سينما المرأة في (الجونة).. لجوء وميراث وتحرش ومراهقات

تستحوذ قضايا المرأة على نسبة عظمى من اهتمام صناع السينما لأن لها هموماً دائمة ومستمرة وملحة على مدار السنين، وهي الكائن المحرك لكل شيء في المجتمع ومع ذلك تعاني بطرق مختلفة.. لا تزال قضايا المرأة تحتل مقدمة اهتمام مهرجانات عالمية ومحلية، وتأتي في المقام الأول من حيث الجذب والتنوع والاستحواذ على الدعم والمتابعة.

سينما المرأة في (الجونة).. لجوء وميراث وتحرش ومراهقات

(الأول) متابعة خاصة:

في مهرجان الجونة هذا العام سيطرت قضايا المرأة على عدد كبير من الأفلام على رغم تنوع المائدة السينمائية بين الأعمال السياسية والإنسانية والدرامية لكن النساء استحوذن بمشكلاتهن وتفاصيلهن نصيب الأسد، وعرض نحو 30 فيلماً في مسابقات المهرجان المختلفة سواء الروائية الطويلة أو الوثائقية أو القصيرة عن هموم المرأة وأحلامها وطموحها في كل المجتمعات بمختلف البلدان والجنسيات.

الجميع يحب (تودا)

جاء الفيلم المغربي "الجميع يحب تودا" بطولة نسرين الراضي وإخراج نبيل عيوش في مقدمة الأفلام التي تصدرت الحديث والاهتمام، وسبق وعرض الفيلم بمهرجان "كان" الماضي وهو المرشح للمشاركة في "الأوسكار" كاختيار رسمي من المغرب.

ويدور الفيلم حول تودا الفتاة التي تحلم بالغناء وتنتمي لقرية نائية صغيرة، وتتعرض البطلة لكل أنواع المعوقات التي تعيدها خطوات للوراء كلما تقدمت خطة، فهي امرأة مؤمنة بالفن وبالطموح وسط مجتمع يناهض تقدم النساء، ويتعامل مع المطربة أو عاشقة الفن بنوع من الاستباحة حيث تتعرض تودا للاغتصاب في بداية مشوارها، وتتصاعد الأحداث بمعاناة مستمرة مع المجتمع ومع ابنها الصغير التي تريده أن يتعلم وهو أبكم، وتحاول أن تحقق فيه حلمها وتلاشي عجزها لأنها أمية وتدفع ثمن عدم تعليمها.

تواصل تودا رحلتها وتقرر ترك بلدتها لتعيش في كازابلانكا وتبدأ طريق الغناء الحقيقي الذي يحقق طموحها لكن الابتذال والتدني والقهر يجبرونها دائماً على السقوط، ويلاحقها الرجال الذين يتعاملون مع المرأة كفريسة لا بد أن تدفع ثمن وجودها أو محاولة تحقيق حلمها، فتتخذ تودا القرار الذي يحفظ كرامتها كامرأة في مجتمع ذكوري يطارد النساء ويساومهن على أجسادهن.

وحقق الفيلم تأثيراً كبيراً نقدياً وجماهيرياً لأنه عبر عن مشوار ملغوم عانت منه نساء كثيرات في العالم بكل الجنسيات.

 وقالت نسرين الراضي بطلة الفيلم "إنها أحبت تودا وقصتها منذ أن عرضها عليها المخرج نبيل عيوش الذي يتميز بدعمه للمرأة والتعبير عن المهمشين وحقهم في أن يكون لهم مكان تحت الضوء، وفي حكاية تودا يعبر عن امرأة شعبية فقيرة لا تجيد القراءة والكتابة وتعيش في قرية نائية مع ابنها الأصم والأبكم، وتحلم أن تصبح يوماً ما إحدى "شيخات" (مطربات) فن العيطة، المستمد من التراث الشعبي المغربي، والذي يعتمد على الأداء الصوتي القوي ممزوجاً بالرقص والموسيقى، تبدأ رحلتها متنقلة بين الأعراس والحفلات الشعبية لتثبت موهبتها بإصرار تقابل طامعين في جسدها ومبتزين لا يكترثون لموهبتها ويتعاملون مع المرأة الطموحة كالفريسة أو الكائن الضعيف الذي لا بد أن يقبل مبدأ الابتزاز والتضحية بالجسد والكرامة حتى يصل لهدفه".

