بعد فوزه دون شك ستقلب السياسة الأمريكية رأساً على عقب.. كيف ستكون علاقة ترامب مع الخليج وحرب اليمن؟
يتفق خبراء ومحللون على أنه في حال عودة ترامب إلى سدة الحكم في 2024، فسيكون لذلك تأثير كبير على الشرق الأوسط، وبالخصوص على دول منطقة الخليج.

(الأول) رصد خاص:
تابع العالم ودول الخليج بشكل خاص، الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي انطلقت في 5 نوفمبر، والتي تنافست فيها الديموقراطية كامالا هاريس نائبة الرئيس جو بايدن، مع سلفه الجمهوري دونالد ترامب.
ولعل عودة ترامب إلى سدة الحكم، بعد إعلان فوزه، ستقلب بدون شك السياسة الخارجية الأمريكية رأساً على عقب من جديد، حسب التوقعات، خصوصاً مع التغيرات التي شهدها العالم والمنطقة خلال سنوات حكم بايدن.
ويتفق خبراء ومحللون على أن عودة ترامب إلى سدة الحكم في 2024، سيكون لها تأثير كبير على الشرق الأوسط، وبالخصوص على منطقة الخليج، وهو أمر يطرح تساؤلات حول نظرة دول مجلس التعاون لهذا السيناريو، خصوصاً السعودية.
تخوفات وتطمينات
مع ارتفاع حظوظ عودة ترامب إلى البيت الأبيض خلال الأشهر الماضية، عاد القلق من سياساته وهوسه بجمع المال وإبرام الصفقات مع دول المنطقة، وحصد مليارات الدولارات، سواء للاقتصاد الأمريكي، أو لمشروعاته الخاصة.
وطُرحت سيناريوهات مختلفة يمكن أن يتبناها ترامب في دورته المقبلة قياساً على تلك المطبَّقة في فترته الأولى، ومنها اللجوء إلى الصفقات الدفاعية مع دول الخليج لتحصيل مزيد من الأموال، إلا أنه سبق الفوز بتصريحات إيجابية حول دول خليجية.
ومع اقتراب الانتخابات، بدت دول مجلس التعاون الخليجي مهتمة بمعرفة ما لدى كل من المرشحَين الرئاسيَّين الأمريكيَّين، وهي رغبة متبادلة أيضاً.
وفي هذا السياق، أجرى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني (22 سبتمبر)، لقاءً مع ترامب الذي بدا سعيداً بذلك.
ترامب كتب على منصة "تروث" حينها: "كانت لدينا مع قطر علاقة رائعة خلال سنواتي في البيت الأبيض، وستكون أقوى هذه المرة (في حال فاز بالانتخابات الرئاسية)".
المرشح الرئاسي الأمريكي قال إنه وجد الشيخ تميم "راغباً في تحقيق السلام بالشرق الأوسط، ومختلف أرجاء العالم"، وأنه "أثبت قوته وقيادته العظيمة لدولته (قطر) على كل المستويات وبسرعة قياسية".
وبعدها بأيام التقى الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي زار واشنطن، الرئيس الأمريكي الجديد، الذي كانت فترة رئاسته السابقة حافلة بالاتفاقيات والتفاهمات بين الولايات المتحدة والإمارات.
وبحث الجانبان "العلاقات الاستراتيجية التي تجمع البلدين، كما تبادلا وجهات النظر بشأن عدد من الموضوعات والقضايا محل الاهتمام المشترك"، وفق وكالة أنباء الإمارات (وام).
وأكد بن زايد أن العلاقات الإماراتية - الأمريكية "ترتكز على رؤية مشتركة للتقدم والازدهار منذ قيامها قبل أكثر من 50 عاماً، وتشكل الشراكة التنموية ركيزة أساسية لهذه العلاقة"، معبراً عن "تقديره لجهود ترامب في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والولايات المتحدة".
ترامب والخليج
على مدار نحو 8 سنوات، مرت العلاقات الأمريكية الخليجية بمنعطفات مختلفة وتحولات كان حجر زاويتها الرئيس الأمريكي القاطن في البيت الأبيض وسياساته تجاه دول الخليج؛ فبين وجود ترامب وبايدن في سدة الحكم تشكلت العلاقات بين البيت الأبيض والتكتل الخليجي وفقاً لمصالح اقتصادية وسياسية تدعم الجانبين.
وعلى مدار سنوات حكم الرئيسين الأمريكيين كان النفط والعلاقات التجارية والعسكرية محاور مهمة شكّلت الترابط بين ترامب وبايدن من جهة ودول الخليج من جهة أخرى.
وخلال فترته الأولى، سعى ترامب لإنشاء تكتل خليجي في وجه إيران "المارقة" من وجهة نظره، والدفع باتجاه تطبيع دول المنطقة للعلاقات السياسية والاقتصادية مع دولة الاحتلال بشكل غير مسبوق، والاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ"إسرائيل".
كما يُتوقع أن يواصل الضغط تجاه إعطاء دفعة قوية لملف التطبيع في ولايته الجديدة، خصوصاً مع السعودية، رغم كل ما جرى من حرب إبادة جماعية في غزة على مدى شهور طويلة من طرف جيش الاحتلال.
