لصوص مع مرتبة القرف

ليس سياسيًّا ولا هامورًا ولا لصًّا يحمل حصانة، ولا مواليًا لحزب أو فئة أو جهة.
مُعلّم نزيه شريف عفيف، اعتصر الألم والجوع دواخله، وعصف بأبنائه، ومع هذا وذاك ظل صامدًا في ميدان العلم بلا كلل أو ملل.
لم يملّ لجهة أو يتزلف لأحد، لم يسرق أو يقطع طريقًا، لم ينصب نقطة جبايات، ولم يطبّل لمسؤول فاسد؛ فهو لا يملك إلا شرفه، وسمعته هي رأس ماله.
مع أن العبرات خنقته، والدموع كادت أن تسقط من مآقيه، إلا أنه كابر وتحمل، وعاد يتكلم عن واقع بائس مؤلم بلسان الجميع وليس بلسان حاله.
صار المعلم ذليلًا، قلتُ ذلك سابقًا، واليوم الواقع يترجمها عمليًّا، فيظهر المعلم المكلوم يشكو عوزه وحاجته وقلة حيلته وفقره.
يشكو أسرته التي تنتظر منه لقمة خبز يابسة تسد بها رمق جوعها، وهو يجد نفسه عاجزًا أمام كل هذا، ولا يستطيع أن يوفر لها أبسط المطالب.
ذُلَّ المُعلم، ومن أذلّه أناس لا يجيدون القراءة والكتابة أو التخاطب، بل حالفهم الحظ والقدر، فأصبحوا قادة بقدرة قادر وهوامير مع مرتبة القرف.
لم يحدث أبدًا أن خرج المعلم إلى الشارع يشكو للناس جُرحًا يؤلمه، ولم ينكسر قط أو يتذلل لأحد؛ عرفناه شامخًا مُهابًا قويًا شجاعًا.
وفي زمن الأوغاد والأوباش طاله الحرمان، وعصف به الجوع، ونكّل به الساسة، وتطاول عليه الأتباع والأنذال.
أكرموا عزيز قومٍ ذل، واتقوا الله في أنفسكم؛ فلا يجتمع الجوع والحرمان والذل والمهانة.
المعلم ومن على شاكلته لا يبحثون عن مناصب وكراسٍ وسيادة؛ اذهبوا بها إلى الجحيم، كل ما يبحثون عنه لقمة خبز وشربة ماء ووطن وشيئًا من الاحترام المفقود.
فلتتصارعوا بعيدًا، ولكن دعوا للمواطن أحلامه البسيطة التي لا تتعدى كسرة الخبز وفتات الراتب الذي بات يرقد في جنبات المحال.
أنتم لصوص وهوامير، لا خلاف في ذلك، ولن ينازعكم أحد في ذلك؛ فاللصوصية والسرقة والنذالة لها أهلها، ونحن أهلٌ لما نحن فيه من عزة وأخلاق وأدب وكرام
رُفعت الجلسة.