وأشارت نسرين أن "قضايا المرأة بالفعل تستحوذ على نسبة عظمى من اهتمام صناع السينما لأن لها هموماً دائمة ومستمرة وملحة على مدار السنين، وهي الكائن المحرك لكل شيء في المجتمع ومع ذلك تعاني بطرق مختلفة".

وحول إجادتها للغناء والرقص الشعبي قالت الراضي، إنها "قابلت شيخات حقيقيات قبل التصوير وتدربت على يد أكثر من شيخة، وأكدت أنها أحبت هذه المهنة جداً بخاصة أن الشيخات وهو اللقب الذي يطلق على المؤديات المخضرمات لفن العيطة لهن دور سياسي كبير أثناء الاحتلال ومنهن نماذج وطنية شديدة التأثير في المجتمع، كما أنهن يتمتعن بموهبة وحضور وكرامة على مر الزمان".

ميراث المرأة

وعن الميراث وحقوق المرأة الشرعية دارت أحداث الفيلم الفلسطيني "شكراً لأنك تحلم معنا"، والعمل من تأليف وإخراج ليلى عباس، ومن بطولة ياسمين المصري وكلارا خوري وكامل الباشا وأشرف برهوم.

والقصة تدور حول الشقيقتين مريم ونورا اللتين توفيَّ والدهما تاركاً إرثاً كبيراً من المال، فتخطط الشقيقتان للاستحواذ على الميراث قبل أن يعلم أخوهما بوفاة الأب لأنه شرعاً وقانوناً سيرث نصف التركة، وهو ما ترى فيه الأختان ظلماً لهما.

أما فيلم "السلام عليكِ يا ماريا" وهو إنتاج إسباني يدور حول مشكلات الأمومة بخاصة ما بعد الولادة وبطلته هي  ماريا الكاتبة الصاعدة التي دخلت حديثاً عالم الأمومة، وتشعر برهبة وخوف وارتباك من هذه المرحلة الجديدة عليها وتدخل في نوبة اكتئاب عندما تصطدم بحادث تقرأ عنه في الصحف عن امرأة فرنسية تُغرِق توأمها ذوا الـ10 أشهر في حوض الاستحمام، تشعر ماريا بالرعب ويطاردها الخبر ويتحول إلى هوس في حياتها ولا تستطيع نسيان الأمر بل تحاول أن تبحث عن أسباب وصول الأم الفرنسية لهذه المرحلة المأساوية.

معاناة اللاجئات

وعن اللاجئات العربيات إلى أوروبا يدور الفيلم الأردني الوثائقي "احكي لهم عنا" حيث يعرض على مدار ما يقرب من ساعة ونصف الساعة رحلة 4 سنوات من حياة لاجئات عربيات صغيرات السن وصلن لألمانيا مع عائلتهن، ويستعرض الفيلم مشكلاتهن وتحولاتهن لسن المراهقة ومحاولات تحقيق الطموح وسط الغربة والذكريات السيئة من صراعات الحروب التي تحفر ذاكرتهن.

ويتصاعد الصراع عندما تحاول الفتيات إيجاد مكان في عالم مغاير ومجتمع لا يرحب بهن وينظر للاجئين كأنهم كائنات أدنى وخطر يهدد المجتمع الأوروبي، بخاصة إذا كانت الفتيات محجبات، وهذا يرمز لتعصب ديني وعنصري من وجهة نظر بعض المجتمعات الغربية.

وقالت المخرجة رند بيروتي بعد عرض الفيلم عربياً للمرة الأول في مهرجان الجونة السينمائي، إنها فكرت في الفيلم عندما كانت بمرحلة الدراسات العليا في ألمانيا وحاولت التواصل مع مركز لمساعدة اللاجئات العرب، وتعرفت إلى بطلات الفيلم اللاتي كن يتدربن في المركز وشاركتهن في ورش تدريب على المسرح والموسيقى والرسم، وكان المشروع في بدايته يتمحور حول أنشطة الفتيات في المركز لكنها بعد الاختلاط بهن قررت أن يكون الموضوع أوسع لأن هناك تفاصيل إنسانية واجتماعية كثيرة جداً تصلح للدراما والسينما".