ورغم تطابق مواقف الإدارات الأمريكية السابقة مع المبادرة العربية التي طرحتها السعودية عام 2002، والتي حظيت بإجماع عربي، فإن الانحياز الأمريكي إلى الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب غزة أدخل العلاقات بين الجانبين في اختبار صعب.
وسبق أن أصيبت علاقة أمريكا بالخليج بأزمات ثقة متتالية خلال الأعوام الماضية، بدءاً من تخفيض قواتها في المنطقة، والعلاقة مع إيران، والانسحاب المرتبك والفوضوي من أفغانستان عام 2021، في حين لا تزال التباينات غير واضحة في ما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي الحالي.
وفي الوقت نفسه، يزيد تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين طبقة أخرى من التعقيد إلى المشهد في الشرق الأوسط.
ففي ظل رئاسة ترامب يمكن أن يتصاعد الصراع الصيني-الأمريكي، مما سيخلق خطوط تصدُّع جديدة ويفجر صراعات محتملة. ومهما كانت نوايا وأهداف الرئيس السابق في رئاسته الثانية، سيظل الجميع في الشرق الأوسط قلقين من كيفية تنفيذه هذه النوايا وتحقيق ما يصبو إليه.
ترامب واليمن
يتوقع أن تستمر إدارة ترامب بتعزيز التحالفات الإقليمية لدعم اليمن ضد الحوثيين. يرى ترامب في إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، تهديدًا للأمن الإقليمي، وقد يسعى إلى كبح نفوذها من خلال تقوية علاقاته مع دول التحالف العربي، كالسعودية والإمارات.
هذه السياسة قد تتجسد في زيادة الدعم اللوجستي والعسكري للحكومة الشرعية، بدون التورط المباشر للقوات الأمريكية على الأرض، بما يتماشى مع رؤية ترامب في تجنب الإنفاق والتدخل العسكري المباشر.
كما قد تسعى إدارة ترامب إلى تشديد الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية على الحوثيين، بفرض عقوبات إضافية على الكيانات والأفراد الداعمين لهم. هذه الضغوط قد تضعف قدرة الحوثيين على الاستمرار في الصراع وقد تدفعهم نحو قبول حلول سياسية وفق شروط أكثر صرامة.
يمكن أن يلعب المجتمع اليمني الأمريكي دورًا هامًا يسهم في إعادة تركيز سياسات ترامب نحو اليمن، خاصة وأنه قدم دعمًا واضحًا له في الانتخابات. الجالية الآن في موقع متميز للوصول إلى صناع القرار في الولايات المتحدة، ويمكنها استثمار ذلك عبر بناء تحالفات مع نواب الكونغرس والمسؤولين الحكوميين، لدفع الإدارة الجديدة نحو مواقف تدعم استعادة الدولة اليمنية.
عبر توحيد الجهود وتشكيل مجموعات ضغط (لوبي) مؤثرة، يستطيع اليمنيون الأمريكيون تقوية مطالبهم بزيادة الدعم للحكومة الشرعية في اليمن. كما يمكنهم التحالف مع الجاليات العربية والمسلمة الأخرى، لتوسيع قاعدة الضغط وزيادة فعالية تأثيرهم على صناع القرار.
إلى جانب الضغط السياسي، تبرز أهمية دور اليمنيين الأمريكيين في تعزيز الوعي العام في الولايات المتحدة حول الأوضاع الحقوقية والإنسانية في اليمن. بإمكانهم تنظيم حملات إعلامية تُبرز انتهاكات الحوثيين لحقوق الإنسان وتوثق معاناة الشعب اليمني، مما يساعد في كسب تعاطف المجتمع الأمريكي وزيادة دعم منظمات المجتمع المدني التي يمكن أن تؤثر على السياسات الرسمية.
إضافة إلى ذلك، يمكنهم استثمار وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء أكثر على الأزمة الإنسانية في اليمن، مما يُشكل قوة ناعمة قادرة على التأثير في الرأي العام الأمريكي ودفعه للضغط على المشرعين لدعم حل سياسي يعيد الاستقرار لليمن.
تجدر الإشارة إلى أن إدارة ترامب قد تلجأ إلى نهج "التفاوض تحت الضغط" لدفع الحوثيين نحو حلول سلمية. وعلى المجتمع اليمني الأمريكي دعم هذا التوجه عبر حشد التأييد الشعبي لمفاوضات تضع حداً للصراع وتحقق انتقالاً سياسيًا عادلاً ومستدامًا.
هذا التأثير ممكن من خلال إبراز أهمية السلام العادل والاستقرار في اليمن، ليس فقط لأبناء اليمن، بل للمنطقة ككل ولمصالح الولايات المتحدة كذلك.
في ظل فوز ترامب ودعمه المحتمل للحكومة الشرعية، يجد المجتمع اليمني الأمريكي نفسه أمام فرصة تاريخية للمشاركة الفاعلة في مسار استعادة اليمن من سيطرة الحوثيين. من خلال استخدام الأدوات السياسية، الإعلامية، والاجتماعية، يمكن لهذه الجالية أن تكون عنصرًا أساسيًا في دفع السياسات الأمريكية نحو موقف أكثر حزمًا تجاه الحوثيين، مما يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار للشعب اليمني ويحدّ من النفوذ الإيراني في المنطقة.
