إثر هزيمة المحور.. كيف ستدير إيران سياستها الإقليمية بعد سقوط الأسد؟!

إثر هزيمة المحور.. كيف ستدير إيران سياستها الإقليمية بعد سقوط الأسد؟!

(الأول)  عبد الغني دياب:

ما هي إلا ساعات قليلة من إعلان سقوط رأس النظام السوري بشار الأسد، ومغادرته العاصمة دمشق، التي باتت في يد الفصائل المسلحة، حتى أعلن الجيش الإسرائيلي عن توغله داخل الأراضي السورية، فارضاً ما أسماها منطقةً عازلةً مؤقتةً، وتزامن ذلك مع انسحاب كامل للإيرانيين من الأراضي السورية، وفق ما أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام.
المشاهد الثلاثة السابقة تزامنت مع تراجع في حدّة التصريحات الإيرانية تجاه إسرائيل، وهو ما يفتح تساؤلاً ملحاً حول الأدوار التي يمكن أن يلعبها ما سُمّي لسنوات "محور المقاومة"، والذي تقوده إيران، ما بعد سقوط نظام الأسد الذي كان يُعدّ أحد أبرز الأوراق التي تعتمد عليها طهران في تسويق إستراتيجيتها في المنطقة، حتى أن المرشد الإيراني علي خامنئي سبق أن وصف بشّار الأسد بأنه "مقاوم ومقاتل كبير".

"السؤال الملح اليوم بعد التغييرات الكبيرة التي طرأت في الأيام الماضية، والضربة القاصمة للوجود والمشروع الإيرانيين في المنطقة؛ هل تتخلّى طهران عن تطلعاتها التوسعية بشكل دائم؟ أو أنها اتخذت خطوةً للخلف كجزء من الترتيبات الإقليمية والدولية التي دفعت بهذا الانهيار السريع لقوات الأسد، أمام فصائل المعارضة السورية؟"

تفاهمات إقليمية ودولية 
تقول ليلى موسى، ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في مصر، إنه "من الواضح أن الانسحاب الإيراني من سوريا بشكل كامل، جاء نتيجة تفاهمات إقليمية ودولية، اختارت فيها طهران الانسحاب من سوريا لأنها كانت تعاني من ظروف قاسية جداً على المستويين الإقليمي والمحلي".
السؤال الملح اليوم بعد التغييرات الكبيرة التي طرأت في الأيام الماضية، والضربة القاصمة للوجود والمشروع الإيرانيين في المنطقة؛ هل تتخلّى طهران عن تطلعاتها التوسعية بشكل دائم؟ أو أنها اتخذت خطوةً للخلف كجزء من الترتيبات الإقليمية والدولية التي دفعت بهذا الانهيار السريع لنظام الأسد؟
وتضيف في تصريحات لرصيف22: "ربما لدى طهران أولويات أخرى حالياً، وهو ما جعلها تتخلى عن نظام الأسد، خاصةً أنها تلقّت ضربات موجعةً على يدّ الإسرائيليين، وخسرت الكثير من أذرعها سواء في حرب غزّة أو لبنان، أو خلال الهجمات التي استهدفت مواقعها في سوريا".
وتتفق مع هذا الطرح الباحثة نيكول جرايوسكي، وهي زميلة في برنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إذ تصف في مقال لها الانسحاب الإيراني من سوريا بأنه "تكتيكيّ في المقام الأول"، مشيرةً إلى أن "طهران تنظر إلى دمشق باعتبارها أحد أهم المواقع الإستراتيجية بالنسبة لها، حتى أنها استثمرت ما يُقدَّر بنحو 30 إلى 50 مليار دولار خلال السنوات الماضية، لدعم نظام بشار الأسد".

حماية المحور عبر التخلص من الأسد
تشير الباحثة إلى أن قبول إيران سقوط الأسد كان جزءاً من "خطواتها لحماية محور المقاومة من الانهيار الكامل"، موضحةً أنه منذ مطلع عام 2024، وجدت كلٌ من روسيا وإيران أن نظام الأسد يمثل عبئاً عليهما، وأنه يرسم بشكل متزايد مساراً مستقلّاً يتعارض مع الأهداف الإقليمية لطهران تحديداً، وهو ما جعل إيران التي سارعت من قبل إلى التدخل في سوريا لإنقاذ محور المقاومة من الانهيار، ترى أنه من الضروري اتخاذ خطوة معاكسة تماماً للهدف نفسه".
وتقول جرايوسكي، إن "الشبكة التي كوّنتها إيران، والممتدة من طهران إلى بيروت إلى صنعاء، كانت بمثابة إجابة إيران على العزلة الإقليمية والضغوط الغربية. ولكن هذا النموذج الذي بدا فعّالاً للغاية في لبنان، انهار قبل أشهر مع استنزاف إسرائيل لحزب الله، وفي نهاية المطاف، أثبت هذا النموذج عدم استدامته في سوريا أيضاً".