تتابع، "اقتربت من الفتيات وعائلتهن وتعرفت إلى أحلامهن ومشكلاتهن، وقررت أن يستعرض العمل آمال وأحلام وطموحات وصعوبات الحياة التي تواجه اللاجئات في مرحلة الاغتراب عن الأوطان وكيف يتغلبن على عنصرية المجتمع الغربي".

وأضافت أنها "فكرت بداية في عمل فيلم توثيقي عن أنشطة الفتيات والمركز، لكن بعد أن اختلطت بهن ودخلت بيوتهن وتعرفت إلى عائلاتهن قررت أن هناك الكثير مما يستحق الحكي عنه وعن أحوالهن وأحلامهن".

وأوضحت أن "علاقتها بالفتيات توطدت على مدى سنوات صناعة الفيلم ولم تعرضه إلا بعد أن شاهدن النسخة النهائية وأعجبتهن، وكانت تتمنى أن يأتين لرؤية رد فعل الجمهور لكن تعذر حصولهن على تأشيرات سفر".

مغادرة النجومية

وعن معاناة المرأة عندما تكون نجمة سينمائية وترحل نجوميتها وهي تغادر مرحلة الشباب يدور فيلم "المادة" بطولة النجمة العالمية ديمي مور، والفيلم للمخرج كورالي فرجاه، وحصل على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان "كان" السينمائي.

وأشاد الجميع بأداء ديمي مور التي عبرت عن مشاعر متداخلة تقهر المرأة عندما يقل شبابها وتترنح نجوميتها، وتلعب ديمي دور نجمة سينمائية تدعى اليزابيث سباركل تغيب عنها الأضواء ومحبة الجمهور وتسقط من ذاكرة معجبيها كلما زاد سنها، فتحاول أن تستخدم حلاً سحرياً عن طريق عقار يباع في السوق السوداء يعيد الشخص إلى شبابه لمدة أسبوع فقط ثم يعود بعدها لسنه الحقيقية.

وتتصاعد الأحداث عندما تمر اليزابيث بتعقيدات ومفاجآت كارثية وتظهر لها نسخة أخرى اسمها "سو". وعبر الفيلم بشكل عام عن أزمات المرأة والتقدم في العمر وفقدان الشباب وآثار عدم تقبل المراحل العمرية المختلفة.

قضايا المراهقات

وعن المراهقات ومشكلاتهن دار أكثر من عمل ومنها فيلم "الفتيات سيبقين فتيات" من إخراج شوتشي تالاتي، والعمل من إنتاج الهند، ويدور في مدرسة داخلية صارمة تقع في جبال الهيمالايا، حول "ميرا" الفتاة المراهقة الرومانسية، وتعاني الفتاة من أمها التي تعيق صحوتها الجنسية المتمردة.

ويدور فيلم "سام" عن المراهقات أيضاً، وبطلتاه فتاتان تحلمان بالهرب من كآبة بلدتهما، فيدرسا في مدرسة محلية لتعليم عرض الأزياء، وتربطهما علاقة قوية، وفي رحلة تحقيق الحلم من أجل حياة أفضل يتعرضان هما وغيرهن لصدمات قاسية بسبب انتهاك أجسادهن بطرق شديدة التطرف.

ويدور فيلم "طائر" الذي شارك في المسابقة الرسمية في مهرجان "كان"، عن طفلة تدعى بايلي، عمرها 12 سنة، تعيش مع والدها الأعزب وشقيقها في منزل صغير.

وتعاني من انشغال والدها عنها وهي في مرحلة حرجة وهي البلوغ، فتحاول تعويض هذا الإهمال بطرق مختلفة لجذب الانتباه وتعويض النقص التي تعيشه بأسرتها.

ومن الأفلام التي عبرت عن قضايا مختلفة للمرأة فيلم "أضواء صغيرة" وناقش قضية الانفصال الزوجي وكيف تؤثر في حياة المرأة والأبناء.

وتناولت أفلام أخرى قضايا متعددة مثل "حين تسمع صرصور الليل يحين دورك" وطرح تأثير الارتباط الخاطئ في حياة المرأة، و"عن السقوط" الذي ناقش قصة فتاة تحاول الاندماج في مجتمع غريب وتعاني من الخوف الاجتماعي.

 وناقش فيلم "نحن في الداخل" علاقة فتاة بأبيها الطاعن في السن وإحساسها بضرورة تداخل العوالم بينهما.