن عند بناء الطريق البحري، تم إنشاء ممرات للسماح بتدفق مياه البحر إلى البحيرات خلال حالات المد والجزر. حيث تتدفق المياه البحرية تحت الجسر إلى أحواض الملح لتلبية احتياجاتها من ماء البحر في إنتاج الملح البحري".
تلوث جسيم
خلال الزيارة الميدانية إلى محمية البجع في عدن، كان الجو جميلاً وهادئاً لكن وضع المحمية يثير الحزن. في الماضي كان المكان مليئًا بتشكيلات متنوعة من أسراب الطيور المهاجرة والنادرة. ولكن اليوم، الحالة قد تغيرت وأصبح المكان مهجورًا تقريبًا، ولا يوجد سوى عدد قليل جدًا من تلك الطيور.
تتراكم مخلفات البناء والقمامة بكثرة عند أطراف بحيرة البجع، وهو ما يشكل تهديدًا للبيئة ويعرض وجود الطيور المهاجرة والحياة البحرية للخطر.
التلوث البيئي في محمية البجع بعدن، 27 أكتوبر 2023
ويشير د. جمال باوزير إلى أن محمية البجع ظلت خارج دائرة اهتمام الدولة والمؤسسات المعنية طوال الفترة الماضية. مضيفًا: "الاهتمام كان مركزًا في السابق على محمية الحسوة في عدن. رغم أن هناك أربع محميات أخرى للأراضي الرطبة في عدن، إلا أنها لم تلق نفس الاهتمام الذي لقته محمية الحسوة".
ويلفت باوزير إلى أن محمية مصب الوادي الكبير هي الأخرى تعاني من الزحف العمراني المدمر. لافتاً إلى أنَّه "تم تغيير استعمالات الأرض فيها وتحويلها إلى موقع بُنِيَ عليه عدد من البنايات الخرسانية بعد إزالة مئات الأشجار".
جانب من الطيور المائية في عدن (الدليل العلمي للطيور المائية في عدن - وزارة المياه والبيئة اليمنية - البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة)
وأوضح باوزير أن النفايات والمخلفات الصلبة والمواد البلاستيكية في محمية البجع "تشكل خطرا داهما على البحيرة ومكوناتها الحيوية، وتؤدي وتقلص المساحة المحمية إلى تراكم النفايات على الأطراف". "كما أن الأكياس البلاستيكية تتسبب في تشويه المنظر الجمالي للبحيرات وتؤثر على محميات الطيور المائية. ولا تتحلل هذه الأكياس بسرعة وتقوم بقتل الكائنات البحرية النباتية والحيوانية".
الحاج محمد، أحد سكان مدينة كريتر القديمة في عدن قال إنه يشعر بالأسى لواقع محمية البجع اليوم. استذكر الحاج محمد، في حديثه لمركز سوث24 كيف كانت محمية البجع تُعتبر سابقاً متنفساً للسكان والسياح. مضيفًا: "مع إعلان وحدة اليمن في 1990، تم تجاهل وإهمال هذه المنطقة تدريجيًا".
التلوث البيئي في محمية البجع بعدن، 27 أكتوبر 2023
لكن مدير الهيئة العامة لحماية البيئة بعدن المهندس نيازي مصطفى ينفي أن تكون الإدارة التي يرأسها قد أهملت محمية البجع. وقال لمركز سوث24: "ليس صحيحا أننّا نتجاهل أو نهمل المحمية. لطالما قمنا بالتشديد دائمًا على ضرورة حماية جميع المحميات في العاصمة عدن".
وأوضح نيازي أنه "تم اتخاذ عدد من الإجراءات من قبل الهيئة لحماية البيئة، منها تثبيت لوحات توعوية وتنظيم رحلات علمية للطلاب لزيارة المحمية ومشاهدة الطيور البحرية".
جانب من الطيور المائية في عدن (الدليل العلمي للطيور المائية في عدن - وزارة المياه والبيئة اليمنية - البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة)
ولفت إلى أنَّ "الهيئة تعمل حاليًا على إعادة تركيب اللوحات وتنظيم رحلات أخرى للطلاب، وفي المستقبل، سيتم تشجيع الدراسات والأبحاث العلمية عن الطيور البحرية في المحمية. كما سيتم تحسين نظام مراقبة الطيور وإعادة تأهيل غرفة المراقبة. وستقام العديد من الفعاليات أثناء هجرة الطيور من أوروبا إلى المحمية".
مضيفًا: "الهيئة بحاجة إلى جهود مشتركة للحفاظ على المحمية ومنع البسط والبناء ورمي مخلفات البناء فيها، وذلك بالتعاون مع وزارة المياه والبيئة، ووزارة الأشغال العامة، وقيادة السلطة المحلية في عدن". وكشف نيازي أنَّ "محميات الأراضي الرطبة في محافظة عدن لا تمتلك ميزانية خاصة بها".
جانب من الطيور المائية في عدن (الدليل العلمي للطيور المائية في عدن - وزارة المياه والبيئة اليمنية - البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة)
ويؤكد نيازي على خطر الملوثات الموجودة في محمية البجع بعدن، لاسيما المواد البلاستيكية، لافتا إلى أنها "تعد خطرًا على الطيور التي تتناولها عند الشعور بالجوع، والكائنات البحرية الأخرى مثل السلاحف البحرية، وتؤدي إلى موت هذه الكائنات".
التلوث البيئي في محمية البجع بعدن، 27 أكتوبر 2023
خطوات ضرورية
يوفر القانون اليمني مساحة كبيرة للجهات التنفيذية على الأرض لاتخاذ خطوات متعددة لحماية البيئة والمحميات الطبيعية، حيث يؤكد القانون رقم (26) لسنة 1995 بشأن حماية البيئة على "منع ومحاربة الأنشطة التي تتسبب في تدمير البيئة الطبيعية والإضرار بالحياة البرية والبحرية وتقليل جمالها".
علاوة على ذلك، وقعت اليمن موافقتها في 2006 على "اتفاقية رامسار" بشأن الأراضي الرطبة ذات الأهمية الدولية وخاصة بوصفها مآلف للطيور المائية، الموقعة في عام 1971. وعلى الرغم من هذه التشريعات الوطنية والاتفاقية الدولية، لا يوجد الكثير من العمل على الأرض.
جانب من الطيور المائية في عدن (الدليل العلمي للطيور المائية في عدن - وزارة المياه والبيئة اليمنية - البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة)
ويؤكد د. جمال باوزير على أهمية الحفاظ على محمية البجع في عدن والمحميات الأخرى. مضيفًا: "يجب استثمار هذه المحمية وتحويلها إلى متنزه طبيعي وفق شروط بيئية. كما يجب رفع الوعي البيئي حول محميات الأراضي الرطبة وتطوير آليات حمايتها وتحسينها لخدمة السياحة البيئية في المدينة. وأوصى بتشجيع وتنمية هواية مراقبة الطيور في المدارس والأندية البيئية".
التلوث البيئي في محمية البجع بعدن، 27 أكتوبر 2023
وفي 14 أكتوبر الماضي، تم الاحتفال باليوم العالمي للطيور المهاجرة لرفع الوعي بأهميتها وحماية مواطنها. وكان تقرير "حالة الطيور في العالم 2022"، الصادر عن منظمة "بيردلايف إنترناشونال"، قد أشار إلى أن نصف أصناف الطيور مهددة بالانقراض في حين أن الحالة العامة للطيور حول العالم سيئة.
*صحفي من عدن