المشروع الإيراني لا يزال قائماً 
تجزم ليلى موسى، بأن "الإستراتيجية الإيرانية، المتمثلة في مشروع الهلال الشيعي، لا تزال موجودةً، إذ إن المشروع جزء من العقيدة الإيرانية، ويمكن أن تعيد طهران توظيفه بأوراق جديدة في المستقبل"، لافتةً إلى أن "سوريا كدولة، بغض النظر عمن يحكمها، مهمة لإيران، ولذلك رأينا كيف أن طهران أطلقت تصريحات سريعةً تؤكد استعدادها للتعاون مع الحكومة الجديدة في سوريا".
وتوضح أن الفترة المقبلة ستكشف عن شكل العلاقات السورية الإيرانية، مؤكدةً أن ذلك سيتوقف على مدى إمكانية تغيير إيران لتوجهاتها في المستقبل، أو حتى صمود النظام الإيراني نفسه في ظل التحديات التي يواجهها حالياً ومستقبلاً.

"الانسحاب الإيراني من سوريا بأنه "تكتيكيّ في المقام الأول... طهران تنظر إلى دمشق باعتبارها أحد أهم المواقع الإستراتيجية بالنسبة لها، حتى أنها استثمرت ما يُقدَّر بنحو 30 إلى 50 مليار دولار خلال السنوات الماضية، لدعم نظام بشار الأسد"

وتكمل أنه "في المقابل، فإن سوريا لها تأثير مباشر على الأمن القومي الإسرائيلي، لذا ستعمل تل أبيب على تأمين حدودها مع سوريا، وهو ما ظهر في التحركات السريعة لها"، مشيرةً إلى أنه برغم العداء المعلن مع عائلة الأسد، إلا أن إسرائيل تمكّنت من خلق سياسة توافقية مع دمشق، ولم نشهد أي مواجهات بين الطرفين خلال العقود الماضية.
وتفسر موسى، التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، بأنه محاولة استباقية أقدمت عليها تل أبيب تحسّباً لأيّ مخاطر مستقبلية، وتستدلّ على ذلك بالضربات التي استهدفت مستودعات الأسلحة ومراكز البحوث التابعة للنظام السوري، خشية وقوعها في يد الفصائل المسلحة، قبل أن تكون هناك تفاهمات جديدة.
كذلك، تتخوف السياسية السورية من الدور التركي الذي بدأ يشغل الفراغ الذي تركته خلفها طهران، مشيرةً إلى أن سوريا وإن كانت قد تخلصت من مشروع توسعي إيراني، إلا أنها تواجه مشروعاً توسعياً آخر، هو المشروع التركي، إذ إن قسماً كبيراً من الفصائل التي سيطرت على تركة الأسد، مرتهن لتركيا.

إرهاصات وقف حرب لبنان
يتفق مع هذه الرؤية، الباحث الفلسطيني، أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، إذ يرى أن قرار وقف الحرب في لبنان، كان مرتبطاً بما حدث في دمشق، لافتاً إلى أن سبب قبول قادة اليمين الإسرائيلي المتطرف وقف الحرب على لبنان، كان ناتجاً عن قناعات بأن شيئاً ما سيحدث في المنطقة.
ويقول في تصريحاته لرصيف22، إن "تقدّم دبابات إسرائيل إلى العمق السوري، وتدمير مواقع إستراتيجية في سوريا، ودخولها قرابة 14 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، استباق لأي تطورات قد تحدث في المنطقة لا سيما بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة".
ويشير إلى أن إيران بالتأكيد هي أكثر الخاسرين مما حدث، فعلى الرغم من أنها لم تشارك في الحرب بشكل كبير ومباشر، إلا أن سقوط بشار يمثل ضربة موجعة لها، لكنها تبنّت إستراتيجيةً مختلفةً خلال الأسابيع الأخيرة، مستشهداً بتصريحات محمد جواد ظريف، التي أدلى بها للمجلة الأمريكية، وأكد خلالها على عمق وقدم العلاقات بين الفرس واليهود تاريخياً.
ويضيف: "لا يمكن التكهن بشكل العلاقات السورية الإسرائيلية، لأن الخريطة السياسية السورية لم تتشكل بعد، كما أنها قابلة للتغير في المرحلة المقبلة، ففي ظل وجود مجاميع قتالية مختلفة وطائفية مختلفة، وكذلك وجود الأكراد الذين يمتلكون أيضاً قواتهم الخاصة، قد تشهد المنطقة انقسامات مذهبيةً أو إثنيةً، وهو ما يجعل المرحلة المقبلة غير واضحة المعالم، وتالياً يصعب التنبؤ بما سيحدث".