لن يتغير
حول هذا الأمر، يرى الباحث في الشأن الأمريكي سيف مثنى، أن نظرة ترامب إلى الخليج لن تتغير "خاصة في ظل الصعود الاقتصادي لهذه الدول، وأيضاً موقعها الجغرافي أو حتى الإقليمي سواء من الناحية المالية أو دور الوسيط الذي تلعبه بعضها".
لكن من الجانب السياسي، يعتقد أنه "ربما سيكون انعكاسه من خلال التعاطي مع الملف الإيراني، بعد التطبيع الذي حدث بين السعودية وإيران".
ويشير إلى أن هذا الملف "سيشكل اختباراً حقيقياً لدى سياسة ترامب في خفض التصعيد مع إيران أو خفض المناوشات الإعلامية، بعد مقتل (قائد فيلق القدس قاسم) سليماني وانسحابه من الاتفاق النووي وفرض عقوبات على إيران"، مضيفاً: "هذا هو المتوقع في حال عودته".
وفي ما يتعلق بعلاقات الخليج مع الصين وروسيا، يقول مثنى: إن ترامب "دائماً ما كان يتحدث في خطاباته، عن أنه لو كان هناك رئيس عاقل فهاتان الدولتان لن تشكلا خطراً على أمريكا، وكان دوماً يهدد بالانسحاب من حلف الناتو خاصة".
وأضاف: "في عهده خفض الدعم وطالب الدول الغربية بالمال؛ لأن العقلية المالية والاقتصادية لدى ترامب لن تجعل منه شرطياً في الشرق الأوسط ولا حتى الأدنى؛ بل تجعله مفاوضاً، خاصة في ما يخص الصين والقاعدة التجسسية لها في كوبا، أو من ناحية تايوان، أو من الدور الذي تلعبه حالياً، إما الوصول لتفاهمات أو معاقبة بكين من خلال فرض رسومات اقتصادية".
وبما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يرى أن "نظرته لن تتغير، فهو من شرعن لإسرائيل من خلال نقل القنصلية الأمريكية إلى القدس ومن خلال التطبيع العربي الذي قاده وسعى إليه، ولهذا دعم إسرائيل أولوية لفوز ترامب بالانتخابات الأمريكية".
التأثير الاقتصادي
ويتوقع الخبراء أن يؤثر فوز ترامب على أسواق دول مجلس التعاون الخليجي بعدة طرق، فهو يركز على تعزيز إنتاج الطاقة المحلي وتنظيم صناعة النفط والغاز وترويج صادرات الغاز الطبيعي المسال عالمياً، ما قد يعزز سوق الطاقة الأمريكي، وينعكس ذلك على اقتصادات دول الخليج المعتمدة على النفط.
وتنقل قناة "العربية Business" عن اقتصاديين، قولهم إن سياسات ترامب التجارية، خاصة مع الصين، قد تؤثر على ديناميكيات التجارة العالمية والطلب على النفط.
فقد يؤدي التباطؤ في اقتصاد الصين، نتيجة التوترات التجارية، إلى خفض الطلب على صادرات النفط من دول مجلس التعاون؛ مما يؤثر على أسعار النفط واقتصادات الدول الست.
واحتفظت دول الخليج والولايات المتحدة بعلاقات اقتصادية متوازنة خلال فترة تولي ترامب الرئاسة، واستمرت كذلك حتى انتشار فيروس كورونا الذي أوقف سلاسل الإمداد حول العالم.
ومع مجيء بايدن إلى الرئاسة لم تعد قيمة الصادرات أو الواردات الأمريكية من منطقة الخليج وإليها، إلى مستويات ما قبل كورونا، واستمر الميزان التجاري بين البلدين يميل تجاه أمريكا.
ويعني هذا أن الميزان التجاري بينهما يسجل فائضاً لصالح أمريكا؛ أي إن صادرات أمريكا إلى دول الخليج أكبر من وارداتها.
وتشير البيانات التجارية بين الجانبين إلى أن واردات هذه الدول خلال أول عامين في ولاية ترامب كانت فوق مستوى 50 مليار دولار، قبل أن تتراجع بفعل كورونا لمستويات 40 مليار دولار، بينما بلغت الصادرات الأمريكية لدول الخليج في الفترة نفسها بين 32 و37 مليار دولار في أول عامين، قبل أن تتراجع بشكلٍ حاد في 2019 إلى 24 مليار دولار بفعل تراجع كبير لأسعار النفط وقتها، واستمرت مع انتشار الجائحة.
ويعتبر الوقود والزيوت المعدنية والألومنيوم ومصنوعاته والذهب والأسمدة أبرز الصادرات الخليجية التي تذهب إلى السوق الأمريكية، بينما تستورد من الأخيرة الآلات والمعدات والسيارات والطائرات ومنتجات الصيدلة والأسلحة.