تهدئة سورية إسرائيلية
يتوقع الرقب، أن أيّ "نظام ناشئ في سوريا، ستكون له علاقات مع إسرائيل، وأن هذه العلاقات إن لم تكن جيدةً، فستكون أقل حدّةً في التعامل مع إسرائيل ما قبل سقوط الأسد، مع الإقرار بأن نظام الأسد الأب والابن لم يفتح أي جبهة لمواجهة إسرائيل، واكتفيا برفع الشعارات فقط، حتى أنهما لم يفتحا أيّ مسار عسكري أو سياسي لاستعادة الجولان المحتل طوال هذه العقود".
وفي المقابل، يميل الباحث السوري، أحمد شيخو، إلى الرأي القائل بأن إيران جزء من الترتيبات الإقليمية التي سرعت سقوط نظام الأسد دون مقاومة تُذكر، مؤكداً أنه "برغم انحسار ما يسمى بمحور المقاومة، إلا أن العقلية الإسلاموية، سواء كانت شيعيةً أو سنّيةً، لديها رغبة في تصدير أفكارها، لذا لن تتخلى طهران عن طموحاته، إلا أنها ربما تغيّر أساليبها وأدواتها في المستقبل".
ويضيف شيخو، لرصيف22، أن إيران تخلّت حالياً عن بعض حلفائها لحماية برنامجها النووي، الذي تراه أهم أولوياتها في الوقت الحالي، لكن ربما تتحضر لجولات أخرى مستقبلاً.
بعد وصول قيادات من جماعة الإخوان المسلمين إلى رأس الحكومة السورية، يتوقع شيخو أن تشهد الفترة المقبلة، تفاهمات مع القوى الغربية، ويشير إلى أنه "ليس مستبعداً أن تدخل دمشق الجديدة ضمن اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، المعروفة باسم اتفاقيات إبراهام، والتي رعتها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات الإسرائيلية مع البلدان العربية".

إصلاحيو إيران والتقارب مع الغرب
في سياق متّصل، تتوقع الباحثة الأمريكية باربرا سلافين، المحاضرة في الشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، في مقال لها، أن تشهد الفترة المقبلة تقاربات بين إيران والغرب، مؤكدةً أن إيران تتخوف من أن يغري سقوط الأسد المعارضة الإيرانية لتزيد من ضغوطها على نظام خامنئي، وتقدم على تحركات مشابهة.
وتستدرك الباحثة بأن طهران على عكس سوريا، لديها مجتمع مدني ومؤسسات متطورة يمكن إعادة استخدامها كأدوات جديدة، خصوصاً التيار الذي يرفع شعار "إيران أولاً"، والذي ربما يمكن تصديره لإصلاح العلاقات مع الغرب، وهو ما يتوافق مع المقال الذي نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، لوزير الخارجية الإيراني الأسبق جواد ظريف، والذي أكد فيه انفتاح بلاده على إصلاح علاقتها مع الغرب.
ويختلف الباحث السياسي السوري وائل الأمين، مع الطرح السابق، إذ يرى أنه بعد سقوط نظام الأسد، لم يعد هناك ما يسمّى بمحور المقاومة، إذ لم يبقَ من وكلاء إيران في المنطقة إلا ما تبقّى من حزب الله اللبناني، وما تبقّى من المقاومة المتحالفة مع طهران في غزّة.

"انتصار الثورة السورية فتح الباب لهزيمة إيران وأذرعها في المنطقة، وإنها باتت مجبرةً على تقبّل الواقع الجديد، وإن ما قبل سقوط بشار ليس كما بعده، حيث لن تتمكن طهران من استغلال أيّ من الأوراق التي كانت تستخدمها في السابق"

ويقول الأمين، لرصيف22، إن "انتصار الثورة السورية فتح الباب لهزيمة إيران وأذرعها في المنطقة، وإنها باتت مجبرةً على تقبّل الواقع الجديد، وإن ما قبل سقوط بشار ليس كما بعده، حيث لن تتمكن طهران من استغلال أيّ من الأوراق التي كانت تستخدمها في السابق".
ويعوّل الباحث السوري، على الحكومة السورية الجديدة التي تواجه مجموعةً كبيرةً من التحدّيات في إعادة رسم علاقات سوريا بالعالم الخارجي على المستويين الدولي والإقليمي، مشيراً إلى أن أول ما يجب فعله، مواجهة التحديات الداخلية وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات.

إسرائيل ستظل عدوّ السوريين
يحسم الأمين، شكل العلاقة السورية مع إسرائيل في ظل حكومة ثورية جديدة، قائلاً إن أحد القادة المؤثرين في  فصائل المعارضة صرّح له قبل أيام بأن "إسرائيل ستظل عدوّاً محتلّاً لأرض سوريا"، مشيراً إلى أنه لا يمكن التنبؤ بشكل العلاقات السورية الإسرائيلية، إذ إن الثورة لا تزال في أيامها الأولى، والأيام المقبلة ربما تحمل تطورات أسرع من المتوقع.